استكمالا لمقالتي قبل عشرة أيام في العزيزة "الوطن" عن مسؤولية أطراف اغتيال الشهيد عمر النايف في قلب السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية؟ وتحميل جهات ثلاث: الموساد الصهيوني، السلطة الفلسطينية والمخابرات البلغارية هذه المسؤولية، وإضافة إلى ما كتبناه، نقول كحقائق لا يرقى الشك إليها:
أن الشهيد وقبل اغتياله بأسبوع واحد، قال للمسؤول عن متابعة قضيته: بأنه يشعر وأن شيئاً ما يُطبخ في السفارة. للعلم، ليلة اغتياله وحتى الثالثة صباحاً كان يتحدث مع زوجته. أما قصة إقناعه بالالتجاء إلى السفارة، فتتلخص في التالي: أنه وبعيد الطلب الصهيوني من بلغاريا بتسلمه، ذهب مسؤول أمن فلسطيني اسمه ممدوح، (يشرف على أمن السفارات في عدة دول أوروبية، ذهب إلى بيت عمر وأقنعه بالاختباء في بيته (باعتبار البيت تابع للسفارة، وليس بإمكان الأجهزة البلغارية المعنية، اعتقال المغدور فيه، باعتبار البيت خاضع للحصانة الدبلوماسية! الذي تبين فيما بعد، كذب المعني، فبيته ليس خاضعاً لأي حصانة) وصباح اليوم التالي ذهبا معاً إلى السفارة.
الغريب، أن طاقم السفارة بمن فيهم السفير ابتدأوا في الضغط عليه للخروج من السفارة. في لجنة التحقيق التي شكّلها الرئيس عباس، وبعد أن اطّلعت على واقع الأمر ميدانياً، صاغت تقريرها، فإذ بتلفون من وزير الخارجية الفلسطيني لرئيس اللجنة يطلب منه إلغاء كل ما يتعلق بمسؤولية إهمال السفارة لقضية المعني، مما اضطر اللجنة إلى إعادة صياغة التقرير بقالب جديد، الأمر الذي دعا مندوب العائلة (شقيق الشهيد) إلى الانسحاب من عضوية اللجنة. الأخيرة صاغت تقريراً أولياً لا أكثر.
من الحقائق أيضاً: رفض السلطات البلغارية مشاركة طبيب فلسطيني في عملية التشريح. أيضاً، أن الشهيد كان حياً في الثامنة صباحاً، حين دخل أول موظف للسفارة للالتحاق بعمله، وبقي على حالته حتى الساعة الثانية عشرة والنصف، بسب تأخر سيارة الإسعاف أربع ساعات ونصف الساعة! السفارة لم تستدع ولو طبيباً واحداً لإسعاف المغدور. الشهيد فارق الحياة في سيارة الإسعاف. عند الاغتيال لم يكن المدعو ممدوح في بلغاريا، والسفير كان مرتبكاً طوال الوقت!
قلناها في المقالة السابقة: كان مفترضاً بالسلطة الفلسطينية انتهاج وسائل ملموسة في ثلاثة اتجاهات: الأول، إعطاء الأوامر لسفيرها بتسهيل بقاء النايف في السفارة، وعدم الضغط عليه للخروج منها. الثاني، كان على الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومدير مخابراتها المدعو ماجد فرج، كما رئيس السلطة، اللذان يتباهيان بالتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، وبإفشال ما ينوف عن 200 عملية ضد قوات احتلاله، إرسال حرس من الأجهزة لحماية المعني، فألف باء قواعد الأمن، تفترض احتمال تنفيذ خطة صهيونية لقتل النايف في داخل السفارة، وبخاصة بعدما يغادرها الموظفون إلى بيوتهم! أما الاتجاه الثالث فهو العمل على إبطال وإفشال محاولات العدو الصهيوني لتسلمه. كان الأولى: اتخاذ سلسلة إجراءات تتخذها مطلق دولة في الدفاع عن رعاياها! (ملاحظة: أكتب هذا الجزء القانوني بعد التشاور والاستيضاح من الصديق العزيز الأستاذ الدكتور الصديق أنيس فوزي القاسم خبير القانون الدولي، والمُحَكّم في النزاعات الدولية):
أولاً: لا السلطة ولا وزارة خارجيتها ولا السفارة، طلبت الاطلاع على نسخة الطلب الصهيوني بتسلم النايف، ولا عن التوضيحات، التي يتوجب إشفاعها بطلب التسليم!. ففي العادة، من حق دولة المطلوب الاطلاع من الدولة المطلوب منها التسلم، الاطلاع على كافة الوثائق المتعلقة بعملية التسلم. الدولة الأولى وبعد دراسة الطلب، تحيله بكل وثائقه إلى المستشار القضائي لديها.
ثانياً: لا يتم التسليم إذا ثبت أنه جرى تعذيب للمعتقل. فما بالك في حالة الكيان الصهيوني؟ الذي ثبّتت المحكمة العليا في دولته الفاشية حق المخابرات الصهيونية في استعمال التعذيب (الذي أسمته خفيفاً! وكأنها تشرف على كل عملية تعذيب!) لانتزاع الاعترافات من المعتقلين الفلسطينيين (هناك اتفاقية دولية تثبّت هذا الأمر( .
ثالثاً: لا يحوز لبلغاريا اعتقال النايف إلا إذا كان متهماً جنائياً في بلغاريا. النايف هو مناضل وطني ومقاوم للاحتلال ولم يقترف أي جناية في بلغاريا. (المقاومة مشروعة بقرارين واضحين من الأمم المتحدة (القرار رقم3034 الصادر بتاريخ 18 ديسمبر1972، والقرار رقم 3314 الصادر بتاريخ 14 فبراير 1974 والذي يجيز استعمال الكفاح المسلح(
رابعاً: السلطة الفلسطينية لم تقم بالتحقيق في قضية النايف مطلقاً! وانتداب وفد تابع لها إلى بلغاريا (بمشاركة أحد أعضاء الجبهة الشعبية) لتقوم بالتحقيق في القضية، كما جرت العادة في حالات التسلم للمطلوبين! ولم تقم بالمهمات الدبلوماسية اللازمة المنوطة بها.
خامساً: لا يسمح بدفن المغدور قبل إجراء عملية تشريح لجثته، يشارك فيها خبير تشريح من الدولة المسؤولة عن المطلوب. للعلم في حالة المرحوم عرفات، تم استخراج جثته بعد ثماني سنوات من تسميمه! وثبت قطعياً وجود مادة مشعة في العينات التي أخذت من جثته! وبالحتم لدى فرنسا الخبر اليقين. ثم إن مباحثات دارت لسنتين بين الأردن وبريطانيا لتسلم "أبو قتادة" مع شرط بريطاني على الأردن وتعهدها بعدم تعذيب المتهم!
سادسا: السفارة هي الأخرى لم تقم بأي نشاط سوى الضغط على النايف للخروج من السفارة.
سابعاً: وأخيراً، اتفاقيات أوسلو المشؤومة اشترطت على السلطة التنسيق الأمني معها! أما ادعاء مسؤوليها بتحديد هذا التنسيق أو وقفه، فهو ادعاء تخديري ديماغوجي كاذب! جملة القول، إن آجلاً أو عاجلاً ستُكشف تفاصيل اغتيال النايف، شاؤوا أم أبوا! أما القصاص فسيكون لكل حادث حديث، وقد أثبتت المقاومة في تجارب عديدة: أن يدها ويد الثورة طويلة، وتستطيع الوصول لكبار القتلة والجنرالات والوزراء الصهاينة، ولكل من يثبت أن له ضلعاً ولو صغيراً في عملية الاغتيال. وإلى لقاء.... وعلّ أولو الألباب يفقهون ويفهمون! (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب(.
صحيفة الوطن العمانية