تجار: طلب منا دفع مبالغ من 5 إلى 10 آلاف دولار مقابل العمل بالآلية
الاقتصاد: شبهات كبيرة تدور حول بعض التجار ونشجع من لا يلتزم بالآلية
UNOPS: الشئون المدنية صاحبة القرار والسلطة لم تطلب إلغاء الآلية
اتحاد الصناعات: الجميع يتهرب من المسئولية والتجار تحملوا خسائر فادحة نتيجة الاغلاق
خبراء: الجهات التي وقعت وبعض المقاولين والأمم المتحدة معنية باستمرار الآلية
يافطة كبيرة علقت على باب المستودع الضخم كتب عليها "هنا تباع مواد البناء للإعمار وفق آلية الرقابة الدولية"، لكن المفاجئ أن المستودع كان فارغا عن آخره لا يمكنك ان ترى فيه الا تلك الكاميرات التي تحيطك من كل زاوية ترقب تحركات كل من يدخل المستودع والمنطقة المحيطة به.
هذه السمة التي ميزت كل مراكز ونقاط التوزيع مردها آلية الرقابة الدولية على الاعمار التي وضعت خشية تسرب مواد البناء للسوق السوداء وبالتالي قد تصل إلى المقاومة الفلسطينية وتستخدمها في بناء وترميم الأنفاق، كما اعلن الاحتلال منذ بداية التوقيع على خطة روبرت سيري التي أنتجت هذه الآلية بموافقة الطرفين الفلسطيني ممثل بالسلطة والاحتلال الإسرائيلي وبمراقبة الأمم المتحدة.
ومع التصريحات التي صدرت عن الاحتلال خلال الفترة الماضية المتحدثة عن قدرة المقاومة الفلسطينية على ترميم الانفاق وتوسيعها، سقطت مبررات العمل بهذه الآلية والتي لم تمنع المقاومة من استكمال تجهيزاتها، لكن المفارقة هنا أن آلية الرقابة الدولية على مواد الإعمار GRM (Gaza Reconstruction Mechanism) استمرت في العمل رغم أنها عطلت عملية الاعمار بعد الحرب على قطاع غزة صيف العام 2014 والتي انتجت دمارا هائلا، دون أن يصدر أي صوت رسمي وفصائلي ينادي بإلغائها أو تعديلها رغم كل الانتقادات التي توجه لها وأبرزها أنها شرعنت الحصار عبر البوابة الدولية.
سقوط مبررات العمل بآلية الرقابة الدولية يطرح تساؤلا مهما حول من المستفيد من استمرار العمل وفق آلية GRM؟
أسوار شائكة
لم يكن من السهل على الرسالة الخوض في هذه القضية المعقدة والتي تحيطها أسوار شائكة يضعها أصحاب الأموال والمصالح امام كل من يحاول الوصول إلى حقيقة من يتلاعب بمصير أكثر من مليوني فلسطيني يتعطشون لمواد البناء التي حرموا منها طوال سنوات الحصار.
طوال عام ونصف من العمل وفق الآلية التي شابها الغموض والتضارب ولم يكن يصل المجتمع المحلي من أخبار حولها سوى منع بعض التجار عن العمل، لكن جاء نبأ إيقاف أكثر من 70 منشأة نهاية شهر ديسمبر الماضي صادماً.
عشرات التجار خاضت معهم مراسلة الرسالة نقاشات معمقة حول الآلية لمحاولة فك تلك الشيفرة المعقدة التي أبدى جميعهم بلا استثناء امتعاضهم منها، كما كان التحفظ والخوف من البوح هما الرد الأبرز عند السؤال حول الاطراف المستفيدة من استمرار العمل وفق الآلية المجحفة.
الرسالة علمت من تجار أنهم تلقوا عروض بدفع رشاوى مالية تتراوح ما بين 5 إلى 10 آلاف دولار مقابل عملهم وفق الآلية، وأن جزءا من المبلغ يذهب لمسؤول اسرائيلي يعمل على كرم أبو سالم، مؤكداً أن بعض موظفي السلطة السابقة الذين تربطهم علاقات بسلطة رام الله يأخذون رشاوى أيضاً مقابل التنسيق للتجار
عدد كبير من التجار تحدث سراً عن وجود متنفذين في عدة جهات مستفيدين من هذه الآلية ومصالحهم تدفع باتجاه استمرارها.
الرسالة استطاعت الوصول إلى معلومات تؤكد تلقي المسؤولين عن التنسيق للتجار في الشئون المدنية في غزة ورام الله رشاوى مالية مقابل التنسيق للتجار الجدد أو اعادة التجار الموقوفين عن العمل بالآلية، مع التوضيح أن جزءا من هذه الرشاوى يصل لمسؤولين إسرائيليين يعملون على معبر كرم ابو سالم والذي يتحكم بإدخال البضائع لقطاع غزة.
ناهض السلطان تاجر من قطاع غزة يمتلك شركة ومعملا للإسمنت قال للرسالة " رفضت العمل وفق الآلية من البداية لأن شروطها تخدم الطرف الاسرائيلي خاصة أنه من ضمن الشروط للحصول على "السيستم" أن يكون رقمك لدى المخابرات الاسرائيلية وفي اي لحظة يتم الاتصال عليك خلال نصف ساعة يجب ان تكون في معبر ايرز للمقابلة".
و"السيستم" هو الاسم الشائع بين التجار لألية الرقابة الدولية.
وأكد السلطان أنه رفض العمل بالآلية في البداية ولكنه اضطر لذلك بعدما أغلقت في وجهه كل الابواب وبعد خمسة شهور من بدئها، موضحاً أنه لم يدخل لشركته عبر المعبر سوى ستة سيارات اسمنت خلال خمسة أشهر، وأوقف عن العمل بالآلية رغم عدم وجود مخالفات، بينما هناك تجار تدخل لحسابهم مئات الاطنان يومياً.
وشدد على أنه طرق كل الأبواب وتلقى الوعود بإعادته للعمل دون فائدة حتى جاءه شخصان يدلانه على الطريق السحرية لإعادته أحدهم طلب مبلغ خمسة آلاف دولار والآخر طلب سبعة آلاف دولار كرشاوى للمتنفذين ومن يملكون قرار اعادته للعمل.
السلطان قال للرسالة "رفضت دفع أي رشاو لأني أرفض هذا الأسلوب وأعلم أنني سأعود للعمل وفق الآلية فترة ومن ثم تغلق مرة أخرى لدفع الرشاوى مجدداً كما جرى مع غيري".
السلطان رفض البوح عن الأطراف التي طلبت منه دفع المبالغ لكنه أكد أنها تذهب للشؤون المدنية، وأن بعض المسؤولين من رام الله حينما تواصل معهم قالوا له حرفياً "يجب ان تأتي لرام الله وهناك يمكن ان نتفاهم "ونزبط وضعك".
وشدد السلطان على وجود معايير لدى التاجر للعمل بالآلية أولها ان يكون مرضيا عنه اسرائيلياً والثاني أن يكون مرضيا عنه من السلطة في رام الله ورجالها عن طريق دفع أموال لهم.
الرسالة علمت من تجار آخرين أنهم تلقوا ذات العروض بدفع رشاوى مالية تتراوح ما بين خمسة إلى عشرة آلاف دولار مقابل عملهم وفق الآلية.
وقال أحد التجار لمراسلة الرسالة رافضاً ذكر اسمه أن جزءا من المبلغ يذهب لمسؤول اسرائيلي يعمل على كرم أبو سالم، مؤكداً أن بعض موظفي السلطة السابقة الذين تربطهم علاقات بالسلطة في رام الله يأخذون رشاوى أيضاً مقابل التنسيق للتجار.
وبين أن بعض التجار يحصل من خلال الواسطة والرشاوى على أكثر من اسم للعمل وفق الآلية عن طريق تقديم أسماء أبنائه أو زوجته ويدخل كميات ضخمة لحسابه في حين بعض التجار يحصلون على كميات بسيطة من مواد البناء وخاصة الاسمنت.
الاستطلاع أثبت أن 86.6% من التجار دفعوا مبالغ مالية مقابل التنسيق لهم والعمل وفق آلية الرقابة الدولية GRM، بينما و33.3% منهم طلب منهم مباشرة دفع رشاوى مقابل التنسيق لهم أو اعادتهم للعمل وفق الآلية.
كما قال 86.6% أنه تم التنسيق لعدد من التجار بعضهم لا علاقة له بالإسمنت عن طريق الواسطة والمحسوبية، في حين أقر 80% أنه تم التنسيق لهم من خلال دفع مبالغ مالية لمسؤولين
عشرات التجار الذين التقتهم الرسالة سواء ممن أوقفوا عن العمل بالآلية أو المستمرين بالعمل أكدوا صحة ما يقال عن الواسطة والرشاوى التي تدفع مقابل التنسيق للعمل بآلية الاعمار من قبل الشئون المدنية، وأحدهم قال حرفياً "الي بدو يمشي شغله يسافر لرام الله يقدم فروض الولاء والطاعة ويدفع ثم يعود لغزة ويشتغل".
من ناحية أخرى قال عدد من التجار الذين التقتهم الرسالة أن وزارة الاقتصاد في غزة تلعب دور سيء من خلال فرض الكثير من الضرائب واستحداثها بهدف جمع الأموال من التجار, اضافة إلى مصادرة شحنات من بعض التجار دون وجه حق.
وأكدوا أن السعر الذي حددته الوزارة مرتفع وهناك امكانية لبيعه بأقل في السوق بسبب توفر الاسمنت, موضحين أن الاحتلال الاسرائيلي اتخذ قرار بوقف ادخال الاسمنت لغير المتضررين بعد تصريحات الوزارة حول توفر الاسمنت بكميات كبيرة في القطاع.
ابتزاز ورشاوى
الرسالة أجرت دراسة على عينة من التجار من خلال توزيع استبيان على عينة عشوائية من 30 تاجراً سواء ممن أوقفوا عن العمل بالآلية أو المستمرين بالعمل، وذلك في محاولة للحصول على نتيجة دقيقة تثبت صحة ما يقال حول وجود فساد ودفع رشاوى ولمعرفة أيضاً من الأطراف المستفيدة من العمل وفق الآلية.
وقال 86.6% من المستطلعة آراءهم أن التجار دفعوا مبالغ مالية مقابل التنسيق لهم والعمل وفق آلية الرقابة الدولية GRM، بينما 33.3% أكدوا أنه طلب منهم مباشرة دفع رشاوى مقابل التنسيق لهم أو اعادتهم للعمل وفق الآلية.
كما قال 86.6% أنه تم التنسيق لعدد من التجار بعضهم لا علاقة له بتجارة الإسمنت عن طريق الواسطة، في حين أقر 80% أنه تم التنسيق لهم من خلال دفع مبالغ مالية لمسؤولين.
ويعتقد 93.3% من التجار أنهم يتعرضون للابتزاز والاستغلال من خلال العمل بنظام الرقابة الدولية.
وعند سؤال التجار عن المستفيد من استمرار العمل بنظام الرقابة الدولية حسب رأيهم، قال 93.3% من التجار المستطلعة آراؤهم أن السلطة الفلسطينية ممثلة في الشئون المدنية هي المستفيدة، بينما اعتبر 86.6% ان UNOPS مستفيدة، في حين أقر 33.3% ان (إسرائيل) مستفيدة من العمل وفق الآلية، بينما اعتبر 23.3% أن وزارة الاقتصاد بغزة مستفيدة.
وأقر 83.3% من التجار المستطلعة آراؤهم أن الهدف من ابتزازهم من خلال العمل وفق هذه الآلية هو دفع مبالغ مالية للمتنفذين، في حين رأى (76.6%) أن الهدف هو تقديم مصالح تجار على آخرين.
وأقر (90%) ممن شملتهم الدراسة أن السلطة الفلسطينية دورها سيء جداً في آلية الرقابة، بينما قيم (86.3%) دور UNOPS بأنه سيء جداً.
ورأى (53.3%) أن وزارة الاقتصاد لا دور لها في الآلية وانها لا تملك أي صلاحيات سوى جمع الضرائب على المواد التي تدخل القطاع.
وأكد 80% من التجار المستطلعة آراؤهم أن نظام الرقابة الدولية على الاسمنت يدفع التجار للعمل في السوق السوداء.
الدراسة تثبت ان آلية اعادة الاعمار تحوم حولها شبهات فساد كبيرة وانها بعيدة عن اجراءات الشفافية المطلوبة خاصة ان آلية GRM لا أب لها وتزج القطاع الخاص في دوامة لا تمكنه معها من معرفة تفاصيل العمل سواء عن المخالفات أو الاجراءات التي تتخذ بحقه وغيره من التجار.
مصادر خاصة كشفت للرسالة تحايل بعض التجار على الآلية من خلال شراء كميات كبيرة من الاسمنت تصل الى 1000 طن وبيعها في السوق السوداء وتحقيق أرباح خيالية ومن ثم يمتنعون عن العمل وفق الآلية، وهذا ما يطلق عليه التجار "المشنوق" أو "المذبوح"، وأكثر من 15 تاجرا نفذوا ذات الحيلة خلال أقل من أسبوعين والعدد يزداد
كما ان أطراف المعادلة الثلاثة "(إسرائيل)- الشئون المدنية- UNOPS" فعليا لا يوجد جسم موحد لها يدفع باتجاه توحيد الاجراءات ووضوحها.
الرسالة تواصلت مع مسؤول من مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الاوسط (UNSCO) والذي أكد أن (UNOPS) هي احدى المؤسسات التي تقوم بتنفيذ البرامج او المشاريع وبالتالي اليونسكو هي التي تمثل الامم المتحدة في آلية الرقابة الدولية على الاعمار.
المسئول الأممي الذي طلب عدم ذكر اسمه أقر بوجود الانتقادات التي توجه لهم حول آلية الرقابة على مواد الاعمار، موضحاً أنه قبل الآلية لم يكن هناك امكانية لإدخال مواد البناء الا عبر بعض المؤسسات الدولية أو بعض المشاريع التي تنفذها دول وجهات معينة.
وقال " الآلية جاءت لتتجاوز الاغلاق بطريقة جزئية وذلك نظرا لوجود الاحتلال والحصار، وبالتالي من غير المقبول ان تكون المعادلة اما كل شيء أو لا شيء خاصة في وضع غزة التي خرجت من الحرب بدمار كبير وبحاجة لإعمار عاجل".
وحول أسباب استمرار العمل بالآلية رغم عدم وجود مبررات لذلك تابع "الأمم المتحدة ليست هي من تحدد استمرار العمل وفق الآلية وانما الحكومة الفلسطينية التي تملك الكلمة الأولى والأخيرة في هذا الشأن ولا يمكن العمل دون موافقتها".
ونفي ما يقال حول تعطيل الاعمار من خلال الآلية مشدداً على ان الآلية مفيدة لقطاع غزة فهي تسمح بإدخال مواد الاعمار للمواطنين غير المتضررين وللمشاريع والمنشآت الجديدة وهذا كان ضمن شروط الأمم المتحدة.
وقال " الآلية تمكن الفلسطينيين من ادخال معدات تتجاوز مواد البناء والامم المتحدة تعمل على ادخال الكثير من المعدات الثقيلة التي تخدم الاعمار والاقتصاد الغزي لكن المعيقات ليست دائماً من الطرف الاسرائيلي وهناك بعض الامور تتطلب تفاهما فلسطينيا".
وفيما يتعلق بإمكانية تطوير الآلية تابع "كانت هناك منذ البداية امكانية لتطوير الآلية لتعمل بشكل أوسع وأسرع ولكن لا إمكانية لتنفيذ ذلك دون وجود تعاون حثيث من غزة ورام الله".
"المشنوق" والأرباح الخيالية
وكشفت مصادر خاصة للرسالة عن تحايل بعض التجار على الآلية من خلال شراء كميات كبيرة من الاسمنت تصل الى 1000 طن وبيعها في السوق السوداء وتحقيق أرباح خيالية ومن ثم يمتنع عن العمل وفق الآلية، وهذا ما يطلق عليه التجار المشنوق أو المذبوح.
وأكدت المصادر أن أكثر من 15 تاجرا نفذوا ذات الحيلة خلال أقل من أسبوعين والعدد يزداد، ما يجعل أطراف الآلية تتشدد في إجراءاتها خاصة ان معظم من نفذوا هذه الحيلة ليسوا تجار اسمنت وحصلوا على التنسيق عبر طرق مختلفة.
مسئول في UNSCO انتقد أسعار مواد البناء في غزة وتساءل: اذا كان طن الاسمنت يمكن ان يصل للمواطن بــ520 شيكل لماذا يتم الموافقة على بيعه بسعر 720 شيكل؟
المسؤول في مكتب (UNSCO) أكد أن بعض الأمور التي جرت في غزة مؤخراً عطلت عمل الآلية كثيراً خاصة المواد التي تم اخراجها من نطاق الآلية وبيعها في السوق خارج التفاهم، وهنا رفض اتهام التجار أو طرفا آخر بذلك، مشدداً على أنه من الصعب على أفراد القيام بهذا العمل بشكل متكرر لولا وجود بيئة تسمح بذلك أو لم تقم بمنعه، "في اشارة لوزارة الاقتصاد في غزة".
وقال "مراقبونا دخلوا لأحد المخازن ولم يجدوا الكميات المطلوبة والتاجر لم يتمكن من اظهار أين ذهبت المواد وبعضهم قال للمراقبين صراحة "بعتها في السوق السوداء وانتو روحوا"، هنا لسنا من يتحمل مسئولية الإغلاق وانما التاجر.
وأكد أن الدول المانحة تتساءل كيف يأتي أشخاص ليسوا تجارا في الحقيقة يبيعون بكميات كبيرة وبتكرار دون أن تكون هناك جهات ضالعة في الموضوع.
وبين ان هذه الاشكاليات حتى لو لم تكن صحيحة لكنها تولد اشكاليات مع المانحين وتسمح للطرف الإسرائيلي بوضع عقبات أمام الآلية، ويضع شكوكا حول استخدام هذه المواد لأهداف مدنية.
م. عماد الباز وكيل وزارة الاقتصاد في غزة من جهته قال " لا مشكلة لدينا في بيع أصحاب مراكز التوزيع الاسمنت خارج آلية الرقابة الدولية وانما نشجع من يقوم بهذا العمل ومشكلتنا الوحيدة معه في حال قام ببيع الاسمنت بسعر اعلى من الاسعار التي تحددها الوزارة".
من ناحيته انتقد المسئول في UNSCO أسعار مواد البناء في غزة وتساءل: هل هناك مبرر لبيع مواد البناء بسعر أعلى؟ واذا كان طن الاسمنت يمكن ان يصل للمواطن بــ520 شيكل لماذا تتم الموافقة على بيعه بسعر 720 شيكل؟، أي بفارق 200 شيكل عن السعر الذي حددته الوزارة.
وبين ان هذه الأسعار لا علاقة لها بالآلية، وقال" ألا يمكن ضبط هذه الاسعار والتعامل بشدة أكثر بما يخدم المواطن ويعزز من ثقة المانحين"، مضيفاً أن كل هذه الاجراءات لا تخدم غزة والأجدر بالطرف المسئول في غزة ضبط هذه الاجراءات.
وأشار إلى ان اغلاق العديد من المنشآت ومراكز بيع الاسمنت ومنها اغلاق 70 خلال يومين فقط هو نتيجة لهذه الاشكاليات.
تم ضبط حالات مثل وجود اربع تجار يقومون بتحويل المواد لتاجر خامس وهو يقوم ببيعها خارج اطار الآلية، وبعض التجار حققوا ارباحا كبيرة في فترات سابقة من خلال شحنة واحدة حيث وصل هامش الربح لدى البعض قرابة 300 ألف دولار في الشحنة الواحدة
وقال انه تم ضبط بعض الحالات مثل وجود اربع تجار يقومون بتحويل المواد لتاجر خامس وهو يقوم ببيعها خارج اطار الآلية، محذراً من أن هذه التداعيات لا تقتصر على التاجر الاخير وانما على التجار الذين زودوه بالمواد، لافتاً أن بعض التجار حققوا ارباحا كبيرة في فترات سابقة من خلال شحنة واحدة حيث وصل هامش الربح لدى البعض قرابة 300 ألف دولار.
وكيل وزارة الاقتصاد بغزة الباز أكد أنه تم تحرير عشرات محاضر الضبط ضد أصحاب مراكز التوزيع تبيع بأسعار اعلى من التي حددتها الوزارة وتقوم بشراء الاسمنت من المواطنين وهنا يحقق التجار الربح مرتين.
ولفت الباز إلى وجود الكثير من التجار المحترمين واصحاب المهنة الاصلية لم يأخذوا موافقة على العمل وفق الآلية من الشئون المدنية او الجانب الاسرائيلي ودون ذكر اسباب، بينما عشرات من التجار ليست لهم علاقة بالإسمنت حصلوا على التنسيق وهذا يطرح علامات استفهام يجب ان توجه للشئون المدنية.
"الحكي للمعلم"
الشئون المدنية والتي تمثل السلطة الفلسطينية في آلية اعادة الاعمار وأهم طرف في الآلية وجهت لها اتهامات عديدة بعدم النزاهة في التنسيق ومتابعة الآلية وقد برز ذلك من خلال المسئول في UNSCO الذي قال للرسالة "نحن كأمم متحدة لا نختار اي تاجر ولا نقوم بالتنسيق لأحد ولسنا من يوقف تاجرا أو يسمح لآخر وهذا دور الحكومة الفلسطينية بالدرجة الأولى ونحن نعطي خدمة المتابعة وليس الرقابة لأنها مهمة الحكومة".
وتابع " نحن لم نفرض الآلية على الأطراف وانما جاءت بالتوافق ولو قررت الحكومة الفلسطينية انهاء العمل بالآلية او قالت انها غير مبررة سيتم الغاؤها على الفور".
وأضاف أن بعض التجار لم يتبين أنهم قاموا بتجاوزات وتم ايقافهم والبعض الاخر ارتكبوا تجاوزات معينة ولم يتم ايقافهم ويبدو ان الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لم يتوافقا على وقفهم، وهذا يجب ان تبينه الحكومة الفلسطينية.
وحول مطالبة الحكومة الفلسطينية الغاء الآلية او تعديلها قال "الحكومة لم تطلب الغاء الآلية ولو طلبت لكانت ألغيت".
هذه الاتهامات كان من المفترض ان تجيب عليها الشئون المدنية التي تواصلت الرسالة مع وزيرها حسين الشيخ في رام الله ولم تتلق منه أي ردود، فلجأت للتواصل مع وكيل الوزارة أيمن قنديل والذي بمجرد علمه عن طبيعة الموضوع طلب من مراسلة الرسالة الذهاب إلى مقر الوزارة في غزة وابلاغ أحد المسؤولين هناك برغبتنا في اجراء حوار صحفي مع الوكيل ليتم التواصل عن طريق الوزارة في غزة.
الرسالة ذهبت لمقر الشئون المدنية وأبلغت المسؤول الذي تواصل مع رام الله ليكون الرد بأن الوكيل مشغول وسيعاود التواصل مع المراسلة لاحقاً، وعندما حاولت الرسالة اجراء حوار صحفي مع أي مسؤول في غزة كان الرد " ممنوع حدا يحكي غير المعلم".
تقارير تعسفية
انتقادات عديدة طالت المراقبين الذين يتبعوا اليونسكو، حيث اتهمهم بعض التجار بأنهم يتشددون ويكتبون تقارير تعسفية للمحافظة على مناصبهم ورواتبهم العالية.
فريد زقوت رئيس اتحاد الصناعات الانشائية أكد أن الاتحاد يرفض اجراءات الامم المتحدة المتحكمة بآلية اعادة الاعمار، لافتاً أنهم نظموا عدة فعاليات للاحتجاج على طريقة العمل والاغلاق المتكرر للمنشآت الصناعية.
وأوضح ان الاتحاد انتهج سياسة التصعيد الاعلامي وشن حملة وفعاليات تطالب بإنهاء الآلية الا ان UNOPS أكدت لهم مراراً أنها ليست سبب الاغلاق وأن المرجع الرئيسي للإغلاق او التنسيق هي السلطة، وانتقد بشدة المراقبين الدوليين وتعاملهم مع اصحاب المنشأة، معتبراً أن الجميع يتهرب من المسؤولية.
وبين أن المراقبين يتعاملون بصلف مع التجار ولا يسمحون بالنقاش مع التاجر خلال جولات المتابعة في حال وجود مخالفات لديه والتي بعضها لا تتجاوز الاضاءة او عطل الكاميرات.
رئيس اتحاد الصناعات الانشائية زقوت أكد أن الامم المتحدة تحاول تبرير الاغلاق المستمر أنه لا يصدر عنها وانما عن الطرف الفلسطيني على اعتبار انها الجهة التنفيذية والمنسقة مع الطرف الاسرائيلي.
وبين ان الجميع يتهرب من المسئولية ودور الاتحاد كان رئيسي لتنفيذ عدة تحركات رافضة للعمل بهذه الآلية.
وأصر زقوت ان كل البيانات والتقارير التي ترفع تصدر عن "UNOPS" خاصة أن المراقبين هم من يجرون الجولات وعلى اساسها يرفعون التقارير.
المسئول من مكتب اليونسكو أقر بتغيير عدد من المراقبين بسبب سلوكهم الشخصي غير المناسب مع التجار وهناك عدد كبير من الشكاوى قدمت ومدير اليونسكو يأخذها على محمل الجد واتخذ اجراءات بحقهم سواء لمعاملتهم مع التجار او اسباب أخرى، لكنه انتقد أيضاً التحريض الذي يجرى ضد المراقبين.
وأشار إلى أنه لا يتم الاغلاق بناء على تقرير مراقب واحد وفي حال وجد اشكالية يتم ارسال عدة مراقبين للتأكد ومن ثم رفع التقارير.
ورفض الاتهامات التي توجه للأمم المتحدة بأنها تمثل وجها آخر للاحتلال من خلال آلية الرقابة التي تشرعن الحصار ورد بالقول "سمعنا هذه الاتهامات كثيرا ونحن نتفهم الطرف الفلسطيني المستاء من الوضع الصعب في قطاع غزة لكن الامم المتحدة ليست كيانا سياسيا".
واعتبر ان تدخل الامم المتحدة هو لمساعدة الشعب الفلسطيني وتحسين الوضع في قطاع غزة قدر المستطاع وان كان هناك نقص واضح ولكن هذا الممكن والمتاح في ظل الوضع القائم، لكن لا بديل عن رفع الحصار الكامل.
واعتبر ان الوفاق الفلسطيني جزء مهم من المعادلة وهي التي تؤثر على طبيعة الوضع السياسي الذي بدوره يؤثر على قدرة الامم المتحدة على التعامل مع ازمات غزة.
وأكد أن الكثير من الانتقادات الموجهة للآلية شرعية ويحق للفلسطينيين الاستياء منها وهناك بعض الانتقادات من الأمم المتحدة نفسها لكن هذا المتاح حالياً وهناك محاولات مستمرة للتطوير.
UNOPS: جرى تغيير عدد من المراقبين بسبب سلوكهم الشخصي الغير مناسب مع التجار وهناك عدد كبير من الشكاوي قدمت ومدير اليونسكو اتخذ اجراءات بحقهم سواء لمعاملتهم مع التجار او اسباب أخرى
وشدد على ان الامم المتحدة لا تفرض على التجار العمل وفق آلية الرقابة وانما العمل بها اختياري وهنا قال " لنتخيل أنه لم يسجل أي تاجر للعمل وفق الآلية ماذا كان سيجري بها ؟ كانت توقفت "، مضيفاً "القطاع الخاص اعترض على الآلية لكنه تعامل معها".
واكد أن الدول المانحة تعتبر الآلية مقياسا للنزاهة ولذلك التجاوزات تخلق أزمة في التمويل، مضيفاً ان عدم التقدم في الوفاق الفلسطيني يزيد التخوفات لدى الدول المانحة.
وأقر أن التاجر يدخل في متاهة بمجرد توقيفه عن الآلية لأنه لا يوجد جسم واضح للتعامل معه وأطراف المعادلة الثلاثة "الشئون المدنية_ الطرف الاسرائيلي_ الامم المتحدة".
ولفت الى ان هناك لجنة حكومية مكونة من الاقتصاد والاشغال والقطاع الخاص ويجب ان يتم تطويرها لتكون المرجعية.
من جانبه أكد الباز أن هناك شبهات تدور حول بعض التجار الذين حصلوا على تنسيق من الجانب الاسرائيلي، مبيناً أن بعضهم حققوا أرباحا خيالية من العمل في الاسمنت خاصة خلال فترات شح الاسمنت من السوق.
واعتبر أنه جرت مؤامرة دولية مع الجانب الاسرائيلي بتنسيق مع السلطة الفلسطينية لتمرير آلية الرقابة الدولية على مواد الاعمار، التي عطلت الاعمار وزادت الوضع سوءاً في قطاع غزة.
وجه آخر للاحتلال
آلية الرقابة الدولية على الاعمار والتي ساقها العالم على أنها ستساعد غزة على اعمار ما دمره الاحتلال وستتجاوز الحصار، شكلت وجها آخر للاحتلال وبإقرار دولي وموافقة فلسطينية.
الخبير الاقتصادي د. عمر شعبان أكد ان آلية اعادة الاعمار مسؤولة عن البطء في الاعمار وهذا ما تحدثت به أطراف دولية ومحلية، موضحاً أن الآلية مع الوقت أصبحت غير قابلة للمراجعة.
UNOPS :بعض التجار لم يتبين أنهم قاموا بتجاوزات وتم ايقافهم والبعض الاخر ارتكبوا تجاوزات معينة ولم يتم ايقافهم ويبدو ان الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لم يتوافقوا على وقفهم, وهذا يعود للحكومة الفلسطينية
وانتقد ضعف تمثيل المجتمع المدني الفلسطيني وعدم تشاور السلطة مع المجتمع المحلي ووجود مصالح لبعض الجهات المستفيدة ما دفع باتجاه ان تبقى هذه الآلية موجودة حتى الان.
وأوضح ان الجهات التي وقعت على هذه الآلية وبعض المقاولين وبعض المؤسسات الاممية والذين يعملون كمستشارين بمرتبات مرتفعة جداً معنيون باستمرار الآلية.
وهنا وافقة الرأي د. رامي عبدو رئيس مركز الأورومتوسطي لحقوق الانسان حيث أكد أن خطة سيري جاءت كعنوان من عناوين الحصار، وجاءت كمحاولة للخروج من مأزق حصار غزة امام المجتمع الدولي.
وأوضح شعبان أن الامم المتحدة تتواصل مع فئات محدودة وهم الاشخاص المستفيدون من الآلية لكنها لا تسمع من المجتمع المحلي المتضرر.
لكنه أكد ان من يتحمل المسؤولية عن الطرف الفلسطيني هو السلطة التي قبلت ووقعت ولم نسمع لها صوتا رافضا للآلية.
وحول دور السلطة في رفض الآلية قال عبدو "السلطة الفلسطينية لا تعيش دون الاحتلال وهي مرتبطة به والأسوأ عندما يتم تكريس ارتباط الاحتلال بالأمور الحياتية بشكل اكبر واعمق وهذا ما جرى".
وشدد على وجود خلل عميق داخل وزارة الشئون المدنية، ولا يوجد شفافية في عملها، مبيناً أنه مع الوقت أصبحت هناك أطراف مستفيدة من العمل بالآلية لذلك لا يطالب أحد بإلغائها او تعديلها.
وانتقد عبدو القطاع الخاص، قائلاً " رأس المال جبان وكل هدفه تحقيق الربح لذلك البعض يتصرف بطريقة تخالف الاعراف الوطنية من خلال التعامل مع الاحتلال".
خلف آلية اعادة الاعمار تدور لعبة خطيرة تتحكم أطرافها بمصير مليوني فلسطيني يقطنون قطاع غزة، ويعانون من أزمة سكن خانقة، وامام هذه المعاناة هناك غرف مظلمة تستغل هذه المعاناة لتحقيق مصالح شخصية.
من المستفيد من استمرار العمل بآلية الرقابة الدولية على الاسمنت ""GRM؟ إجابة هذا السؤال وفق البيانات والمعطيات التي وردت في هذا التحقيق تتلخص في ثلاثة أطراف: الأول، الاحتلال الاسرائيلي الذي يحقق أبعادا امنية ويضمن أن كل مواد البناء تتحرك تحت نظره المثبت مع كاميرات المراقبة الموجودة في كل مراكز التوزيع.
والطرف الثاني هو الشئون المدنية والمتنفذون فيها والذين يتقاضون رشاوى مالية ويحققون مصالح شخصية من خلال الابتزاز الذي يمارسونه ضد التجار، بينما الطرف الثالث هو UNOPS والتي تتقاضى مبالغ باهظة مقابل الرقابة على عملية الاعمار، كما أن موظفيها ومستشاريها يتقاضون مرتبات خيالية.