صالونات "التجميل" تربة خصبة للأمراض الجلدية والوبائية

‏111 ٢
‏111 ٢

غزة-إيناس أبو الجبين

تفاجأت العشرينية منى بظهور بقع على شفتيها عقب مشاركتها في حفل زفاف شقيقها، وبعد مراجعة طبيب بإحدى العيادات الصحية شمال قطاع غزة، تبين إصابتها بمرض "الهربس" نتيجة أحمر الشفاه الذي استخدمته إحدى العاملات في صالون التجميل الذي لجأت إليه في إطار استعدادها لزفاف شقيقها.

ولم تبالِ منى حالها كغيرها من الفتيات في غزة بمدى توفر شروط الصحة والسلامة في صالون التجميل حين طرقت بابه، بل كان كل همها الظهور بأبهى حلة وأجمل طلة، لتقع ضحية لإهمال صالونات التجميل لإجراءات السلامة والتعقيم للأدوات المستخدمة فيها. 

"الرسالة" تابعت الأمر، وسلطت الضوء على هذه الظاهرة من خلال زيارة عينة عمدية من صالونات التجميل، حيث ترددت مراسلتها خلال فترة إعداد التحقيق على نحو 50 صالون تجميل شمال القطاع نظرا لازدحامها بها، وأكثر من 20 صالونا في مدينة غزة باعتبارها قلب القطاع ومركزه الأساسي، حيث تأكدت من عدم تعقيم الأدوات المستعملة في صالونات التجميل بأقوى وسائل التعقيم كالكلور المركز والكحول وتكرار استعمالها عدة مرات مع المرتادات خاصة في أوقات ذروة العمل عدا عن غياب أجهزة التعقيم الحراري والتي تعد الأنجع من بين وسائل التعقيم في تلك الأماكن.

وبالنظر إلى المادة 32 من قانون الصحة العامة الفلسطيني رقم 20 لعام 2004 والذي ينص على "تضع وزارة العمل بالتنسيق مع الجهات المعنية الشروط اللازمة لتوفر وسائل السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل وآلية التفتيش المتواصل عليها"، والمادة (90) من قانون العمل فإنه يجب مراعاة التالي في أماكن العمل:

وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين والعاملات من أخطار العمل وأمراض المهنة والشروط الصحية اللازمة في أماكن العمل إضافة إلى وسائل الإسعاف الطبي والفحص الدوري للعمال، حيث تبين لا مبالاة صاحبات العمل والعاملات بتلك الوسائل وشروط الصحة والسلامة.

وشكت المواطنة نجاة من استخدام عاملة في صالون يقع وسط مدينة غزة "شمعا مستخدما لتطفو الحبوب بعدها على بشرتها ما اضطر زوجها لمحاسبتها"، بينما قالت أخرى بشيء من الأسى: "بعد أن فردت عاملة في إحدى الصالونات شعري توجَّهتْ لغسله في مغسلة ممتلئة بمياه سوداء اللون، فتساقط شعري بعدها وعانيت من حكة برأسي لفترة طويلة".

ولا يقتصر التحقيق على الحالات آنفة الذكر بل يتعداها إلى إصابات بأمراض جلدية كالأكزيما والصدفية والثعلبة والفطريات وهو ما أكده أخصائيو أمراض جلدية.

أخصائي جلدية: غياب الرقابة والرادع يشجعان العاملات على عدم تعقيم الأدوات

وبما يتعلق بالحالة السابقة، أكد أخصائي الأمراض الجلدية في مركز غزة التشخيصي الدكتور باسل أبو جبة أن حالات كثيرة تمر عليه تعاني من دمامل وندب على الوجه بعد إزالة الشعر وعمليات تنظيف الوجه تركت ضحاياها في عزلة مع الأدوية التي يصفها الطبيب لها نتيجة انتقال العدوى وانتشار الميكروبات التي تدخل إلى الجسم بسهولة.

ويشدد جبة على ضرورة وجود لائحة تبين الجهات التي ينبغي على مرتادات الصالونات التوجه لها بالشكوى في حال وقوع أي ضرر عليها، وتابع "كثيرات لا يأبهن بنظافة الأدوات المستخدمة في صالونات التجميل وتعقيمها ويجهلن المخاطر المترتبة على ذلك، ولا يحرصن على التأكد من أن جميعها معقمة بعد استعمالها مباشرة لسيدة كانت قبلها أو التزام العاملات باستخدام أدوات الوقاية".

وبما أن صالونات التجميل النسائية تشهد إقبالا متزايدا من مختلف الفئات النسائية على مدار العام، لاسيما فصل الصيف الذي يعد موسم الأعراس بامتياز في قطاع غزة وهو ما يتطلب معه ضرورة وجود تفتيش صارم على عمل هذه المنشآت لنتساءل عن الجهات المسئولة عن الصحة العامة في الصالونات تبين بعد البحث بأنهم أصحاب العمل فيها ووزارة الصحة (دائرة الطب الوقائي والبلديات (دائرة ترخيص الحرف والمنشأة) ووزارة العمل (دائرة التفتيش) والنقابة الخاصة بهم.

ويبلغ عدد صالونات الكوافير النسائية في مدينة غزة 39 صالونا مرخصا و144 غير مرخص، أما في جباليا فقد بلغت 36 صالونا وفي رفح 40 صالونا، ولم تتمكن بلديتا جباليا ورفح حصر غير المرخصة منها في كلتا المحافظتين نظرا لكثرها. 

سهولة الانتقال

وتعد صالونات الكوافير تربة خصبة لانتقال الأمراض المعدية نظرا لتعدد الأدوات المستعملة عند التجميل والسشوار وعمل تسريحات الشعر وصبغه، إضافة إلى تردد الكثير من السيدات والفتيات على هذه الأماكن في اليوم الواحد، لذا كانت عينة الدراسة من الكوافيرات التي خضعت للتحقيق صالونات مدينة غزة ومعسكر جباليا شمال القطاع الذي تنتشر في شوارعه صالونات تجميل يفتقد معظمها إلى توفر ظروف الصحة والسلامة لديها.

وتقر إحدى العاملات في صالون بمدينة غزة بعدم استعمالها أدوات الوقاية والسلامة أثناء العمل، مكتفية بتعقيم الأدوات بمناديل الأطفال المبللة وتنظيف الملقط بقطعة من القطن، وفق قولها، مضيفة "لا وقت لدي للتعقيم في أيام ضغط العمل".

ويبين مدير المختبرات في مستشفى العودة محمد الهندي أن هناك وسائل تعقيم عديدة لكن الأكثر جدوى وفعالية هو جهاز التعقيم الحراري يليه الكلور المركز من المعقمات ثم الديتول والكحول التي لا تقتل الميكروبات بشكل كلي.

مدرب نقابي: صاحبات صالونات بِعْن جهاز التعقيم الذي أهديناه لهن

ويتراوح سعر جهاز التعقيم بين 500 - 800 شيكل، وهو مبلغ زهيد مقارنة بما تجنيه صالونات التجميل من أرباح طائلة، لاسيما خلال موسم الأفراح، إذ يتعدى زوار بعضها في اليوم الواحد الثلاثين سيدة، ويبلغ متوسط تجهيز العروس 400 شيكل.

وعن الأمراض التي قد تسبب انتقال العدوى في صالونات الحلاقة والتجميل، يذكر الهندي منها: أمراض الدم كالكبد الوبائي وأخطرهاB,C وأن نقطة دم كفيلة بانتقال المرض , وهو ينحصر ضمن أرقام محددة في وزارة الصحة، إضافة للأمراض الجلدية وأمراض العين والجهاز التنفسي.

تدني مستوى الوعي

أما أخصائي الأمراض الجلدية الدكتور أبو جبة فيعزو ما يحدث داخل الصالونات إلى سببين هما غياب الرقابة والرادع، وجهل النساء بالمكان الصحيح الذي ينبغي عليها أن تتوجه إليه لتقديم شكواها، وكلاهما يشجعان العاملات على استمرار عدم تعقيم الأدوات المستخدمة أو سوء استخدامها، و"بالتالي يفعلن ما يحلو لهن".

وتُجمع الأطراف ذات الصلة بالموضوع على اتهام المواطنات بالتقصير كونهن يلتزمن الصمت حيال ذلك، ولا يطالبن بضرورة تعقيم الأدوات أو السؤال مسبقا قبل أي عملية تنظيف أو تجميل لها عن تعقيمها.

البلدية: اشترطنا وجود جهاز التعقيم الحراري عند الترخيص منذ العام 2015

وبحسب رئيس قسم الأمراض الجلدية في مجمع ناصر الطبي الدكتور أسعد صادق، فإن تجاوزات الكوافيرات لا تقتصر على ذلك، بل تتخطى لسوء استخدام مواد التجميل وصبغات الشعر ومعجون نقش الحناء المحتوي على مواد كيميائية حارقة وعدم معرفتها بمخاطرها وتبعاتها، مستشهدا بتزايد أعداد الفتيات اللواتي يراجعن بهذا الخصوص خلال الفترة الأخيرة. 

لا مبالاة

ونظرا لخطورة الأمر، نفّذ مركز الديمقراطية وحقوق العاملين قبل خمس سنوات، دورة لمدة ثلاثة شهور ضمن حملات توعية وإرشاد لأصحاب مهنة الحلاقة والتجميل للتوعية بمخاطرها من خلال تنفيذ مشروع بالتعاون مع وزارتي العمل والصحة وبتمويل من مؤسسة المساعدات الشعبية النرويجية NPA، حيث استهدف المشروع بعض العاملات في عدد من صالونات التجميل والحلاقة وصاحبات العمل في جميع محافظات قطاع غزة، وكان الناشط والمدرب النقابي عبد الكريم الخالدي محاضر الدورة حينها. 

وعن ذلك، يقول الخالدي: "وزّعنا جهاز تعقيم حراري للمتميزين في الدورة كهدية مجانية تحفيزية لكننا وبعد جولة الرقابة الأولى التي قمنا بها بعد ستة شهور لمعرفة مدى التزامهن بالنصائح المقدمة لهن خلال الدورة وشروط الصحة والسلامة وجدنا أن البعض القليل من صاحبات العمل استعملنه بينما غالبيتهن قمن ببيعه بعد علمهن بالمكان الذي ابتعنا منه تلك الأجهزة".

وأشار الخالدي إلى أن معظم الكوافيرات الموجودة في محافظة الشمال خاصة في معسكر جباليا رفضن المشاركة في هذه الدورة، بل رفضن إجراءها في الصالونات التي تتبع لهن، عازيا ذلك لحرص ربات العمل على ما ستجنيه من مال خلال ساعات الدورة، ومضى يقول: "إحدى صاحبات العمل طلبت من زوجها التوجه إلى مقرنا للحصول على حقيبة أدوات خاصة بالتجميل التي وزعناها في حين رفضت قيامنا بتوعية العاملات لديها لمدة نصف ساعة".

وللتأكد من ذلك، توجهت مراسلة الرسالة إلى صالونات التجميل فلم تجد جهاز التعقيم في محلات الكوافير في معسكر جباليا، مما يدعم كلام الخالدي حول بيع هذه الأجهزة والاستهتار بسلامة زوار الصالونات.

"العمل": نعاني من نقص كادر التفتيش والمسؤولية مشتركة مع الصحة والنقابة

وفي الوقت ذاته لاحظت معدة التحقيق عدم تعقيم عينة الدراسة من الصالونات للأدوات المستعملة، خاصة اسفنجة الماكياج والملقط والمقص والمشط بعد استعمالها لمن سبقنها من السيدات. ويقول الناشط الخالدي: "لو علمت المرتادات بعدم نظافة الأدوات المستخدمة بعد حملة تفتيشنا لن يترددن عليها مرة أخرى حتى في أكثر الكوافيرات شهرة في القطاع".

لكن ومع ذلك وجدت مراسلة الرسالة ضمن عينة التحقيق صالونين في مدينة غزة يمتلكان جهاز التعقيم ويتبعان شروط الصحة والسلامة إلى حد جيد.

وزارة الصحة تغض النظر

توجهت إلى كوافيرة في حي النصر بغزة لقص شعري وفرده وإذ بعاملة تستعمل المقص والمشط الذي استعملته مع مصابة بمرض الثعلبة كانت بجواري وفي اللحظات الأخيرة أوقفتها لأمنعها، رغم أن مرض الثعلبة غير معد إلا أنني شعرت بالاشمئزاز، كانت هذه قصة ندى "اسم مستعار" وغيرها من قصص دفعت "الرسالة" لطرق أبواب وزارة الصحة والوقوف عند دورها في التأكد من استعمال وسائل التعقيم والحفاظ على نظافة الأماكن بشكل عام.

وفي هذا الإطار، التقينا المهندس محمود حميد نائب مدير الطب الوقائي لمراقبة الأغذية والقائم بأعمال مدير دائرة صحة البيئة الذي بيّن أن الأساس هو أن تقوم وزارة الصحة بأعمال الرقابة على هذه الحرف من خلال دائرة صحة البيئة قسم الحرف والصناعات، والبلديات التي تتبع لها هذه الحرف تحوّل طلبات الترخيص الخاصة بها إلى وزارة الصحة ويزور المفتشون بعدها المكان والتأكد من شروط الصحة الخاصة بالحرفة.

وتخص الشروط مكان العمل ومتابعة الأدوات المستخدمة في أعمال التجميل وإجراء فحوصات طبية أهمها فحص الوباء الكبدي الذي أكدت وزارة الصحة غض النظر عنه لصعوبة إجرائه.

وأوضح حميد أن الخلل القائم يتمثل في فشل الارتباط والتواصل بين البلديات ووزارة الصحة ما عدا بلدية خانيونس التي تتواصل معها باستمرار وهو السبب الذي عزا إليه ضعف الرقابة على هذه الكوافيرات.

"الصحة": نغض النظر عن فحص الوباء الكبدي للعاملات لصعوبة إجرائه

وقال نائب مدير الطب الوقائي أن زيارة "الرسالة" قرعت الجرس لتشديد الرقابة وعمل حملات توعية من خلال الزيارات الميدانية ووسائل الإعلام، معتبرا "الصالونات منطقة مظلمة يجب تسليط الضوء عليها".

الواقع يختلف

لم نتوجه لجهة معينة إلا وألقت المسؤولية الأكبر على البلدية بما فيهم المواطن ما أثار لدينا أسئلة انطلقنا بها إلى بلدية مدينة غزة باعتبارها المركز الرئيس في القطاع، أما بلدية جباليا فقد أخلت مسئوليتها من ذلك، وأن دورها يقتصر على منح التراخيص فقط، موضحة أن آلية العمل لديها تختلف عن بلدية غزة.

ويبين رئيس قسم تراخيص المهن الصحية في بلدية غزة رشاد عيد أن رخصة الكوافير لها شروط صحية عامة تتعلق بالمكان والأشخاص العاملين، وبالنسبة للمكان أن يكون ذا مساحة مناسبة وتهوية وإضاءة جيدة، أما الأشخاص العاملين في المجال الصحي فعليهم أن يخضعوا لفحص خلو من الأمراض المعدية سنويا.

وتخرج البلدية لمعاينة المكان عند الترخيص للتأكد من مدى مطابقته للشروط الصحية والتي من ضمنها يفضل أن يتوفر جهاز التعقيم الحراري وإن لم يتوفر أن تكون المعقمات على أقل تقدير، مشيرا إلى أن البلدية قد اشترطت وجوده داخل تلك المنشآت منذ بداية العام الماضي 2015 وألا يُعاد استعمال الأدوات التي سبق استخدامها.

وتنفّذ البلدية بجولات تفتيشية للصالونات عند إنشائها وفي نهاية كل عام عند تجديد ترخيصها وفي حال المخالفة تتطبق نظام عقوبات وفق القانون بإخطارها لمدة زمنية ثلاثة أيام وبعدم التزامها تحال كمخالفة إلى محكمة البلدية، على حد قول عيد.

لكن ذلك يتناقض مع ما سمعته مراسلة الرسالة من صاحبات العمل اللواتي أكدن عدم زيارة البلدية لتلك المنشآت، وشهادتهن توافقت مع شهادة أحد الحلاقين الرجال في القطاع المالك لصالون حلاقة منذ 28 عاما لم تزره البلدية خلالها، ولم تقدم أي إرشاد صحي أو توعوي، وفق تأكيده.

وبحسب الحلاق، فإن ما يهم البلدية هو دفع المخالفة التي تتراوح من 50 إلى 100 شيكل، علما أن قيمة الرخصة تصل إلى 330 شيكلا، ومضى يقول: عدم اهتمام البلدية كتوفير صندوق أو أكياس نفايات لا يساهم في تشجيع الحلاقين وكذلك الكوافيرات على دفع قيمة الرخصة".

وعلمت الرسالة من مصدر خاص، أن العلاقات والمعارف الشخصية تساهم في تهاون البلديات في تفتيش ومتابعة صالونات الحلاقة للرجال، وهو ما يمكن سحبه أيضا على صالونات تجميل النساء.

رقابة متأخرة

بداية عام 2016 تعد انطلاقة لبلدية غزة بتفتيش تلك الصالونات، لاسيما في شهر مارس الجاري تطبيقا للقانون الذي يلزم وجود جهاز التعقيم فيه وفق ما أبلغنا به رئيس قسم تراخيص المهن الصحية عيد، مشيرا إلى أن ما يكتب على الفواتير الخاصة بالبلدية وكافة وسائل الإعلام تستغلها البلدية في التوعية والتعريف بالشروط الصحية وعلى المواطن أن يستجيب ويتفاعل مع ذلك.

في حين أشار رئيس قسم الحرف في بلدية غزة فؤاد شلح إلى أنه نأأقد يكون هناك صالونات لم يسبق لها الحصول على رخصة ومزاولة مهنة إلا أننا نعطي الصالون إخطارا لمدة معينة ثم تحرير مخالفة ونعيد الإخطار والتحرير عدة مرات إلى حين الاستجابة.

وأوضح أن الإغلاق يتم بناء على أوامر إدارية من رئيس البلدية أو مستشاره القانوني بناء على شكوى المواطنين أو بناء على كتاب من وزارة الداخلية. وأكد أنه لا يمكن أن تصدر رخصة لمزاولة المهنة أو يتم توقيعها من رئيس البلدية إلا بعد إجراءات متكاملة من قسم التراخيص والدفاع المدني ووزارة الداخلية.

واتفقت وزارة العمل وبلدية غزة على عدم قدرتهما على التفتيش لخصوصية هذه الأماكن وافتقارها للمفتشات لدخولها والكشف عنها، وهو ما يمكن أن يوصف بأنه "عذر غير مبرر" لما يترتب على ذلك أضرار تمس صحة وسلامة المواطنين.

تفتيش شكلي

وفيما يخص نصوص قانون الصحة العامة وبعد الجولة التي قمنا بها وسماع صاحبات العمل لبعض الصالونات، قلن بأنهن لم يطلبن فحصا من العاملات لديهن، كما أكدت بعضهن على طلبهن من العاملات ارتداء وسائل الحماية كالقفازات والمريلة لكن العاملات يرفضن الانصياع لذلك، وعندما سألنا بعض العاملات ممن رفضن أبدين استياءهن من التقيد والالتزام به.

هذا دفعنا للتوجه إلى وزارة العمل التي أكدت حرصها على صاحبات العمل والعاملات في صالوناتهن، وبحسب ألنا أنيتالمهندس شادي حلس مدير دائرة التوعية والإرشاد في وزارة العمل فإن مواد قانون العمل الفلسطيني رقم "7" لعام 2000 تنص على إلزام صاحب العمل بإجراء فحص طبي ابتدائي لكل العاملين لديه في المنشأة للتأكد من مواءمة بنيته العقلية والصحية مع قوى العمل فيها.

وتابع أن هناك فحصا طبيا دوريا كل ستة شهور حسب القانون للتأكد من خلوه من الأمراض، والذي يتأكد من ذلك هي وزارة العمل أثناء الزيارات التفتيشية للمنشأة التي تقوم بها حسب القانون"، مشيرا إلى أن آخر جولة تفتيشية قامت بها وزارة العمل كانت خلال عام 2015 بالتعاون مع الإغاثة الإسلامية للتأكد من شروط الصحة والسلامة. وأضاف أن ذلك كان ضمن مشروع التشغيل المؤقت المحكوم بمدة زمنية محددة قصيرة ما يجعل إمكانية الاستمرار والمتابعة صعبة.

ووزعت الوزارة على تلك الصالونات نماذج "استيفاء لوسائل الصحة والسلامة المهنية"، والتي تبين المطلوب منها توفيره وأوجه النقص فيها، لتتبعها زيارات متابعة للتأكد من مدى التزامها.

وتبين لوزارة العمل التزام بعض الصالونات وإهمال كثير منها بحسب حلس، الذي أضاف أن صندوق الإسعاف الأولي على سبيل المثال موجود، ولكن بشكل نسبي، وينحصر دور الوزارة بتوجيه تنبيه شفهي يلزمه ثم إنذار تليها عقوبات في حال المخالفة بحسب مواد القانون الباب العاشر تتراوح من 200 - 500 دينار".

ويبلغ عدد المفتشين لدى وزارة العمل في محافظات القطاع 12 مفتشا موزعين على أربعين ألف منشأة مسجلة في سوق العمل المحلي، وبحسب المهندس حلس فإن أولويات عملهم تتركز على المنشآت الخطرة فالأقل خطورة نظرا لنقص كادر المفتشين.

وتواجه الوزارة مشكلة صعوبة وصول مفتشيها إلى محلات الكوافير لخصوصية تلك الأماكن المرهونة بالكادر البشري المتاح والمحدود لدى وزارة العمل، فوجود مفتشات نساء يقمن بهذا الدور يعد أمرا مهما، خاصة وأنهن الأجدر على اكتشاف خبايا الممارسات السلبية التي تتم في هذه الصالونات.

"كوافيرة": لا وقت لدينا لدورات تدريبية للعاملات

وعند توجيه "الرسالة" سؤالا: هل قامت وزارة العمل بتغريم صاحبات العمل غير الملتزمات بإجراء فحص ابتدائي ودوري للعاملات لديها أجابت بـ"لا" نظرا للظروف الاقتصادية التي تعصف بالقطاع، على حد تبرير مدير دائرة التوعية والإرشاد في الوزارة. لكن حلس قال أنه من المفترض أن يكون هناك جسم نقابي يساهم في ذلك والتعاون مع وزارة العمل لنعمل بذات التوجه.

وتبين أن معظم الصالونات شمال القطاع ومدينة غزة لا تراعي شروط الصحة والسلامة.

وبناء على ذلك أثبت أن ما قامت به وزارة العمل من جولات تفتيشية في العام المنصرم كان شكليا بدليل استمرار صاحبات العمل باعترافهن بعدم إجراء فحص لا ابتدائي ولا دوري للعاملات لديهن حتى لحظة إعداد التحقيق أو الالتزام بارتداء وسائل الوقاية ما يشجع صاحبات العمل على الاستمرار بما هن عليه من مخالفات. وهو ما يخالف ما أكدت عليه وزارة العمل على حرصها على صاحب العمل والعامل ومن ضمنها وسائل الوقاية الشخصية في المنشأة التي قد تتأثر منها العاملات.

لا تشمل السيدات

تأكيد وزارة العمل على تشكيل جسم نقابي خاص بالحلاقين والكوافيرات كشف عن مشكلة غيابه، فمن جهته أفاد أفاجودت الأصفر رئيس نقابة العاملين في حرفة الحلاقة أن النقابة الخاصة بالحلاقين الرجال شُكلت في عام 2014 بعد الحصول على ترخيص على مستوى قطاع غزة من وزارة العدل إلا أنها لا تضم الكوافيرات من فئة السيدات.

وأرجع الأصفر استثناء السيدات لصعوبة تنقل المرأة بين المؤسسات في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد مقيدة لها تطالب فيه بحقها، مشيرا إلى سعي نقابتهم للمطالبة بانضمامهن في حال موافقة وزارة العدل للتواصل مع الجهات المعنية وتثبيت حقوقهن.

ولا توجد جهة تحرص على توعية العاملين في صالونات التجميل بتجنب الممارسات الخاطئة التي قد تؤدي إلى أضرار صحية بالغة وأمراض كاستخدام الأدوات أحادية الاستخدام وبخاصة المتعلقة بالعناية بالأظافر والوجه وضرورة الالتزام بأدوات الوقاية أثناء العمل وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة.

وفي ظل غياب النقابة الخاصة بالسيدات وضعف الرقابة من وزارتي الصحة والعمل والبلديات تبقى المشكلة قائمة والمرتادة هي ضحية الإصابة بأمراض جلدية واحتمالية الإصابة بأخرى معدية ناهيك عن عدم وجود إحصائية دقيقة لصعوبة حصرها.

ويتطلب من البلدية وضع شروط صحية صارمة على الأدوات أو بفرض جهاز التعقيم الحراري كما اشترطته في الفترة الأخيرة شرط الالتزام به بالجولات التفتيشية المفاجئة لا كتابته فقط تقابلها شروط صارمة من العمل على العاملات وصاحبات العمل وتكثيف حملات توعية الأطراف المعنية فالوقاية خير من العلاج، وإغلاق غير المرخصة والمخالفة منها.

إذ يقتضي على الجهات المعنية المطالبة بتشكيل فرق تفتيش نسائية مختصة للرقابة على هذه المنشآت، باعتبارهن الأجدر على كشف خبايا الممارسات السلبية التي ترتكبها الصالونات، والتصدي لها بكل حزم، خاصة وأنها تضر بشكل مباشر بصحة وسلامة أفراد المجتمع، حيث يسعى أصحاب الصالونات عبر لجوئهن إلى بعض الممارسات الخاطئة إلى جني أرباح إضافية في مقابل توفير خدمة لا تتوافر فيها معايير السلامة المطلوبة.

ويقع على عاتق السيدات المرتادات المسئولية الأكبر في الحرص على اختيار الصالون الأكثر نظافة وتأكدهن من حصوله على رخصة مزاولة المهنة والتي ينبغي أن تكون في مكان واضح للجميع والأهم التأكد من أن جميع الأدوات المستخدمة نظيفة ومعقمة والتزام استخدام العاملات لأدوات الوقاية وعدم التردد في توجيه شكوى للجهات المسئولة في حال وجود مخالفات صحية.

البث المباشر