قائد الطوفان قائد الطوفان

يتمنى أن يزور غزة قبل مماته

أسعد طه طاف نصف الكرة الأرضية وغطى أكثر الأحداث سخونة

أسعد طه
أسعد طه

الرسالة –محمد هنية

 

يبدو غريباً أن يقوى قلب بشرٍ في هذا العالم على رؤية نزيف الدم وأشلاء الجثث وتطاير بقايا الأبنية بما فيها من تاريخ وإرث، لا بل وأن يذهب بقدميه مخيرا لا مجبرا نحو الأماكن التي لا تسمع فيها سوى دوي القصف وتبادل الصواريخ، متنقلاً بين أم ثكلى وطفل لم يتبق له سوى ذاكرته كان آخر ما سجلته ابتسامة امه قبل الابادة.

تبدو رائحة الحرب الكريهة مزعجة لك وكل ما فعلته هو قراءة ما سبق، فما بالك برجل سار وراء شغفه وحبه للمغامرة ورأى كل أشكال الحروب والمجاعات وأدركها بحواسه، ولو فتشت في قلبه ستجد بلدان العرب والعجم، وفي السويداء ستجد مصر الذي غادرها منذ ٣٠ عاما، إلى فرانكفورت ثم إلى العالم حيث قابل زعماء واهتم بالفقراء على حد سواء، سافر لقرابة ٨٠ دولة.

أسعد طه الإعلامي المصري فتح قلبه "للرسالة" وكان أول ما رأيناه هو اعتزازه بفلسطين عموماً وغزة خصوصاً، لا سيما وأنه عاش ظروف الاحتلال الاسرائيلي على سيناء، فهو ابن مدينة السويس ولد فيها عام 1956، وعاصر أحداث متتالية عصفت في مدينته كان أشدها نكسة عام 67 فلا يزال مشهد وجود "العلم الاسرائيلي" على الضفة الأخرى لقناة السويس غصة في حلقه.

تعرض طه للهجرة قسراً عن مدينته السويس إبان النكسة، حيث اتجه نحو مدينة طنطا وعاش فيها ما تبقى من طفولته، وهنا يقول: "كنت في طفولتي كيّيّف شطرنج الى جانب حبي الشديد للقراءة والكتابة"، وتابع: "كل كتاب او قصة تقع في يدي، كان بالنسبة لي أفضل من ملابس جديدة لطفل في عيده".

ويذكر كيف كانت شقيقته الكبرى تساعده في شراء الكتب عندما تنف قروشه، ومن كثرة ولعه بالقراءة كان كلما ذهب مع والده لزيارة صديقه اليوناني الذي يمتلك مكتبة زاخرة، يسترق الوقت ويدخل المكتبة وكانت ضيافته كتاب يهديه اليه صديق الوالد في اختتام الزيارة.

وفي حديث الماضي حنين استحضاره وجع يظهر على حروفه، فيروى حب الشعب المصري لفلسطين، ترجموه بعبارات خطوها على محالهم التجارية خلال مجريات حرب النكسة حملت احداهن "قريبا سوف نفتتح فرعاً في تل أبيب"، حيث أن هذا الشعور لم يكن مفتعلاً بل تلقائياً بحسب الراوي.

المهم كبر طه وشارك في شبابه بالأنشطة الطلابية وما تخللها من تظاهرات واصدار مجلات، الى جانب اهتمامه بالقراءة، تلك الفترة قال عنها: "كنت عضو نشط في الشباب الاشتراكي التابعة للاتحاد الاشتراكي التنظيم الوحيد المعترف فيه ايام جمال عبد الناصر، وهذه فترة سخية جدا قرأت كثيرا وتدربت على اشياء كثيرة".

محاولات دخول طه في عالم الصحافة كانت من خلال المشاركة في مسابقة نظمتها جريدة الشرق الاوسط لأفضل مقال يرسل اليها، "فوجئت ان مقالي فاز هذا الاسبوع وكان هناك جائزة مادية، هذا شجعني على المضي قدما بهذا الامر"، يقول طه الذي كان منشغلاً في تلك الفترة بمراسلة المجلات والكثير منها لم يرد وبعضها نشر له مقالاته ونادرا ما كان يتلقى مقابلا مادياً.

نقطة التحول كانت في قراره بالانطلاق من أوروبا لاعتبارات متعلقة بحساسية الصحافة مع النظام السياسي، لا سيما وأن مجال حرية الرأي للمسلمين في أوروبا كانت متاحة الى حد كبير، وعن ذلك يقول: "اهتتمت بقضية المسلمين في اوروبا ورأيت أنها القضية فاترة، حيث أنهم يملكون امكانات مادية ولهم الحرية ومع ذلك كانوا غارقين بالقضايا الخلافية والطائفية".

وأثناء وجوده هناك استمر بمراسلة الصحف والمجلات، الى أن اندلعت الحرب في البوسنة، حيث ذهب اليها وقرر تغطية الحرب حيث كان قد زارها قبل ذلك، وبعد أن أصبحت الحرب تشغل اهتمام وسائل الاعلام، بدأ العمل مع جريدة الشرق الاوسط والتلفزيون السعودي، وبعدها أتيحت له تجربة في قناةmbc  وأنتج مجموعة كبيرة من التقاير على مدى سنوات الحرب.

هنا بدأ يتحول الاعلامي المصري الى العمل التلفزيوني، التحق بقناة الجزيرة لتنفيذ برنامج "نقطة ساخنة" وفكرته زيارة أكثر الأماكن سخونة في العالم من حيث الحروب والمجاعات، ويصف تلك الفترة بالقول: "نقطة ساخنة فتح المجال لي لأجوب العالم، وكان هذا مهما لي على المستوى الشخصي والمهني، والجزيرة فتحت لي الباب واسعا فزرنا الشرق والغرب"، وتمخض عن هذا البرنامج فكرة جديدة بسرد قضايا اجتماعية واقتصادية لشعوب العالم عبر أسلوب الحكايات فكان برنامج "يُحكى أن".

وحظي طه بمقابلة عشرات المسئولين والزعماء، غير أن لقاءه بالرئيس البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش له وقع خاص يخبرنا عنه بالقول: "أهله يعتبرونه نصف إله وكان الامر شاق عليّ أن أقابل شخص بهذه المكانة بين شعبه، لكني ما شهدت منه الا التواضع ومؤمن بعقيدته وبشعبه، وكان يتحدث بكل بساطة"، غير أن لطه نظرة خاصة بالسياسيين فيصفهم: "السياسي ممثل قبل التصوير يكون شخصا وأثناء التصوير شخص آخر وكأنه ممثل يتحدث بما لا يصدقه هو في حياته الخاصة".

وللعلم أنت تحظى بعمل كعمل ضيفنا أمر ليس بالهين تقبله، فيكفيك ما قد ينتج عنه من مهالك والصعاب وربما فقدان الروح، وهو قد تعرض فعلا للضرب والتهديد والاعتقال والملاحقة، لذا طرحنا عليه سؤال، لو عاد بي الزمن لفعلت ذلك؟، قال: "لا أعلم فأنا وقتها كنت مندفعا بشدة ولا أنكر انه مرات كان الخوف يتملكني وكنت اعود من السفر وأقول سأتوقف عن ذلك إلا أني وبعد أسبوع أعود من جديد".

صحيح أن شغفه المحرك الأساسي لكن هناك أهدافا أخرى من عمله يوضحها: "قمة المتعة والنجاح ان تشعر بأن ما تفعله مهم، وأنك تضيف للمشهد الاعلامي وتسد نقصا ما، وتحاول ان تفعل شيئا مميزا"، يضاف الى ذلك حصيلة الخبرة والتجربة على المستوى الشخصي والمهني والتعرف على ثقافات جديدة، "الظلم الموجود في كل مكان له نفس اللون والفساد له نفس اللون والمناضلون لهم نفس اللون، هذا التجوال زاد ايماني بالله" يقول طه.

وبالطبع عمل كهذا لا بد وأن يؤثر بشكل كبير على الحياة الاجتماعية، لا سيما وأن طه متزوج وأب لبنت وثلاثة أولاد، صارحنا بوصف علاقته مع أولاده بالقول: "احاول ان أطبق كل ما أقوله في كتاباتي بالبيت، رغم أن هذا يسبب لي المتاعب، فإن قلت إنني مع حرية التعبير ستجد أولادك يناقشون ويعترضون"، ويبتسم.

"من شابه أباه فما ظلم" بحسب طه، فإن أبناءه يسيرون على ذات نهجه، فابنه مهند يسير على خطى والده في الاخراج، بينما انتهت مريم من دراسة الميديا، وابنه الثاني يدرس كتابة ابداعية، بينما الأخير "خالد" فإنه يسير على عكس الخط حيث ينوي احترام كرة القدم وعادة ما يمازحه والده بالقول "أنت رح تصرف علينا كلنا"، وفي ختام الحديث رد على تساؤلنا لو وُضعت تجربتك في كتاب فماذا تختار العنوان؟ أجاب: "المغامرة"، وانتهى بأمنيته أن يزور غزة قبل مماته.

 

البث المباشر