الرئيس عباس.. سجل حافل بانتهاك القانون

محمود عباس
محمود عباس

غزة-أحمد الكومي

يواصل رئيس السلطة محمود عباس مسلسل انتهاكه للقانون الفلسطيني، ضارباً عرض الحائط بشعاره الانتخابي "دولة المؤسسات والقانون" الذي وصل عبره إلى سدة رئاسة السلطة، إذ كانت أحدث حلقاته إصداره مرسوماً رئاسياً بتشكيل المحكمة الدستورية، دون التشاور مع مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل، في مخالفة واضحة للقانون الأساسي.

لكن تبين بعد عشر سنوات على توليه الرئاسة أن أبو مازن كان يرسم لدولة "الرئيس والحزب الواحد"، متجاهلاً القانون، ومستغلا ازدواجية السلطة، وعدم الوضوح في صلاحيات سلطات النظام السياسي الفلسطيني، فكان شعاره "ما يريده الرئيس يريده القانون".

البداية كانت عقب التغيير الذي حصل بعد الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، وما نتج عنها من سيطرة حركة حماس على غالبية مقاعد التشريعي، مما خولها بتشكيل الحكومة، والسيطرة على أحد طرفي السلطة التنفيذية، مقابل سيطرة حركة فتح على مؤسسة الرئاسة، فكان الاستقطاب بينهما، خصوصا أن كلا منهما يستند إلى شرعية انتخابية ونضالية، ببرامج ومرجعيات مختلفة.

ومنذ ذلك الحين، حاول الرئيس عباس توسيع سلطاته وتعزيزها، ومد مجال صلاحياته إلى هيئات ومؤسسات كان قد جرى إلحاقها ببعض الوزارات، أو فرض أمر واقع أمام الحكومة الجديدة في بعض المجالات التي تقع في نطاق مسؤولياتها.

وأصدر أبو مازن عدة قرارات ومراسيم بهذا الاتجاه، وقام بجملة تعيينات في الأجهزة الأمنية والمدنية والسفارات الفلسطينية، شكّلت ميلا واضحا لتقليص سلطات وصلاحيات مجلس الوزراء (الحكومة العاشرة) التي قادتها حركة حماس، وتحويلها إلى مؤسسة الرئاسة.

فتولت الرئاسة صلاحيات في الأجهزة الأمنية هي من اختصاص مجلس الوزراء، وصلاحيات مالية، فأصبحت بديلا لوزارة المالية في تلقي المعونات وصرف السلف المالية للموظفين، كما حولت تبعية مؤسسات حكومية أخرى لتصبح تابعة للرئاسة أو منظمة التحرير، مما يعني تقييد صلاحيات السلطة التشريعية في الرقابة على تلك المؤسسات، وعدم القدرة على مساءلتها كونها تابعة للرئيس غير الخاضع للمساءلة.

وأتبع عباس محاولاته، بالعمل على إفقاد السلطة التشريعية كامل استقلاليتها، حين أقدم المجلس التشريعي الأول، الذي كانت تهيمن عليه حركة فتح بزعامة أبو مازن، في جلسته الأخيرة بتاريخ 13/2/2006، بإدخال تعديلات على النظام الداخلي واستحداث منصب (أمين عام للمجلس) وتخويله صلاحيات أمين السر.

وعلى صعيد السلطة القضائية، فقد عمد عباس بدافع سياسي إلى إصدار قرارات بتعديل قانون السلطة القضائية لعام 2002، وأخرى تعدل في قانون تشكيل المحاكم النظامية، وقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، وقانون الإجراءات الجزائية، ترتب عليها سحب اختصاصات من الحكومة ووزير العدل؛ الأمر الذي عرقل محاولات إصلاح القضاء وتفعيل دوره، بسبب تعارض هذه المحاولات مع مصالح الرئيس.

وقد رأت حماس في حينه، أن تلك التعيينات والقرارات والتعديلات التي توسع صلاحيات الرئيس هي وسيلة لسحب صلاحيات المجلس التشريعي والحكومة لمصلحة الرئاسة التي تسيطر عليها حركة فتح، ووصفت تلك الإجراءات بأنها "انقلاب أبيض".

بينما اعتبرت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن في تقريرها السنوي لعام 2006، القرارات والمراسيم المتخذة من الرئاسة، تراجعا عن الخطوات الإصلاحية التي اتخذت في المجال المؤسساتي للسلطة، ما من شأنه أن يساهم في خلط المرجعيات القانونية لمنظمة التحرير والسلطة، والتداخل بينهما، وإضعاف دور ووظائف السلطات الثلاث للسلطة الفلسطينية.

ولم يمنع إصدار المجلس التشريعي المنتخب عام 2006 قرارا بانتهاء ولاية الرئيس بتاريخ 8 كانون الثاني 2009، مواصلة عمله والدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة، إنما استمر في الرئاسة متذرعا بأحداث الانقسام، وعدوان 2008 على قطاع غزة، علما أن المجلس المنتخب استند في إصدار هذا القرار، إلى أن القانون الأساسي يحدد مدة الرئاسة بأربع سنوات، معتبرا أن تمديد ولاية الرئيس مخالف للقانون، وأن منصب الرئيس يعتبر شاغرا بعد هذا التاريخ.

واستمرت سطوة الرئيس بإقدامه على رفع الحصانة عن بعض نواب التشريعي، رغم أن المجلس نفسه هو صاحب الاختصاص الوحيد برفع الحصانة عن أعضائه، وفقا للإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي للتشريعي، وتحديدا المادة (96) التي نظمت الإجراءات المتبعة لرفع الحصانة عن العضو، وحددت الجهة التي يجوز لها التقدم بذلك، وهي المجلس التشريعي أو النائب العام.

ولا يبدو أن شهية الرئيس في انتهاك القانون ستقف عند هذا الحد من التجاوزات، للدرجة التي بات من الصعب احتواء آثارها، "فمن خرق القانون بذريعة منفعتك خرقه غدا لخراب بيتك".

متعلقات

أخبار رئيسية

المزيد من سياسي

البث المباشر