قائد الطوفان قائد الطوفان

تحرير الأسرى بين استراتيجيتي المقاومة والتسوية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

غزة-أحمد الكومي

جددت الفصائل الفلسطينية المنقسمة بين فريقي المقاومة والتسوية، إعلانها في ذكرى يوم الأسير الأحد الماضي، تمسكها بتحرير الأسرى ومركزية القضية، وفي الوقت نفسه ثباتها على استراتيجية التحرير وفق رؤية كل منها لحل الصراع.

فبينما يتمسك فريق التسوية في رام الله بالتفاوض سياسيا مدخلا لتحريرهم، ترى فصائل المقاومة المسلحة في عمليات أسر جنود وإجراء صفقات تبادل، الوسيلة الأنجع والأكثر جدوى، بالنظر إلى الأثمان وحجم التنازلات التي اعتادت حكومات الاحتلال على تقديمها ضمن هذه الوسيلة.

على صعيد السلطة الفلسطينية وحركة فتح، التي التزمت العمل السلمي لحل الصراع، يمكن قياس جدوى استراتيجية التفاوض بالاطلاع على إنجازات فريق التسوية في ملف الأسرى من تاريخ توقيع اتفاق وأسلو عام 1993 وحتى اليوم.

هذه الفترة شهدت عدة لقاءات واتفاقات وتفاهمات يتعلق بعضها بالأسرى، كانت دائما، وفق وصف الباحث بمركز الجزيرة للدراسات شفيق شقير، تحت رحمة توازن الكتل الحزبية والشارع الإسرائيلي "الذي لا يكاد يعطي ثقته لرئيس حكومة حتى يستبدله آخر، وتعود المفاوضات مع الرئيس المقبل أشواطا إلى الوراء، وكل آت يزايد على سابقه برفع سقف المطالب والشروط".

وكان الاحتلال يطلق سراح بعض الأسرى ضمن "مبادرات حُسن النية" من طرف واحد ووفق شروط وتعهدات مذلّة تأخذ أبعادا زمنية طويلة في ظل التركيبة المتطرفة للحكومات الإسرائيلية، بدليل امتناعه حتى اليوم عن إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، مع أهمية الإشارة هنا إلى أن هؤلاء الأسرى كان مفترضا إطلاق سراحهم بُعيد توقيع الاتفاق ضمن "حُسن النية" أيضا.

ولابد من الإشارة أيضا إلى أن سلطات الاحتلال كانت تمتنع عن إطلاق سراح الأسرى "الملطخة أيديهم بالدماء" بتوصيف أجهزة الأمن الإسرائيلية، وتكتفي بأصحاب الأحكام القليلة، ومن أوشكت محكوميتهم على الانتهاء، وتستثني منهم أسرى فصائل المقاومة المسلحة وأصحاب المؤبدات والأحكام العالية.

وعلى النقيض من ذلك، سقطت هذه المعايير في مفاوضات صفقات التبادل مع فصائل المقاومة، بدليل صفقة "وفاء الأحرار" التي أبرمتها حركة حماس مع الاحتلال بعد أسر الجندي جلعاد شاليط عام 2006، وأُفرج بموجبها عن 1027 أسيرا من أصحاب الأحكام العالية، والذين كانت ترى (إسرائيل) في الإفراج عنهم خطرا سيهددها لاحقا، وكانت صفقة قاسية على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي قال حينها إن "الموافقة على الصفقة أصعب قرارات حياتي".

واستندت حماس، التي تتقدم فصائل العمل المسلح، في إنجاز هذه الصفقة على ورقة قوة متمثلة في الجندي الأسير، ودراية جيدة بالعقلية الأمنية الإسرائيلية، راكم لديها خبرة التفاوض، وفتح شهيتها في أسر مزيد من الجنود لمبادلتهم لاحقا، وهذا ما حصل في العدوان الأخير 2014، حين نجح مجاهدوها في أسر 4 جنود، تعلن اليوم أنهم سيكونون ثمن تبييض السجون بأكملها.

ثم إن حماس تستند أيضا في التعامل مع ملف الأسرى إلى ثابت فكري باعتباره "قضية عقائدية مركزية"، قبل أن تكون واجبا شرعيا ووطنيا، حتى إنها تعتبر أن "تحرير الأسرى أوْلى من تحرير المسرى".

وفي الأثناء، يقول عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح بالضفة، إن حماس وضعت في بداية التسعينات استراتيجية لتحرير الأسرى، عبر عمليات أسر الجنود واجراء صفقات التبادل، وقبلها كانت عمليات الأسر تتم دون تخطيط مسبق، وأن من بين 11 محاولة نفذتها حماس لتبادل الأسرى، نجحت محاولة واحدة هي "وفاء الأحرار".

وقد أكد إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، التزام حركته بأسلوب وصفه بـ "التفاوض المختلف"، وأنها تملك عناصر القوة المتكاملة التي تمكّنها من إتمام صفقة تبادل جديدة.

وليس مبالغة القول إن استراتيجية المقاومة أعادت قضية الأسرى الفلسطينيين إلى واجهة الاهتمام العربي والدولي، وآية ذلك ما جرى في الصفقة الأخيرة حينما توسطت أجهزة مخابرات عربية ودولية في محاولة إتمامها، بعد محاولات فاشلة لتخليص الجندي.

وتبرز خطورة هذه الاستراتيجية في الإجراءات القانونية الجديدة التي أتبعت "وفاء الأحرار"، والتي كبّلت أي قائد إسرائيلي عن إتمام أي صفقة على شاكلتها، فقد صادق الكنيست على قانون يمنع العفو عن أسرى فلسطينيين أو تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، في إطار صفقة سياسية أو صفقة تبادل أسرى.

لكن الوضع الذي أجبر وزير الدفاع السابق إيهود باراك على القول إنه "لا مفرّ من قرار صفقة شاليط"، لابد أن يتكرر ويدفع بالمستويات الأمنية في (إسرائيل) بأن تضع القانون جانبا، من مبدأ لديهم بأن (الإنسان اليهودي يمكن دفع أي ثمن مقابله).

وإجمالا، فإن كل ما سبق لا يلغي أهمية التوافق على استراتيجية وطنية موحدة لتحرير الأسرى، ترتكز على القوة في عملية التفاوض وشخوص المفاوضين.

البث المباشر