بعد أن شبّهها بـ "عوّامة لن يعترف بها أحد"، أعلن عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لفتح، رفض حركته أي محاولة لإنشاء ميناء بحري في قطاع غزة، وتعهد بإحباطها، وأعقبه تصريح لم تنفه "فتح" للقيادي فيها أحمد عبد الرحمن، قال فيه "إنه لا يحق لتركيا طرح شرط رفع الحصار عن غزة، وإقامة ممر مائي في أي اتفاق مع إسرائيل لإعادة العلاقات بينهما"، تحت مبرر أن ذلك شأن سيادي يخص السلطة الفلسطينية.
هذا الموقف كان محل امتعاض شعبي واسع على شكل تساؤلات حول أسباب الرفض، إذا ما كان إقامة الميناء سينهي أزمات إنسانية عالقة، وحصار "عشْري" مسّ كل قطاعات الحياة في غزة، في الوقت الذي رحّبت كل القوى الفلسطينية بهذه الفكرة، وبالإصرار التركي على شرط إنهاء الحصار.
ولم يكن الأحمد صريحا بما فيه الكفاية للإجابة أو شرح أسباب هذا الرفض، عدا عن قوله إن "محاولات إقامة الميناء تمس جوهر العلاقة الفلسطينية القبرصية"، مع العلم أيضا أن قيادات في فتح والسلطة وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس كانوا قد صرحوا سابقا بمواقف مشابهة أعلنوا خلالها صراحة بأنهم خلف إغلاق معبر رفح، وإغراق أنفاق رفح الحدودية.
العجب من هذه المواقف يبطُل إذا ما عرفنا أن حصار غزة يعود على خزينة السلطة بعوائد مالية كبيرة، يجعل من رفعه أو انهائه عبر أي طرف عربي أو دولي، خسارة لاستثمار مربح في معاناة الشعب الفلسطيني بغزة، فإقامة الميناء البحري يعني، وفق مراقبين اقتصاديين، تحويل مسار الاستيراد والتصدير من معابر الاحتلال إلى الميناء، وبالتالي فقدان السلطة الفلسطينية 70 مليون دولار مقاصة ضريبية تدفعها غزة شهريا.
وبالتوازي مع ذلك، فإن إنهاء الحصار ومعه أزمات غزة يعني انتصارا كبيرا لحماس ترفضه السلطة وفتح، على اعتبار أنه سيعزز شعبيتها ويظهر عدم جدوى برنامج التسوية في مقابل ما حققه برنامج المقاومة المسلحة، وكذلك سيحرر الحركة من عُزلتها السياسية بنظرهم، ويمنحها أوراق قوة في الملف الفلسطيني على الأقل، والأهم أن شرعية سياسية فلسطينية بدون غزة، هي شرعية منقوصة.
وهذا ربما ما دعا حماس إلى إرسال رسائل طمأنة بأنها "لا ترى دولة في غزة أو دونها"، بحسب ما ورد في تغريدة حديثة لموسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي للحركة، تعليقا على الرفض الفتحاوي لفكرة بناء المطار والميناء، قال فيها إن "الفكرة ذاتها إذا طرحت من فتح تصبح وطنية، وإذا خرجت من غيرهم تمسي ضبابية ومشبوهة".
وقال أبو مرزوق إن الميناء والمطار لم يكونا اختراعا حمساويا، بل كان المطار موجودا، وعقابا للقطاع تم تدميره، وحجر الأساس للميناء كان موجودا قبل الاحتلال، نافيا أن يكون المطار والميناء أدوات لفصل القطاع عن الضفة.
ويشار إلى أن السفير الفلسطيني لدى تركيا (فائد مصطفى)، كان قد رحّب بهذه الفكرة، وقال إنه "لا مشكلة لدينا في الجهد التركي لرفع الحصار عن غزة"، مضيفا أن مطلب إقامة ميناء بحري ومطار في غزة مطلب وطني قبل أن يكون تركيًا، طرحته جميع الفصائل في مباحثات القاهرة ابان العدوان على غزة 2014م.
وفي السياق، كتب المحلل السياسي حسام الدجني، في مقال له، أن مشروع تشييد ميناء في غزة سيعمل على حل أزمات غزة المستعصية مثل الكهرباء واستيراد مواد البناء وغيرها وأنه سينعكس إيجابا على شعبية حماس، وسيمنحها مساحة للمناورة السياسية داخليا وإقليميا ودوليا.
وتمنى الدجنى أن يُعيد الرافضون للميناء "التفكير بهدوء، ودراسة المسألة بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة"، فهناك، كما قال، فرق بين ما نتمناه وبين ما نحققه، فما نتمناه هو تحرير فلسطين وتصبح كل الموانئ فلسطينية.