مقال: إعلام القسام نموذج للإعلام المقاوم

إبراهيم المدهون
إبراهيم المدهون

إبراهيم المدهون

 يعتبر الإعلام من أهم ركائز المعارك وأكثرها تأثيرا على سير النتائج واستثمارها، فإعلام قوي لفريق مهزوم يقلل من الهزيمة، وإعلام قوي لفريق منتصر يضاعف المكتسبات السياسية والميدانية. والمقاومة الفلسطينية بصفتها الفريق الأقل عدة وسلاحا وعلاقاتٍ دولية، عليها أن تفكر بشكل جاد في تعويض هذا النقص بالتركيز على الإعلام وتطويره والاستثمار في ساحته واستجلاب الخبرات، والعمل على رفع المستوى بكل الطرق والسُبل كأولوية هامة ومؤثرة، فما تحققه كاميرا واحدة قد تعجز عشرات المدافع والصواريخ عن تحقيقه. وهذا ليس تقليلا من العامل العسكري الحاسم في المعارك، بل هو تطوير وتكميل في معركة تحتاج إلى البندقية والصاروخ والقلم والميكروفون جنبا إلى جنب، فحاجتنا لضابط محترف ومقاتل شرس لا تقل عن احتياجنا لإعلامي مهني وذكي ومؤثر، فالصاروخ وحده لا يكفي كما أن الصورة والكلمة وحدهما لا تكفيان. وكدراسة حالة علينا تثمين إبداع أداء دائرة الاعلام العسكري في كتائب القسام، والذي أعتبره أفضل أداء إعلامي فلسطيني على الإطلاق إن كان حكومي أو حركي أو فصائلي، لما يتميز به من الكفاءة والمرونة والمهنية والحكمة ولما يتمتع من مصداقية معززة على مدار العمل رغم تعقيدات الواقع وتشابكاته. كما أنه إعلام موجه وهادف ومبادر فقد أرسل الكثير من الرسائل للعدو الصهيوني بطريقة تساعده في جني المكاسب وتسجيل النقاط، كان آخرها إدارته للحرب الإعلامية في قضية المفقودين الاسرائيليين الأربعة، إعلام القسام يجيد استخدام وسائل وطرق الحرب النفسية والمعنوية، عبر نشر الرسائل المصورة بوقتها، وإخفاء المعلومة وبث الأغاني باللغة العبرية، والتصريحات المتلفزة. وبلغ ذروة تميز إعلام القسام بإدارته لمعركة العصف المأكول، بدء من اختيار الأسماء وبث البيانات وتصوير العمليات، ونشر الإحصائيات الدقيقة بالأرقام والرسومات البيانية الصحية المبتعدة عن التهويل والتضخيم والفبركات، مما أدى لتعزيز مصداقية كتائب القسام حتى لدى الجمهور الإسرائيلي بالإضافة لتوثيق العمليات وتصويرها، وبثها بطريقة حرفية وبالوقت المناسب. وللحقيقة فقد أبدع إعلام القسام في التوثيق والتجهيز والعرض المناسب للمادة، ولم يكن إعلاما اندفاعيا بل مضبوطا يعرض المادة والبيان في الوقت المناسب والمحدد، من غير حشو زائد وثرثرة لا لزوم لها، فيقول رسالته الإعلامية بوضوح لا لبس فيه. فالإعلام إن لم تستطع أن تضبطه وتحكمه فهو طلقة تخرج فإما أن تكون لك أو عليك، فلذلك كانت هناك حكمة شديدة في إعلام القسام من حيث ما يعرض وما لا يعرض والوقت المناسب لعرض المادة، والطريقة الملائمة لطرح المعلومة. ويلعب اعلام القسام اليوم دورا مهنيا ومؤثرا في صد الحرب النفسية التي يشنها الاحتلال، فجابه استعراض الجيش الاسرائيلي لادعائه اكتشاف أحد الانفاق، برواية سريعة وتوضيحات جلية مدعمة بصور أن هذا النفق قديم، وقد استخدم في الحرب الاخيرة، مما بهت صورة العدو وجيشه وأخسره مزيدا من النقاط. إن إعلام كتائب القسام يُحتذى به كإعلام مقاوم لما يتمتع به من مهنية عالية ومصداقية وقبول وحرفية وتجديد، ويعتبر مصدرا معلوماتيا موثوقا لجميع الباحثين والدارسين، وهناك مجهود كبير ومقدر ومحترم لكل العاملين بالمجال الإعلامي القسامي.

البث المباشر