تركز الأطراف الإقليمية المهتمة بملف القضية الفلسطينية على إصلاح البيت الفتحاوي في المرحلة الحالية، لاسيما في ظل الخلافات الحادة التي تعصف به، وتزداد وضوحاً بين تياري رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، مما أثر سلباً على الاهتمام بالقضية الفلسطينية ككل.
ورغم أن الانقسام الفلسطيني الحاصل منذ عام 2007 قد أضعف حضور القضية الفلسطينية، إلا أن الخلاف الفتحاوي كان أكثر تأثيراً على الاهتمام بالقضية؛ نظرا إلى أن الاقليم منقسم في دعمه بين تياري عباس ودحلان.
ومن الملاحظ أن محاور اللقاءات التي تتم في العواصم المهتمة كالقاهرة وعمان وأبو ظبي تركز على كيفية إنهاء الصراع الفتحاوي، ليس محبة بإنهاء الخلاف بقدر ما هو محاولة تصدير أشخاص إلى الواجهة وإنهاء حضور آخرين.
وهذا ما ظهر جلياً من زيارة عباس الأخيرة للقاهرة، إذ تركزت اجتماعاته مع بعض قيادات جهاز المخابرات، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على محورين أساسيين: الأول هو إمكانية بذل جهود إماراتية مصرية أردنية لتحقيق مصالحة داخلية في حركة "فتح" بين الرئيس عباس والقيادي دحلان، أما المحور الثاني، فبحث إمكانية تحقيق مصالحة بين فتح وحماس.
وبدلاً من أن تحضر وفود حركتي حماس وفتح وبقية الفصائل إلى القاهرة؛ لإتمام المصالحة الفلسطينية، حضر الرئيس عباس والقيادي دحلان، بالتزامن مع حضور ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، الذي عيّن دحلان مستشاراً أمنياً له منذ عدة سنوات.
وفي المقابل، تواصل حركة فتح تبرير تقصيرها بحق القضية ومتابعة شؤونها في المحافل الدولية والساحة الداخلية بشماعة الخلاف مع حركة حماس، رغم أن الخلافات الفتحاوية التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، وتصل حد العراك بين أنصار التيارين، تؤكد التأثير السلبي البالغ على القضية.
وتبدو حركة فتح بقيادة عباس أقرب للمصالحة مع حركة حماس، من المصالحة مع تيار محمد دحلان، وهذا ما أكدته مصادر دبلوماسية مصرية بناءً على لقاءات مع الرئيس عباس ووفده المرافق في القاهرة خلال الأيام الماضية. وقالت المصادر في تصريح لصحيفة "العربي الجديد": إن محمود عباس "استمع في هذه الزيارة أكثر من أي وقت مضى إلى تصورات عربية، بعضها مصري وبعضها أردني وإماراتي، عن توحيد الصف الفلسطيني لتحسين موقف الفلسطينيين في أي تفاوض مستقبلي محتمل مع (إسرائيل)، سواء في المبادرة الفرنسية المطروحة حالياً أو في أي مبادرات أخرى".
وأوضحت المصادر أن "مساعدين لعباس أبدوا مرونة في ملف المصالحة مع حماس أكبر من ملف عودة دحلان"، مؤكدة أن هناك "مخاوف في جناح عباس من التفاف دحلان على أي اتفاق مزمع للقفز على السلطة".
وعليه، يرى مراقبون أنه من الواجب على حركة فتح إنهاء خلافها الداخلي، أو فصله عن متابعة شؤون القضية الفلسطينية، قبل أن يفرض عليها الحل من الخارج، حيث تشير التقديرات إلى أن الاقليم سيواجه تعنت عباس في مصالحة دحلان من خلال الضغط بأوراق القوى التي يمكنها أن تؤثر على مجرى الأحداث.
وفي ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة إن دول الاقليم تعطي في مساعيها نحو القضية الفلسطينية الأهمية الأكبر للمصالحة الفتحاوية الداخلية أكثر من المصالحة بين طرفي الانقسام.
وأشار إلى أن الدول العربية الرئيسة كمصر والسعودية والأردن تعتقد أن إنهاء الخلاف الفتحاوي سيكون مقدمة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، ومناقشة ملفات القضية ككل، عدا عن دعمها لطرف دون آخر، تبعا لمصالحها.
على أي حال، بات من الضروري على حركة فتح أن تنهي خلافاتها أو على الأقل أن تزيحها من طريق التأثير على القضية الفلسطينية بأي شكل، فالتقصير العربي حاضر دون مسببات، فكيف الحال إن صنع الفلسطينيون ما يدعوهم للتقصير!