"كيف أتيت إلى هنا؟ نعم تذكرت كنت في رحلة شاقة، وهؤلاء حملوني على أكتافهم، وهتفوا بي حتى بحت أصواتهم وسموني شهيدا"، كانت هذه العبارات أول ما نطق به الشهيد الذي عادت روحه على مسرح محمد السادس بمدينة وجدة شرقي المغرب، ليروي للجمهور الحاضر قصة العودة، وما ذاقه من آلام واضطهاد على يد الاحتلال الإسرائيلي.
وجسّد المسرحي الغزاوي محمد مسلم، دور الشهيد في مسرحية العودة التي قدمها مركز غزة للثقافة والفنون، في فعاليات مهرجان المونودراما (مهرجان الممثل الواحد) الذي اختتمت فعالياته أمس الاثنين بوجدة.
يصرخ البطل على وقع أزيز الرصاص وهدير محركات الطائرات الحربية، ويخاطب عدوه أن أمطر أرض فلسطين بالحقد والرصاص الذي لا يحس به شهداء القضية عندما يخترق صدورهم، فكلما سقط شهيد آخر اقتربت نهايتك.
وشخص الممثل في العمل الذي ألفه محمد سعيد وأخرجه أسامة مبارك، أيضا جانبا من الصمود البطولي الذي أبداه الفلسطينيون الغزيون في مسيرات العودة التي انطلقت منذ أشهر.
احتفاء
حضر مسلم ورفاقه في مركز غزة للثقافة والفنون الدورة السادسة لمهرجان المونودراما بوجدة، كضيوف شرف، وهي المرة الأولى التي يتمكن فيها هذا المسرحي الشاب من تجاوز حدود غزة لتقديم عمله المسرحي أمام جمهور غير الجمهور الذي ألفه في القطاع.
ولم يقتصر الحضور الفلسطيني في هذا المهرجان على الفرقة الغزية فقط، بل عمد المنظمون الذين اختاروا لهذه الدورة شعار القدس القاسم المشترك للثقافة العربية وأيقونة المسرح العربي، إشراك فرقة المركب التي أسسها طلبة فلسطينيون يتابعون دراستهم في العاصمة الرباط.
ويقول حماد المساوي، في تصريح للجزيرة نت، إن اختيار تيمة المهرجان هو احتفاء بالمسرح الفلسطيني وبالقضية الفلسطينية التي يجب أن تظل القضية المركزية في جميع الإبداعات الفنية للمبدعين العرب، وليس المسرحية فقط.
ويعترف مؤسس المهرجان بأن حضور القضية الفلسطينية في الإبداعات عموما، تراجع في السنوات الماضية ولم تعد القضية مركزية، كما كان خلال الفترة الممتدة من الستينيات إلى التسعينيات من القرن الماضي.
وأرجع ذلك إلى بروز اهتمامات أخرى للمثقف والمبدع العربي، خاصة بعد موجة ما اصطلح عليه بالربيع العربي، التي انشغل فيها المثقفون بأسئلة من قبيل تحقيق الكرامة والعدالة وغيرها من الأسئلة المرتبطة بما استجد في الواقع العربي.
لكن رغم ذلك يؤكد أن حضور القضية الفلسطينية يجب أن يبقى مركزيا، على اعتبار أن تحرر القضية الفلسطينية يعني بشكل تلقائي تحرر العالم أجمع من الطغيان.
في المسرح العربي
ظل حضور القضية الفلسطينية يتجسد في المشهد الثقافي المغربي من خلال المشاركات الفلسطينية، في بعض المهرجانات، كما هو الشأن لمهرجان المونودراما، ومن خلال الأعمال التي تنتجها الفرق المسرحية، وهو وضع لم يكن مختلفا بتاتا على ما هو موجود في المنطقة العربية.
ويقول الباحث المسرحي والأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة محمد النوالي، إن القضية الفلسطينية حاضرة في المشهد الثقافي والمسرحي العربي، لكن هذا الحضور تغير بتغير الأزمان والمنظورات، وكان أوج حضور القضية الفلسطينية، فترة بروز الأيديولوجية واعتبار فلسطين رمزا للتحرر ورمزا للصراع ضد الإمبريالية.
وأكد في ندوة نظمت خلال فعاليات المهرجان عن القضية الفلسطينية في المسرح العربي، أن هناك اهتماما متجددا بالقضية، إذ خلال الدورة العاشرة لمهرجان تونس للمسرح، قدمت مبدعون ومسرحيون جزائريون توصية بأن تكون إحدى دورات مهرجان المسرح العربي مخصصة للقدس وحدها.
وأوضح أن القضية الفلسطينية بالنسبة للعديد من الفرق المسرحية أصبحت تمرينا فنيا، لأن القضية فيها زخم ورصيد بحيث يمكن أن توظف الأشعار والرواية والغناء الرقص.
من جانبه يرى مدير مجلس إدارة مركز غزة للثقافة والفنون أشرف سحويل أن الإرث المسرحي العربي يؤكد أهمية المسرح في صياغة وتحريك وجدان ووعي الشعوب، أكثر من كونه معبرا عن قضاياه، فالمسرح كان ولا يزال سلاح من لا سلاح له وصوتا رديفا للمقاوم في ميادين المعارك، وهذا كان سبيل النهضة والتسامي على الجراح لدى المثقفين العرب بسبب النكبة الفلسطينية أولا ومن ثم نكسة 67 ثانيا وما خلفت من خسارات كبرى عسكرية واجتماعية موجعة.
وأشار إلى أن ظهور المسرح والفن المقاوم كان ضرورة لتعبئة وعي الشارع وقيادة معارك التحرر.
مسرح فلسطين والاحتلال
وانتقل المسرح الفلسطيني وبالخصوص في قطاع غزة من مرحلة الرقابة العسكرية الإسرائيلية على الأعمال المسرحية ومطاردة المبدعين لسجنهم ومنعهم من الصدح بأصواتهم على الخشبات وأماكن العرض، إلى مرحلة تدمير البنية التحتية الثقافية، حتى هدم ودمر جميع المسارح في قطاع غزة، كان آخرها مسرح المسحال الذي قصفه الاحتلال في أغسطس/آب الماضي.
ويؤكد محمد مسلم أن المعاناة التي تطرح أمام المسرحيين في قطاع غزة لا يمكن تصورها، بالنظر إلى غياب بنية للتدريب وغياب دعم من أي جهة، فحتى يتدرب على العرض الذي قدمه أمام الجمهور المغربي، كان لزاما عليه قطع مسافة أربعين كيلومترا يوميا على دراجة هوائية، ومن ثم التدرب في قاعة لا إنارة فيها غير شعاع ضوء بسيط، بعد تدمير آخر مسرح في القطاع.
المصدر: الجزيرة