حطمت عملية تل أبيب التي نفذها شابان فلسطينيان أول أمس، عظام القبضة الأمنية التي زعم العدو الصهيوني امساك أمنه وسلامة مستوطنيه بها.
ولكثرة ما حملت العملية من انجازات ونتائج نوعية في الخرق الأمني المحقق، فقد أهملت هوية القتلى الذين سقطوا خلالها ليتحولوا إلى مجرد أرقام ضمن نتائج العملية، وصل الأمر بالبعض إلى اعتبارهم مدنيين "لا ذنب لهم"، وذلك في سياق مهاجمة العملية ومنفذيها، متجاهلين أن كل مستوطن إسرائيلي هو عنصر احتياط في جيش العدو يتلقى تدريبات دورية بشكل سنوي في جيش الاحتلال عدا عن الخدمة الإلزامية المفروضة عليهم.
إلا أن البحث في هوية القتلى الذين سقطوا، وفق ما أعلنت عدة وسائل إعلامية عبرية، تكشف عن عملية اغتيال فعلية حصلت خلال الهجوم لواحد من كبار ضباط وحدة "سيريت متكال" التي تعتبر أهم وأخطر وحدة عسكرية – أمنية لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي.
"عيدو بن آري" ضابط كبير في وحدة "سيريت متكال"، حائز على عدة اوسمة وتنويهات من بينها وسام تميز من رئيس الكيان الإسرائيلي، خدم بوحدة هيئة الأركان الخاصة "متكال"، التي تمثل نخبة النخبة في جيش الإحتلال، لتأتي عملية تل أبيب صفعة مدوية لهذه الوحدة على يد شابين فلسطينيين أظهرت التسجيلات المصورة لعمليتهما عدم امتلاكهما الخبرات القتالية والتدريب على استخدام السلاح.
ووفقاً لتقارير أعدت في أوقات سابقة حول هذه الوحدة، ينضم إلى "سيريت متكال" المتدينون المتشددون من اليهود، يتم انتقاءهم بعناية بالغة لتلقي تدريبات شديدة القسوة، ومنحهم خبرات قتالية متقدمة جداً، وذلك تمهيداً لممارسة مهماتهم شديدة الحساسية والتي بأغلبها تقوم على المباغتة الامنية لـ"العدو" وفي أغلب الاحيان خلف خطوطه وعلى أرضه، كما حصل في غزة حيث لعبت الوحدة دور رأس حربة في الحرب على القطاع، كذلك كان لها عدة أدوار في الحروب التي خاضها العدو الإسرائيلي في لبنان وسوريا ومصر وضد منظمة التحرير إضافة إلى عمليات تحرير الرهائن والطائرات المختطفة.
ضمت وحدة "سيريت متكال" أبرز قادة الإحتلال مثل بنيامين نتنياهو وموشي يعلون وآفي دختر وإيهود باراك وشاؤول موفاز وغيرهم، وكان عناصرها أول من ابتدع تكتيكات التسلل المروحي، ووصل تأثيرهم لدرجة تطوير الصناعات العسكرية الإسرائيلية مثل الرشاش القصير "عوزي" لتلبي احتياجاتهم، كما انه من المعروف في أوساط جيش الإحتلال أن قدامى مقاتلي هذه الوحدة يحظون بتأثير كبير سواء في الجيش أو بين العامة، نظرا إلى المكانة والإحاطة السرية التي تحظى بهما.
قد يكون مقتل "عيدو بن آري" قد وقع بمحض الصدفة، نظرا لقرب مكان العملية من وزارة الحرب الإسرائيلية، الامر الذي يجعل من تواجد الضباط في المنطقة طبيعياً ومتوقعاً، لكن النظر من زاوية أخرى إلى العملية، قد تفتح الباب أمام التساؤل المطروح وتشرعنه، فهل كان اغتيالاً محسوباً؟
التحليلات العسكرية تشير بوضوح إلى وجود عنصري التخطيط والتحضير، من السلاح المصنع محلياً، إلى طريقة انتقالهم من الخليل ثم القدس وصولاً إلى تل أبيب وتحديداً إلى المنطقة الأمنية التي تحيط بوزارة الحرب، مع تفادي الإجراءات الامنية المشددة.
مصادر عسكرية تحدثت إلى "الجديد" مؤكدة وجود قطبة مخفية في العملية، "فاختراق شابين فلسطينيين للمنظومة الأمنية الصهيونية والوصول إلى عمق تل أبيب بدون تصاريح أمر بالغ التعقيد والدقة ومن غير الممكن أن يتم بجهود فردية، ويفرض الإعتقاد بوجود طرف ثالث مخطط وممهد، خاصة مع عدم ظهور قدرات عسكرية او امنية متقدمة لدى منفذي العملية. كذلك فإن عملية التخفي الإحترافية ما بين التنقل بملابس رجال دين لتجاوز الحواجز الامنية ومن ثم التخفي ببدلات رسمية لعدم لفت الإنتباه، إضافة إلى القدرة على إخفاء الاسلحة طيلة تلك الرحلة وظهورها في ساحة العملية تكشف تحضيراً لوجستياً محترفاً."
وتضيف المصادر "أن العملية مثلت ضربة قوية للنشاط الامني الصهيوني المتعاون مع أمن السلطة الفلسطينية، إذ عجز الطرفان عن رصد اختفاء الشابين مدة يومين كاملين عن منازلهما في بلدة يطا بالخليل، حيث العيون الإستخباراتية تراقب تحركات كل شاب فلسطيني وترصد أي نية تحرك مشبوه، وهو ما لم يحصل. وفي المقابل لم يحصل أيضاً أن رصد الشابين في منطقة العملية التي تبعد عشرات الامتار عن وزارة الحرب الإسرائيلية والتي تعتبر من أكثر المناطق تحصيناً، فيما عملية كهذه تتطلب جولات استطلاع ومراقبة وتحديد أهداف وبالتالي تواجد في المنطقة ولو لمرة واحدة قبل العملية أو عدة مرات."
وتختم المصادر بالتأكيد على أن "كل تلك المؤشرات تدل على وجود التخطيط والحسابات الدقيقة، وإن لم يكن المقصود اغتيال هذا الضابط تحديداً، فإن مكان العملية وطريقة تنفيذها وكل المعطيات المذكورة سابقاً تشير إلى وجود النية بتوجيه هذه الصفعة الأمنية الكبيرة، في الزمان والمكان ونوعية المستهدفين".