في أول أيام النسخة السادسة عشرة من مؤتمر هرتسيليا السنوي، الذي يبحث سبل تحصين "مناعة إسرائيل القومية" وأمنها والذي اختتم أمس الأول، شارك عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني.
والمذكور هو الأمين العام للفرع المحسوب على السلطة الفلسطينية من جبهة النضال الشعبي الفلسطيني التي كانت في حقبة السبعينيات تحسب على اليسار.
مشاركة مسؤول مقرب من رئيس السلطة محمود عباس ليست الأولى في هذا المؤتمر، الذي يشارك فيه تقليديا قادة إسرائيل السياسيون والأمنيون. فقد سبقها حضور رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض للنسخة العاشرة، وعضو اللجنة التنفيذية صائب عريقات في النسخة الثانية عشرة.
في كلمته أمام المؤتمر، كرر مجدلاني -بإنجليزية وصفت بالركيكة- مطالبة السلطة بحل الدولتين. كما قوبلت مشاركته باستنكار حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكن دلالاتها بقيت ماثلة للعيان نظرا لموقعه ضمن فريق عباس.
وقد سبق للرجل -الذي ورث زعامة تنظيمه عن سلفه الراحل سمير غوشة- أن وقع في ورطة أنقذه منها عباس نفسه عندما كان وزيرا للعمل عام 2011. فقد استخدم شتيمة مقذعة لوصف موظفي السلطة في ختام مقابلة هاتفية مع إذاعة محلية من دون أن يعلم أنه على الهواء.
ودفعت الواقعة نقابة الموظفين للدعوة إلى إضراب احتجاجي، مما أجبر مجدلاني على وضع استقالته بتصرف عباس. فرفضها الأخير وأوعز له بالبقاء.
ومع تفاقم قضية حصار سكان مخيم اليرموك عام 2014 أوفده عباس على رأس وفد من منظمة التحرير الفلسطينية للمساعدة في حل أزمة المحاصرين وإدخال مساعدات غذائية إليهم.
تأييد بشار
وفي دمشق أدلى مجدلاني بتصريح أيّد فيه هجوما للجيش السوري لاستعادة السيطرة على المخيم، واتهم الجهاديين الذين يسيطرون عليه باستغلال محنة الفلسطينيين لتحقيق أهدافهم.
لكن أوساطا في السلطة -وربما عباس نفسه- لم يكونوا على ما يبدو راغبين في اتخاذ مثل هذا الموقف، نظرا لانحيازه المكشوف لنظام الأسد، فصدر في رام الله تصريح لمسؤول في السلطة لم يفصح عنه هويته، ينقض فيه تصريحات مجدلاني.
لكن مجدلاني لم يفوت فرصة وجوده في دمشق لاقتناص فرصة إضافية يرضي فيها عباس. فاستخدم عاصمة الأمويين منصة للذهاب إلى طهران لبناء جسور معها، على أنقاض العلاقة المتصدعة بين إيران وحركة (حماس) جراء خلافهما حول ثورة سوريا.
ورحبت طهران في حقبتها الجديدة بزعامة الإصلاحي حسن روحاني بالعلاقة مع السلطة. وتم التوافق على أن تؤسس طهران تمثيلا دبلوماسيا لها مع رام الله، على أن يكون عبر سفير غير مقيم يدير عمله في رام الله انطلاقا من العاصمة الأردنية.
خدمة مفيدة
خدمة مفيدة قد يكون مجدلاني قد أسداها لعباس، لكن ذلك وحده لا يفسر سبب اعتماد رئيس السلطة على رجل لا ينتمي إلى حركة (فتح) التي تمثل الحزب الحاكم برام الله.
تفسير ارتياح عباس لمجدلاني منذ لقائهما في تونس مطلع التسعينيات، يمكن أن يعود جزئيا إلى روابط أسرية محتملة تجمعهما، كون الاثنين في الأصل من فلسطينيي سوريا وينحدران من صفد، المدينة الفلسطينية الواقعة ضمن أراضي 1948 والتي أبلغ عباس الإسرائيليين أنه لا يريد العودة إليها.
يبقى أن مجدلاني مع دخوله نادي رجال المهمات الخطرة أقرب لأن يكون تكرارا لنموذج ياسر عبد ربه في علاقته مع الراحل ياسر عرفات. فقد كان عبد ربه مندوب الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لأكثر من أربعة عقود.
وخلال هذه الخدمة الطويلة في ظل عرفات تشّرب منهج أبو عمار، لدرجة دفعته للتنكر لزعيمه الأول نايف حواتمة. وانشق عنه رسميا مطلع التسعينيات ليؤسس تنظيمه الخاص باسم" فدا" ثم ما لبث أن تخلى عن شركائه بالانشقاق عن حواتمة، ليلتحق بعباس قبل أن يفترقا عام 2015.
لم لا يكون لعباس أيضا رجله الخاص ذو الماضي اليساري، ما دام مجدلاني جاهزا لكل الأدوار بما في ذلك تمثيله في مؤتمر هرتسيليا.
الجزيرة نت