تباينت المواقف السياسية تجاه الاتفاق التركي_الإسرائيلي الذي رأى فيه كثيرون بأنه أقل من التوقعات ودون مستوى الطموح الذي عبر عنه مسؤولون أتراك خلال مسيرة التفاوض التي استمرت لمدة عامين تقريبًا، ولكن بقي السؤال يرسم الإجابة، لماذا لم يحقق الاتفاق المطالب التركية؟، ولماذا كان دون مستوى التوقعات؟!.
وقد أعلن الطرفان التركي والاسرائيلي رسميًا التوصل إلى اتفاق ينهي حالة القطيعة التي نشبت عقب الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة عام 2010م، ويتيح المجال لإرسال مساعدات إنسانية لغزة ودفع تعويضات بقيمة 20 مليون دولار لـعوائل ضحايا مرمرة، إضافة إلى بناء محطة كهرباء ومحطة لتحلية المياه.
الإجابة بلسان المسؤولين الأتراك، تمثلت في ثلاثة أسباب جوهرية، أولها غياب الدعم والتأييد الإقليمي والبيئي لطبيعة المساعي التركية، بل أن هناك ضغوطًا كبيرة مورست على المستويات الدولية والاقليمية وحتى المحلية (السلطة الفلسطينية)، وجميعها كانت ترفض الإعلان عن الحل.
ويؤكد مسؤولون أتراك لـ"الرسالة"، أن ثمة صيغة تم التوافق عليها قبل عدة أشهر تتضمن لفظ (وصول الاحتياجات لغزة) وليس (المساعدات الإنسانية) وهذا برمته تم تعطله بسبب ضغط مصري تحديدًا على إسرائيل تزامن مع الأزمة الروسية التركية وتدخل الدب القطبي ليعطل المزيد من الحلول.
أحمد فارول القيادي في حزب العدالة والتنمية، لم يخف أن الاتفاق دون مستوى الطموح، وأنه لا يلبي المطالب التركية القائمة على انهاء كامل للحصار، وتابع أن الاتفاق لم يكن هو المأمول من المساعي التركية.
لكنه شرح لـ"الرسالة"، سببين اثنين إضافيين ضاغطين على تركيا، عدا عن قضية الضغط الإقليمي عليها، وتمثلت في طبيعة الظروف الاقليمية والدولية التي تواجه تركيا اليوم، والتي أثرت بشكل مباشر على البيئة المحلية التركية خاصة تلك المتعلقة بقضية الصراع في المناطق التركية.
إضافة إلى تعقيدات الحالة الفلسطينية ورفض الـمجتمع الدولي التعامل مع حركة حماس، وتعثر ملف المصالحة الذي جاء بشكل متعمد من بعض الأطراف، لتغييب الحاضنة الحكومية التي يمكن التعامل معها وبالتالي ابقاء حالة الحصار على غزة.
وعلى الرغم من ذلك، أكدّ فارول أن الاتفاق ليس نهاية المطاف، وستبقى تركيا تواصل دورها السياسي الضاغط لإنهاء أزمات القطاع الإنسانية وصولا إلى رفع كامل للحصار.
أمّا النائب البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية التركي رسول طوسون، فقال إن الاتفاق تأثر بجملة من العوامل والضغوط السياسية المرتبطة بطبيعة الأوضاع في المنطقة، خاصة في ظل تعدد الأزمات واحتدام الخلافات في المنطقة.
وأشار طوسون لـ"الرسالة"، إلى أن الاتفاق كان وشيكًا منذ عدة أشهر، وتم إرجاؤه بناء على طلب مصري، مشيرا إلى أن الخلاف اشتد حول مسألتين الأولى تتمثل في رفع الحصار وفتح بوابة لتنقل الأفراد، والسماح بإدخال الاسمنت، وتابع" الأولى رفضت إسرائيل السماح به إلا ضمن صيغة "مرور آمن للمساعدات"، والثانية بقي محل خلاف حتى اللحظات الأخيرة.
عمومًا لم يكن الاتفاق بصيغته الحالية مرضية للشعب التركي، لكنه في النهاية يعتبر مرحلة أولى تعقبه مراحل أخرى قد تفضي إلى تحقيق مكتسبات سياسية أخرى، كما يقول طوسون.
أما السلطة الفلسطينية فهي الأخرى كانت أحد العقبات الرئيسية التي تعيق تنفيذ الاتفاق، وعندما اطمأنت أن الاتفاق لن يلبي الحقوق السياسية الكاملة للشعب الفلسطيني بغزة التزمت الصمت مؤخرًا، بحسب طوسون.
وأضاف أن "السلطة عملت مؤخرًا على رفض كافة المشاريع المتعلقة بإنهاء أزمات مثل الكهرباء والماء، واكتفت بطلب أن تشارك تركيا في مشروع دولي لاتحاد المتوسط، كطرف داعم، وهو ما قبلت به تركيا لأنها في النهاية تعترف بـ"نظام معترف به من المجتمع الدولي".
وتابع "تركيا تعمل في نطاق تخفيف الحصار عبر وسائل مختلفة، والطرف الاسرائيلي لديه اعتراضات وعنده مطالب وشروط، وهذه الاتفاقات لا تتحقق دوما بفرض شروط من طرف واحد وانما بتوافق بين الطرفين".
أمّا الكاتب حمزة تاكين المقرب من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، فقال إن ما أعلن عنه رئيس الوزراء التركي علي بن يلدرم، كان عبارة عن نقاط أولية سوف يبدأ العمل بها مباشرة حتى يوم الجمعة المقبلة، أما الأمور التفصيلية سوف تتابع مع لجان خاصة بين الطرفين.
وقال تاكين لـ"الرسالة"، إن بن يلدرم أعلن تشكيل لجان سوف تتابع تنفيذ القضايا المتعلقة بـ"ببناء محطتي الكهرباء والتحلية، والممر المائي الذي سيخصص في المرحلة المقبلة لـإدخال المساعدات الإنسانية".
وأوضح أن بناء الميناء لم يسقط من الخيارات التركية ولكن "النقاط الأولية احتاجت تقريبًا ثلاثة سنوات من النقاش، فهذه الأمور سوف تستغرق وقتًا كبيراً من المباحثات". وأشار إلى أن تركيا ستفتح مستشفى الصداقة وستبني المئات من الوحدات السكنية قريبًا.