ما زالت انتفاضة القدس التي اندلعت مطلع أكتوبر 2015م، غير واضحة المعالم، فالمتابع لتقلباتها يراها تشتد أحياناً وتنخفض أخرى، إلا أن الثابت فيها هو استمراريتها رغم كل محاولات الاحتلال والسلطة في إجهاضها والسيطرة عليها.
وشهدت الفترة الأخيرة حالة ركود في منسوب عمليات انتفاضة القدس، ويبدو أن الحالة الأمنية الصعبة في الضفة المحتلة كانت إحدى الأسباب الرئيسية في هذا الانخفاض، إلا أن أحداً لا يمكنه الجزم بمستقبل هذه الانتفاضة والتي من الممكن أن تنفجر في أي لحظة نظراً لاعتداءات الاحتلال المستمرة.
هذه الملاحظات ذكرتها صحيفة هآرتس العبرية، والتي قالت: "إن الانخفاض الملاحظ في عدد العمليات ضد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس نتيجة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية". لكن الصحيفة قالت إنه ليس من المؤكد إن كانت هذه الإجراءات قادرة على وقف الانتفاضة بشكل كامل.
ملاحقات الاحتلال والسلطة
بدوره، أكد علاء الريماوي المختص بالشأن الإسرائيلي أن الحركة في المجتمع الفلسطيني غير منظمة، فلا أحد يستطيع أن يقول هناك انخفاض أو ارتفاع في منسوب العمليات، فهي من الممكن أن ترتفع أحيانا أو تنخفض أخرى.
وقال الريماوي لـ"الرسالة نت": "شهدنا في الفترة السابقة اشتداد العمليات، وأوقات أخرى شهدنا انخفاضها، وهذا يعود للطابع الشعبي لانتفاضة القدس، كما أن هناك عوامل عدة ساهمت في هذا الانخفاض".
وأوضح أن العامل الأول هو غياب وخذلان الحركة السياسية الفلسطينية الرسمية وعدم تبنيها لانتفاضة القدس، وأضاف: "أما العامل الثاني فهو الإجراءات الأمنية للسلطة ضد انتفاضة القدس، والتنسيق الأمني الذي يضرب المنتفضين".
وأشار الريماوي إلى أن البعد الثالث في أبعاد انخفاض الانتفاضة هو عدم قدرة فصائل المقاومة على احتضان الانتفاضة، بسبب الضربات المتكررة من الاحتلال والسلطة لكل التشكيلات المسلحة، لافتاً أن البعد الرابع هو عدم تحول الانتفاضة إلى حالة عسكرية منظمة واقتصارها على الجانب الشعبي الفردي.
واعتبر أن انتفاضة القدس تختلف عن الانتفاضتين السابقتين، وأنها تأخذ حتى الآن البعد الفردي المجتمعي التام، وأن هذه الفردية في العمليات هي التي تعجز منظومة الاحتلال عن مواجهتها.
وختم الريماوي بالقول: "لدينا تنظيم واحد يقوم بالبعد التنظيمي في انتفاضة القدس، وهو حركة حماس، وهي تتعرض للملاحقة الشرسة من الاحتلال والسلطة"، مشيراً إلى أن حماس لا تستطيع وحدها مواجهة هذا الوضع بسبب قسوة الإجراءات الأمنية.
عوامل الشاباك
ونقلت هآرتس عن جهات أمنية إسرائيلية تأكيدها أن الانخفاض في وتيرة العمليات يعود لثلاثة أسباب رئيسية هي: قدرة الشاباك وأمان تحسنت في تحديد المنفذين المتوقعين، واعتقالهم عبر ما يكتبون عبر صفحاتهم عبر فيسبوك"، وفق زعمها.
والثاني يتعلق بحملة الاعتقالات التي شنتها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وحملتها التوعوية ضد العمليات التي تنظمها في المدارس عبر زيارات المحافظين ورؤساء الأجهزة الأمنية للطلبة، وحثهم على عدم الخروج للعمليات والتظاهر ضد الاحتلال.
وأوضحت أن السبب الثالث يعود للحملة التي تنظمها السلطة في وسائل إعلامها، وحجم التنسيق "الذي ازداد في الفترة الأخيرة". وأضافت أن التعامل مع الانخفاض في وتيرة الانتفاضة يجب أن يكون حذرا؛ لأن العمليات بدأت من الأسفل للأعلى، ولا يوجد قيادة وتوجيه مركزي لها، وعليه من الصعب توقعها ومعرفة اتجاه تطورها.
وترى أوساط الاحتلال العسكرية أن مواجهة الانتفاضة تكون صعبة لأن الفتية الذين ينفذون العمليات يسلحون أنفسهم بأنفسهم، ومن الصعب معرفتهم قبل العملية.
وأشارت صحيفة هآرتس إلى أن دافع العمليات، في الغالب، ديني يتعلق بعمليات اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، مبينة أن الانتشار الكثيف للجيش والشرطة في القدس وشوارعها، أدى إلى تخفيف حدة العمليات، بالإضافة إلى تخفيف اقتحام السياسيين الإسرائيليين للأقصى.
وهكذا تمضي انتفاضة القدس بين مد وجزر، مؤرقة الاحتلال ومستنزفة لجهوده في مواجهتها، ومترجمة بذات الوقت طموح الشعب الفلسطيني بنيل حريته وتحقيق استقلاله الوطني.