يبدو أننا سنكون على موعد مع أمر مشابه لما يشهده أبطال مسلسل «لعبة العروش»، لكن بصورة معاكسة. ففي الوقت الذي ينتظرون فيه وصول شهر الشتاء ويأخذون الاستعدادات الملائمة له ولما سيحمله معه من أموات يمشون، فإننا على موعد مع وصول فصل الصيف، وإعلان وفاة فصل الشتاء على الكرة الأرضية.
أعلن اثنان من علماء البيئة حالة «الطوارئ المناخية العالمية»، وذلك في أعقاب تغيير حدث في تيار نصف الكرة الشمالي النفاث والذي أدى لعبوره خط الاستواء، مما سيتسبب في إحداث تغييرات، وصفت بأنها غير مسبوقة، لأنماط الطقس في العالم.
وحذر الباحثان في جامعة أوتاوا، روبرت شريبلر وبول بيكويث، من عواقب زعزعة استقرار الطقس، وتوليد حالة من الطقس المتطرف، بسبب تحول التيار النفاث، وانحرافه عن مساره المعتاد. لكن رفض علماء آخرون ما أعلنه هذين الباحثين، إذ وصف أحد العلماء قلقهما من عبور الرياح لخط الاستواء، بأنه «محض هراء».
ما هو التيار النفاث؟
التيارات النفاثة هي تيارات هوائية سريعة التدفق، وضيقة، ومتعرجة أو ملتوية، توجد في الغلاف الجوي العلوي أو في طبقة التروبوسفير لبعض الكواكب، بما في ذلك كوكب الأرض. ويقع التيار النفاث الرئيسي بالقرب من ارتفاع التروبوبوز (الحد الفاصل بين طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير من الغلاف الجوي للأرض).
وتعد الرياح الغربية (المتدفقة من الغرب إلى الشرق) هي التيارات الهوائية الرئيسية على الأرض، والتي تكون مساراتها عادة على شكل تعرجات. هذه التيارات الهوائية يمكن أن تبدأ، وتتوقف، وتنقسم إلى جزأين أو أكثر، أو أن تتجمع في تيار واحد، أو تتدفق في اتجاهات مختلفة، بما في ذلك في اتجاه معاكس لاتجاه ما تبقى من التيار.
وتعتبر التيارات النفاثة القطبية هي أقوى التيارات النفاثة، والتي تحدث على ارتفاع ما بين تسعة إلى 12 كيلومترًا فوق مستوى سطح البحر. تأتي وراءها التيارات شبه الاستوائية التي تكون أضعف وعلى ارتفاع أكبر يصل إلى ما بين 10 و16 كيلومتر فوق مستوى سطح البحر.
ويملك كل من نصف الكرة الشمالي ونصف الكرة الجنوبي تيارًا نفاثًا قطبيًا، وتيارًا شبه استوائي. وتتدفق التيارات القطبية في نصف الكرة الشمالي فوق خطوط العرض الوسطى والشمالية لأمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا والمحيطات الموجودة بينها، في حين أن التيارات القطبية الجنوبية يدور معظمها حول القارة القطبية الجنوبية على مدار السنة.
التيارات النفاثة هي نتاج عاملين رئيسيين، الأول ناجم عن تدفئة الغلاف الجوي بواسطة الإشعاع الشمسي، وهو ما ينتج عنه كل من الخلايا القطبية وخلايا فيريل وهادلي (وهي نطاقات هوائية موجودة في الغلاف الجوي وتغطي نصف الكرة الأرضية بالترتيب من الشمال للجنوب). والعامل الثاني هو تأثير ما يعرف بفعل قوة كوريوليس على هذه الكتل الهوائية الثلاثة، وهي قوة فيزيائية معينة تنشأ نتيجة الحركة الدورانية بنمط معين.
أهم شيء نحتاج لمعرفته هنا هو أن التيارين النفاثين القطبي وشبه الاستوائي، لا يصلان إلى خط الاستواء أبدًا، بل إنهما يبتعدان بمسافة كبيرة نسبيًا عن منطقة خط الإستواء.
موت الشتاء
وذكر شريبلر وبيكويث أن هذه التغيرات الشاذة في حركة التيارات النفاثة الموجودة في نصف الكرة الشمالي، هي على الأرجح نتاج التغيرات المناخية التي تسبب بها الإنسان، والتي تسببت في تباطؤ سرعة التيارات النفاثة، وخلق موجات نفاثة أكبر وأكثر اتساعًا.
وكتب شريبلر في مدونة له يوم الثلاثاء 28 يونيو (حزيران): «إنها الصورة ذاتها المتعلقة بتغير الطقس وكونه يصبح أكثر غرابة نتيجة للتغير المناخي. هذا الشيء لم يكن من الممكن أن يحدث إذا كنا في عالم طبيعي. هذا الأمر من شأنه، إذا ما استمر بهذه الحالة، أن يهدد بشكل أساسي استقامة الأحوال المناخية الموسمية».
وأوضح المدون أن الحاجز بين التيارات النفاثة هو الذي يولد الانقسام القوي بين فصلي الصيف والشتاء، وهذا التغير الذي نشهده يمكن أن يؤدي إلى موت فصل الشتاء، نتيجة لتسرب المناخ الدفيء إلى منطقة فصل الشتاء السنوية. وتابع: «نتيجة لارتفاع درجة حرارة القطبين بسبب ما أحدثه البشر من تغير مناخي، فإن التيارات الهوائية النفاثة في كل من نصفي الكرة الأرضية بدأت في التحرك والتوسع بعيدًا عن منطقة دوائر العرض المتوسطة باتجاه دائرة الاستواء، ونتيجة لذلك فيمكنك الحصول على هذا التزعزع في استقرار الطقس، وتوليد الطقس المتطرف، واختلاط المواسم»، وهو ما تشهده الأرض بالفعل في السنوات القليلة الماضية.
وفي الوقت نفسه، أكد بيكويث أن هذه التغييرات يمكون أن تؤدي للدخول في فترة طويلة مما أسماه «فوضى النظام المناخي»، والتي يمكن أن يكون من الصعب إيجاد الحلول لها. وقال «لا يزال سلوك النظام المناخي لدينا مستمرًا في التصرف بطرق جديدة ومخيفة لم نتوقع حدوث مثلها والتي لم يسبق لنا أن شاهدنا مثيلًا لها من قبل».
وقال بوضوح: «مرحبًا بكم في فوضى المناخ. يجب أن نعلن حالة طوارئ المناخ العالمي»، مُضيفًا أن سلوك التيار النفاث يشير لضربات هائلة للإمدادات الغذائية العالمية، واحتمال حدوث قلاقل جيوسياسية هائلة، هناك أشياء غريبة جدًا تجري على كوكب الأرض في الوقت الراهن.
الانقراض قادم
ويبدو بالفعل أن العالم وصل إلى مرحلة هامة، لكنها محبطة بشكل لا يصدق. فللمرة الأولى على الإطلاق، يكون لدينا أحد أنواع الثدييات التي ربما تكون قد انقرضت، كنتيجة مباشرة للتغيرات المناخية التي تسبب فيها الإنسان بشكل مباشر، وليست تلك التغيرات الخارجة عن إرادته، كما كان يحدث في الماضي.
برامبل كاي ميلوميس، هو اسم أحد القوارض الصغيرة (أو اسم أحد الفئران) التي تعيش، أو كانت تعيش على وجه الدقة، على جزيرة قبالة سواحل أستراليا، أعلن العلماء أنه انقرض في تقرير شامل نشر هذا الشهر. هذا النوع من الفئران عاش على جزيرة برامبل كاي، وهي جزيرة صغيرة في الطرف الشمالي من الحاجز المرجاني العظيم الذي يقع على ارتفاع 10 أقدام فقط فوق مستوى سطح البحر في أعلى نقطة لها، وفقًا لما ذكرته ناشونال جيوجرافيك.
واستند تقرير إعلان برامبل كاي ميلوميس، أنها كائنات منقرضة، إلى دراسة استقصائية جرت عام 2014 لجزيرة برامبل كاي، حيث لم يجد الباحثون في ذلك الوقت أي أثر للحيوان، على الرغم من الجهود المضنية. يذكر أن آخر رؤية ومشاهدة معروفة لهذه الفئران كانت في عام 2009.
ويتوقع العلماء أن 25% من إجمالي جميع الأنواع الحية على الأرض، يمكن أن تتجه لخطر الانقراض بحلول عام 2050، إذا استمر التغير المناخي بمعدله الحالي.
وطبقًا لتقرير نشرته مجلة نيتشر العلمية المتخصصة، فإن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في تغير الطقس وأنماط النباتات في جميع أنحاء العالم، مما اضطر أنواعًا من الحيوانات إلى الهجرة إلى مناطق جديدة أكثر برودة من أجل البقاء على قيد الحياة.
ومن المرجح أن تتجاوز طبيعة عملية التغير المناخي السريعة هذه، قدرة العديد من الأنواع على الهجرة أو التكيف مع الأحوال المناخية الجديدة. ويتوقع الخبراء أن ربع الأنواع الحية الموجودة على سطح الأرض، ستتجه نحو خطر الانقراض بحلول عام 2050، إذا ما استمر ارتفاع حرارة الأرض في معدلها الحالي.
وتشعر العديد من الأنواع بالفعل بارتفاع درجة الحرارة. ففي عام 1999، شهد العالم انقراض أول كائن حي بفعل ظاهرة التغير المناخي، فقد شهد هذا العام وفاة آخر ضفدع ذهبي في أمريكا الوسطى. ونتيجة أيضًا لذوبان الجليد في القطب الشمالي، فإنه من المحتمل أن تنقرض الدببة القطبية في غضون مائة عام فقط، أو أقل.
ساسة بوست