حرب العصابات، تقنية عسكرية - سياسية من تقنيات الحرب الثورية، يستخدمها الطرف الأضعف مادياً للتغلب على خصم قوي، عندما يجد أن المجابهة النظامية ليست من مصلحته، وأن انتصاره على الخصم يتطلب: اللجوء إلى الحيلة، والخداع، والمرونة، والحركة، ومناعة الأرض والعمل السياسي، وتعاون السكان، ومعرفة مسرح العمليات بشكل جيد .
استخدمت حرب العصابات عبر العصور، وخاضتها مختلف الشعوب ضد الغزاة الخارجين أو الطغاة الداخليين، ورغم تباين التكتيكات المستخدمة في حرب العصابات، فإن جميع حروب العصابات في التاريخ تتسم بسمة واحدة، هي قيام الطرف الأضعف بالصراع ضد الطرف الأقوى، وهو يأمل بالنصر رغم اختلال ميزان القوى بشكل كبير.
تعتبر حرب العصابات، من الناحية الاستراتيجية جزءاً مكملاً لحرب الحركة أو الحرب النظامية ضمن إطار الحرب الثورية، وتتركز استراتيجية حرب العصابات (وهي في جوهرها استراتيجية دفاعية ذات طابع هجومي) على النقاط التالية : إنهاك العدو بضربات مستمرة وطويلة ، الصراع بأسلوب الضعيف ضد القوي ، العمل على مؤخرة العدو ، إقامة القواعد الآمنة ، توسيع مناطق الحرب باستمرار لإجبار العدو على التبعثر وجعله ضعيفاً في كل مكان ، عدم التمسك بالأرض والحفاظ على القوة الذاتية وتنميتها وتحطيم قوة العدو مادياً ومعنوياً ، الاستمرار في الضرب في الزمان والمكان لخلق حالة انعدام الأمن ، التلاحم مع السكان والتحول بالتدرج من حرب عصابات إلى حرب حركة.
ويتطلب تنفيذ هذه الاستراتيجية الشروط التالية :
الاحتفاظ بالمبادرة ، وتطبيق اليقظة الثورية ، وإقامة القواعد الآمنة ، وإدارة العمليات بحيث تكمل عمليات القوات شبه النظامية ، وتفهم العلاقة بين الهجوم والدفاع ، وتطوير العمليات المتحركة
وعلى الرغم من أن استراتيجية حرب العصابات استراتيجية دفاعية، إلا أن تكتيك هذه الحرب تكتيك هجومي، ورغم اختلال ميزان القوى ضد مصلحة العصابات على المستوى الاستراتيجي، فإنها تسعى إلى تأمين التفوق على المستوى التكتيكي، ولتحقيق ذلك تطبق العصابات تكتيكات هجومية الطابع: كالإغارة، والدوريات والهجمات على المواقع المنعزلة، والكمائن، والاغتيالات وحرب الألغام والمتفجرات، وقصف المواقع، والحرب السرية
في حرب العصابات يتم القتال في ظروف صعبة وعلى أرض واسعة وتكون وسائط الاتصال المتوفرة لديها محدودة ، ولذلك فإن مسألة المركزية واللامركزية تحتل مكاناً مهما في حرب العصابات، وليس هناك قاعدة جامدة تحدد هذه المسألة المرتبطة بالوضع، ولكن هناك قاعدة يمكن اعتبارها دليلاً في هذا المجال، وتقول هذه القاعدة: إن الاستراتيجية والتوجيه السياسي العام في العصابات مركزيان، في حين أن التكتيك القتالي غير مركزي. ولهذا يُعد قادة العصابات بشكل يرفع مستوى بداهتهم وقدرتهم على اتخاذ القرارات في حالة عملهم بمعزل عن رؤسائهم، ومن المؤكد أن على هؤلاء القادة أن يهتدوا بالخط الاستراتيجي العام وبتوجيهات المركز السياسية، وأن يعودوا في أمور التكتيك إلى القيادة المركزية إذا كانت الظروف والإمكانات تسمح بذلك، وأن يستخدموا بداهتهم في التوجيه السياسي لمقاتليهم وفي رسم الخطط التكتيكية إذا وجدوا أن العودة إلى القيادة المركزية متعذرة أو انها تضيع وقتاً ثميناً
اعتمدت المقاومة في قطاع غزة في مواجهتها مع "إسرائيل" حرب العصابات، والعمل من تحت الأرض، وقد تبنت المقاومة هذا الأسلوب في غزة كي تواجه بما لديّها من إمكانيات متواضعة، القوة العسكرية الإسرائيلية الهائلة، فالعدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، يتطلب من المقاومة انتهاج أساليب بإمكانها أن تحقق عملية توازن الردع، وعلى رأسها أسلوب حرب العصابات، وهو التكتيك الأصوب؛ لأنه يتناسب مع إمكانيات المقاومة في قطاع غزة، فضلاً عن طبيعة الأرض المكشوفة والسهلية على الحدود، التي تتمركز فيها القوات الإسرائيلية .
إنّ حرب العصابات تعتمد على سياسة اضرب واهرب، وتنفيذ خطط عسكرية في مقدمتها الكمائن والفخاخ والإغارة ، وتعد الأكثر انسجاماً مع واقع وخبرات المقاومة في غزة؛ والاعتماد على أسلوب المباغتة، إذ إنّ المقاومة لم تتكبد الكثير من الخسائر في صفوفها في حرب غزة 2014، بسبب تغييرها لقواعد اللعبة، وتطويرها للأداء الميداني والعسكري، إنّ حرب العصابات باتت استراتيجية لدى المقاومة في غزة، فالضرب من أسفل، وتنفيذ الهجمات من تحت الأرض، يسجل الكثير من النقاط والأهداف لصالح ميزان المقاومة.
وفي حرب غزة 2014، استخدمت المقاومة الفلسطينية في قتالها استراتيجية حرب العصابات بشكل متقدم ومتطور جداً، أدخل فيه مختلف التكتيكات القتالية الحديثة، واتسم تكتيك المقاومة بالمميزات التالية :
* استخدام تكتيك ضرب الصواريخ القريبة والبعيدة، ومفاجأة الجيش الإسرائيلي، والتمويه الجيد لمنصات الصواريخ داخل الأرض وتخزينها وإطلاقها في كل الأوقات، رغم ظروف الحرب الدائرة ليلاً ونهاراً وفي كل الأوقات.
* استخدام المقاومة تكتيك القتال خلف خطوط القتال كما حدث في معركة صوفا ومعركة ايرز والمعركة البحرية في قاعدة زكيم.
* استخدمت المقاومة تكتيك القتال في خطوط متعاقبة كالتالي:
الخط الأول : كل فصيل كان له في خطوط التماس مهمة قتالية هجومية ودفاعية مخصصة له، والمقاتلين في الخط الأول من أصحاب التخصصات والخبرات في القتال والمدربين جيداً ومجهزين بمختلف الأسلحة المتوفرة، ويمتد هذا الخط على طول الجبهات في القطاع لمجابهة العدو في تقدمه البري، وهو يعتمد على الأنفاق والخنادق المحصنة جيداً، والمموهة جيداً لنصب الكمائن والإغارة على العدو المتقدم ومقاتلة العدو من الخلف كما حصل في معركة الشجاعية وحي التفاح وشرق خانيونس.
الخط الثاني: وهو خط الكمائن وهو تكتيك يعتمد على الدمج في القتال الثابت والمتحرك واستخدام الدراجات السريعة والمفخخة بالعبوات الناسفة وقاذفات الصواريخ المضادة للدبابات أيضاً.
الخط الثالث : مجهز بالصواريخ قصيرة المدى مثل صواريخ الكاتيوشا والهاونات 120ملم و 82 ملم و60 ملم.
الخط الرابع: وهو أكبر خط مقاتل وهو خط المباني والشوارع داخل المخيمات والمدن ولم تدخل المقاومة في القتال داخل الشوارع وفي العمق لأن الجيش الإسرائيلي بقي في الحرب البرية يقف ويراوح في المناطق والتي لا يزيد عمقها عن 800 متر داخل قطاع غزة.
* تنفيذ قتال والتحام مباشر مع قوات الجيش الإسرائيلي على كافة المحاور المختلفة لتقدم العدو بهدف إصابتها بأكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية.
* شن غارات ونصب الكمائن على الخطوط الخلفية للقوات الإسرائيلية وإيقاع الخسائر في صفوفها ونقل المعركة.
تكمن أهمية استراتيجية حرب العصابات خلال حرب غزة 2014م، في إدارة العمليات الهجومية والدفاعية، بما تحققه من كلفة مادية وبشرية ومعنوية للخصم، وكلما زاد اتساع عمقها، ازدادت نتائجها في الضغط على القيادة العسكرية وإعادة تفكيره في أسلوب إدارة الحرب، وإذا طالت الأهداف الاستراتيجية الحيوية بشكل مؤثر، تعاظمت نتائجها في الضغط على القيادة السياسية للعدو، لإعادة تفكيره حول الاستمرار في الحرب من عدمه، وقد استخدمت المقاومة الفلسطينية استراتيجية حرب العصابات لإرهاق الاحتلال الإسرائيلي.