أنتجت سنوات الانقسام العشر جبالا من الملفات المتراكمة والمعقدة التي لم تفلح كل اتفاقات المصالحة في تحريكها، وربما يأتي الإعلان عن إجراء الانتخابات المحلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وترحيب معظم الفصائل بها ليشكل فرصة مهمة في تحريك الجمود السياسي الحاصل في الساحة الفلسطينية.
ورغم إدراك الجميع أن العقدة الأساسية في المصالحة تكمن في الملف السياسي، واختلاف الرؤى والبرامج بين حركتي فتح وحماس، إلا أن إجراء الانتخابات المحلية سيكون له تأثيرات مهمة، وستحرك الملفات الراكدة في الساحة الفلسطينية.
من ناحية أخرى فإن التوافق حول الجوانب الخدماتية والاجتماعية والإنسانية، وهي الأكثر تأثيراً على حياة المواطنين، قد تحد من مظاهر الانقسام، وتساعد على تهيئة الأجواء وإنجاز جانب مهم، وهو المصالحة الاجتماعية.
لكن طريق الانتخابات ليست معبدة بالورود، خاصة أنها تأتي بعد عشر سنوات من الانقسام، وتجري للمرة الأولى بشكل موحد منذ عام 2006، التي اكتسحت النتائج فيها حركة حماس، وهنا تكمن الخطورة والهاجس الذي ربما يدفع أطرافا عدة أبرزها حركة فتح إلى تعطيل إجراء الانتخابات، أو التلاعب بها؛ لمنع فوز حماس بها مجددا.
وهنا تبرز ضرورة وجود ضمانات من جميع الفصائل ولجنة الانتخابات لاحترام العملية الانتخابية والنتائج التي ستفرزها، وقد أكد حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المحلية أن اللجنة حصلت على "ضمانات" من رئيس الحكومة رامي الحمد الله ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، تتعلق بـ "تسهيل وإنجاح" انتخابات الهيئات المحلية.
وقال ناصر، خلال اجتماع عقده مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في قطاع غزة، إن اللجنة حصلت على ضمانات بإتاحة الفرصة لكل المرشحين للهيئات المحلية (البلديات) بالعمل والدعاية الانتخابية بحرية في الضفة وقطاع غزة.
تأكيدات لجنة الانتخابات حول الضمانات تحتاج تطبيقًا على الواقع، في ظل التجارب السابقة التي لم تتطابق فيها الوعود والضمانات مع الوقائع، فهناك معيقات قد تحول دون تنفيذها في الضفة والقطاع، أبرزها أن إجراء أي انتخابات يحتاج إلى تهيئة أجواء من الحريات التي تسمح للمرشحين للعمل بحرية وخوض الانتخابات دون ضغوط سياسية أو التعرض للاعتقال والملاحقة.
ومن الواضح أن الضفة بعيدة إلى حد كبير عن هذه الأجواء، حيث تجري اعتقالات يومية في كل مدن الضفة وقراها، من الاحتلال والسلطة معا، ما يطرح تساؤلا حول كيفية إجراء انتخابات في هكذا الأجواء؟
وتعتبر حركة حماس أن أبرز المعوقات أمام إنجاز انتخابات فلسطينية هو قمع الحريات في الضفة والاعتقالات السياسية المستمرة بحق كوادرها، والتي تتنافى مع مبادئ العملية الانتخابية التي تتطلب حرية العمل والترشح والدعاية الانتخابية.
وترجح بعض المصادر أن حماس ستحاول الخروج من مأزق الاعتقالات، عبر خوض الانتخابات بوجوه جديدة وشخصيات قريبة منها وتحظى بقبول من الكل الوطني، أو الدخول في قوائم مشتركة وتحالفات مع فصائل وشخصيات مستقلة.
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري قال "إن رئيس السلطة و"فتح" محمود عباس أعطى الضوء الأخضر للحكومة لإجراء الانتخابات المحلية على أساس تقدير غالب بأن "حماس" لن تسمح بإجرائها في قطاع غزة، ولن تشارك فيها، أو أنها ستشارك بصورة غير رسمية في الضفة".
وأكد في مقال له أنه بعد قرار "حماس" "المفاجئ" بالمشاركة، ستعيد "فتح" حساباتها، لا سيما أنّها تعاني من خلافات في صفوفها، أبرزها فصل محمد دحلان وما تشكّله جماعته من تحدٍ لقوائم "فتح"، تحديدًا في غزة، فضلاً عن الخلافات مع شخصيات مقرّبة منها في مناطق عدة، خصوصًا في المدن الكبرى، وفي نابلس على وجه التحديد، حيث يشكل غسان الشكعة وما يمثّله تحديًا لا يمكن التغلّب عليه بسهولة، في ظل وجود منافس قوي يتمثل بقائمة "حماس" التي تستطيع أن تنافس، وربما أن تفوز.
وأمام هذا المشهد، توقع المصري أن تلجأ فتح لأحد الخيارين، الأول أن تحاول رصّ صفوفها، ومحاولة عمل قوائم انتخابية تضم أكبر عدد ممكن من فصائل "منظمة التحرير"، ومن شخصيات ومؤسسات المجتمع المدني والعائلات والعشائر، والمضي في إجراء الانتخابات مهما كانت النتائج، ما سيزيد من فرصها بالفوز.
في المقابل قد يدفع ذلك إلى إعادة النظر في إجراء الانتخابات، أو عقدها في بلديات وتأجيلها في أخرى مثلما حصل مع انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات، إذ عقدت في الأماكن التي تعتقد "فتح" أنها قادرة على الفوز فيها.
وما يدعم هذا التوجه أن فتح خاضت الانتخابات المحلية التي جرت عام 2012 دون منافسين ومنيت بهزيمة ساحقة أمام مرشحين مستقلين، كما ألغيت عدة انتخابات في الجامعات الفلسطينية بعدما فازت الكتلة الإسلامية التابعة لحماس في أكثر من جامعة في الضفة أبرزها بيرزيت، لذا فإن إمكانية إلغاء الانتخابات أو تعطيلها ستبقى قائمة.
المصري توقع أيضاً أن تلجأ "حماس" أيضًا، لتعطيل إجراء الانتخابات في البلديات التي تخشى خسارتها، فهي لم تشارك في الانتخابات المحلية منذ عام 2005.
لكن يبدو أن حماس ستدفع باتجاه إتمام الانتخابات لعدة أسباب، أبرزها أن مشاركتها ستعتبر استفتاء جديدا على قوة شعبيتها، واصطفاف الشعب الفلسطيني خلف مشروعها، خاصة في الضفة، الأمر الذي سيعطيها المزيد من القوة في مواجهة المنتقدين لمشروعها المقاوم، كما أنه سيسمح للمواطنين بممارسة العملية الديمقراطية، وتحريك الجمود الحاصل في الساحة الفلسطينية.