سادت العقلية الانتقامية لدى أجهزة السلطة في المعالجة الأمنية للأحداث المؤسفة التي تشهدها "نابلس" كبرى مدن شمال الضفة الغربية، فقد داهمت هذه الأجهزة البلدة القديمة في المدينة بأعداد كبيرة تتجاوز حد البحث عن مطلوبين في عملية قتل، وعمدت لاقتحام عشرات المنازل وتسكير محتوياتها.
وكانت الأحداث الدامية في نابلس، أسفرت عن مقتل اثنين من عناصر الأجهزة الأمنية الخميس الماضي، تبعها بعد 12 ساعة فقط مقتل الشابين "فارس حلاوة وخالد الأغبر" برصاص أجهزة أمن السلطة، وادعت الأجهزة أنهما بادرا بإطلاق النار عليها، فيما شككت عائلتا الشابين برواية السلطة حول ملابسات مقتلهما، مشيرين إلى روايات شهود عيان التي تحدثت عن تصفيتهما بعد اعتقالهما.
عقلية انتقامية
هذه التطورات الخطيرة والمتلاحقة، دفعت أهالي مدينة نابلس وسكان البلدة القديمة إلى السؤال عن مدى قانونية الإجراءات التي تقوم بها أجهزة الأمن وعن الهدف منها، خاصة أن عملية قتل مشابهة حدثت خلال شهر رمضان الماضي لعنصري أمن في المدينة بحي الضاحية، واكتفت أجهزة الأمن حينها بملاحقة القتلة واعتقالهم بعد أسبوع ولم تقم بأعمال انتقامية مثلما فعلت مع البلدة القديمة.
وعبر الخبير العسكري اللواء يوسف الشرقاوي عن أسفه لإراقة الدم الفلسطيني في إطار الصراعات الداخلية، مشيراً إلى أنه "لا يجوز أن نكون شعبا مقاوما وشعبا يقمع نفسه في آن واحد". وحمل الشرقاوي في حديثه لـ"الرسالة" أجهزة السلطة المسئولية عن تفاقم الأحداث الدامية في نابلس، مرجعاً كل ذلك إلى العقلية الانتقامية التي تسود لدى أجهزة الأمن في التعامل مع مثل هذه القضايا في كل مرة.
وأوضح أن غياب سيادة القانون والقضاء المحايد أدى إلى تفاقم الفوضى والفلتان الأمني ليس في فقط في نابلس، وإنما في مدن وقرى عديدة داخل الضفة الغربية، معبراً عن خشيته من الدخول في نزاعات وصراعات أكثر تعقيداً يصعب التغلب عليها.
وذكر الشرقاوي أنه عندما تم تغييب برنامج المقاومة، للأسف بات الشعب يقاوم بعضه بعضا، محملاً السلطة برام الله المسئولية في ملاحقتها للمقاومة الفلسطينية والسماح بالمقابل لاستشراء سلاح الفوضى والفلتان في الضفة.
ورغم أن الشرقاوي شدد على أهمية المعالجة القانونية بعيداً عن القضاء المسيس، إلا أنه لم يعفِ السلطة من التراخي والمحاباة لصالح جهات وأشخاص متنفذين على حساب آخرين. ويؤكد الشرقاوي أن من يحمل السلاح في الضفة ليس ضعيفاً، ولا بد أنه قوي ومدعوم من جهات وقوى عليا ذات سطوة ونفوذ، مشدداً على وجوب معاقبة الرؤوس الكبيرة قبل الأفراد والأدوات وفق القانون والقضاء العادل.
تغييب للحقيقة
أما الكاتب والمحلل السياسي عبد الستار قاسم، فقد أكد أن أجهزة السلطة دائماً ما تغيب الحقيقة، معقباً بذلك على بيان عائلتي حلاوة والأغبر الذي يتهم أجهزة السلطة بقتل ابنيهما بعد اعتقالهما.
وكانت عائلتا الشابين فارس حلاوة وخالد الأغبر شككتا في بيانين منفصلين بصحة رواية الأجهزة الأمنية حول الطريقة التي قتل فيها ابنيهما، وطالبتا بالتحقيق في ملابسات مقتلهما برصاص الأجهزة الأمنية، ووجهتا اتهاما لها بإعدامهما بعد اعتقالهما.
وذكر قاسم لـ"الرسالة" أن المشكلة الأساسية تكمن في هذا الكم الهائل من المسلحين غير المنضبطين والذين لا يوفرون أنفسهم وسلاحهم في مواجهة الاحتلال، مشيراً إلى أن هؤلاء يوجهون أسلحتهم للاقتصاد الفلسطيني ولإرهاب المواطنين وابتزازهم فقط.
ويرى قاسم أن من أوجد الفلتان الأمني في الضفة هي "سلطة فتح" التي جعلت منه ظاهرة لمعاقبة المعارضين والمنتقدين والمقاومين دون أن يكون لها دور مباشر ورسمي، مؤكداً أن "المنفلتين" كانوا يعتدون على المواطنين بأمر من السلطة وتحت نظرها.
وقلل قاسم من جدوى الحملة الأمنية التي أعلنت عنها أجهزة السلطة في نابلس، مشيراً إلى أنها ليست حقيقية لأنها متكررة وفي كل مرة يتم فيها الإعلان عن انتهاء الحملة والقضاء على الفلتان ولكن سرعان ما تتجدد الأحداث والحملات.
وكان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أكد على الأحداث الأخيرة الدائرة في نابلس، تأتي في ظل تصاعد حالة الفلتان الأمني وفوضى انتشار السلاح في الضفة، والتي باتت تهدد حياة المواطنين وأمنهم.
وطالب المركز باتخاذ كافة التدابير اللازمة لضبط الأمن وحظر حيازة أو استخدام السلاح، مشدداً على التزام قوات الأمن بالضفة بتعليمات إطلاق النار بما يحقق مبدأ التناسب، وحماية ممتلكات المواطنين، وتجنب الاستخدام المفرط للقوة، ومراعاة كافة معايير حقوق الإنسان في التعامل مع المطلوبين للعدالة.