تلقى أزمة جامعة الأقصى الناجمة عن اختلاف الرؤى حول إدارتها بين فرعي وزارة التربية والتعليم في غزة ورام الله، بظلالها على واقع التعليم الأكاديمي في قطاع غزة خاصة أن الآلاف من طلبة الجامعة باتوا متخوفين على مصيرهم ومن عدم اعتماد شهاداتهم الجامعية جراء الإجراءات التعسفية التي اتخذها وزير التربية والتعليم صبري صيدم مؤخراً.
"الرسالة" استضافت د. أيمن اليازوري الوكيل المساعد لشئون التعليم العالي في وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة ضمن برنامج "تحت مهجر الرسالة"، وذلك للحديث عن واقع التعليم العالي في القطاع والإشكاليات التي يعانيها وتحديداً أزمة جامعة الأقصى.
واستهل اليازوري حديثه بتأكيد امتلاك وزارة التعليم في غزة "رؤية للتعامل مع جامعة الأقصى"، موضحاً أنها تراعي خصوصية غزة كون الجامعة وطلبتها وأساتذتها من غزة "ما يحتم وجود إجراءات معينة أبرزها أن تكون مرجعيتها لوزارة التربية والتعليم في غزة، وهذا حق مكتسب بالقانون"، وتابع "المبدأ الثاني في التعامل مع أزمة الجامعة هو الإصرار على تجنيب الطلبة أي خلاف أو مناكفات تجري، فيجب أن يبقى الطالب بعيداً عن هذه الخلافات، ونضمن له حقه في التعليم وفي تصديق شهادته"، مؤكداً أحقية الوزارة بغزة في تلبية احتياجات الجامعة من الأكاديميين أو الموظفين "طالما أن الوزارة برام الله ترفض أن تمنحها هذا الأمر".
المبادرات المطروحة لحل أزمة جامعة الأقصى مجرد مناورات
وبدأت أزمة الجامعة نهاية العام 2015، وشهدت خمس محطات مهمة، بحسب اليازوري، أولها في شهر ديسمبر الماضي حينما أصدر وزير التربية والتعليم قرار بأنه لا يجوز لمؤسسات التعليم العالي الحكومية أن يكون لها أرصدة بنكية، وبموجب القرار صادر كل الأموال، لكنه أبلغ الجامعات الأخرى في الضفة بأن ما أخذ من البنوك سيتم رصد موازنات للجامعات بدلاً عنه.
وقال اليازوري "بالفعل جرى صرف موازنات للجامعات الحكومية باستثناء الأقصى التي سحب مبلغ سبعة ملايين دينار من أرصدتها في البنوك الفلسطينية لصالح المالية، وبعدها بأسبوع صدر قرار بإعفاء الطلبة من دفع الرسوم ما يعني أن هناك سياسة ضد الجامعة"، وتابع: "هناك أكاديميون في الجامعة عمرهم الأكاديمي أكثر من 25 عاما، وعدد أبحاثهم المنشورة أكثر من 50 بحثا محكمة في أميركا وبريطانيا، وتم قطع رواتبهم"، متسائلاً: "هل هذا عمل أخلاقي؟!".
أزمة المرجعية
وبين أن الوزارة في غزة عرضت في آخر جلسات الحوار والمفاوضات لحل أزمة الجامعة أن تكون مرجعية رئيس الجامعة الوزير مباشرة، وليس الوزارة، وقال: "هذه مرونة كبيرة كانت على أمل الحل لكن لم يكن هناك ردود إيجابية"، مشيراً إلى رصد بعض العاملين في "القبول والتسجيل" يرفضون تسجيل الطلبة، ويروجون أن الجامعة غير معترف بها، معلقاً على ذلك بالقول: "هؤلاء أصبحوا عبيداً للراتب وغير مؤتمنين على الطلبة"، مؤكداً أن الكثير من المبادرات التي تطرح للحل "مجرد مناورات لا أكثر".
وأضاف أنه خلال سنوات الانقسام الأولى كان د. سلام فياض رئيس الجامعة، ويتواصل مع الوزارة في غزة، وكانت تدار الجامعة بالتوافق في كل ما يتعلق بالإجراءات والموظفين، وذلك رغم وجود وزيرين في ذلك الوقت، والأولى الأن في ظل حكومة توافق أن تدار بسلاسة أكثر"، لافتاً إلى أن الوزيرة خولة الشخشير لم تتخذ أي قرار يمس الطلبة ومستقبلهم رغم أن الأزمة كانت قائمة في عهدها.
لا نتمترس خلف شخص بعينه لرئاسة الجامعة ومستعدون للتوافق
ولفت الوكيل المساعد لشؤون التعليم العالي إلى أن د. علي زيدان حين رأس الجامعة عام 2014 رصد احتياجاتها بقرابة 130 أكاديمي ثم استقال، ومضى يقول: "جاء القائم بالأعمال بعده وشرع بتنفيذ هذه العملية من خلال مخاطبة ديوان الموظفين"، موضحاً أنه جرى اختيار نخبة من البيئة الحكومية، وأرسل للجامعة قرابة أربعين شخص فقط من الاحتياج، داحضاً أن تكون عملية التعيين غير سليمة، وقال: "إجراءات التعيين جرت في النور وبشفافية ومن خلال مسابقات معلنة، لذا فإن أي توافق يجري يجب أن يحترم حقوق هؤلاء الأكاديميين تماما كأي موظف سابق في الجامعة".
ونوه إلى نهج وزارة رام الله بافتعال الأزمات في ملف جامعة الأقصى، مذكراً بإعفائها الطلبة خلال العام الدراسي السابق من الرسوم الجامعية رغم كونها المورد الرئيسي للجامعة، وقال: إن إعفاء الطلبة كان يتطلب في المقابل ضخ موازنات لسد العجز في الجامعة"، مبيناً أنه بعدما جرى تسجيل الطلبة في الفصل الثاني والتزموا بدفع الرسوم أصدرت الوزارة قراراً بعدم الاعتراف بشهادات الجامعة، وبدأت التعامل بلغة التهديد بحق الجامعة وطلبتها.
وشدد على أن الأقصى جامعة حكومية ولها وضع قانوني، وأنها تكتسب قوة الحكومة، ولا أحد يستطيع إلغاءها، خاصة أنها جامعة قوية وجميع برامجها قوية، "لذا فمن المعيب التهديد بإغلاق الجامعة بسبب مناكفات سياسية"، وفق قوله.
"الأقصى" تكتسب قوتها كونها حكومية ومن المعيب التهديد بإغلاقها لأسباب سياسية
وأردف اليازوري قائلاً: "الأزمة حول رئيس الجامعة يمكن حلها، ونحن جاهزون، وجلسنا جلسات حوارية مطولة، ولسنا متمرسين خلف رئيس بعينه، وإنما نريد أن يكون وفق القانون، الذي ينص على أن يكون من البيئة الأكاديمية نفسها، ويحمل درجة الأستاذية، وألا يجمع بين موقعين وظيفيين كلاهما يشطب الأخر، ويحملان تضارب في المصالح كأن يكون رئيس مجلس أمناء ومهمته الإشراف والمراقبة، وفي ذات الوقت رئيس الجامعة والمسؤول عن إدارتها". وتابع " نحن سنقوم بالمصادقة على كل شهادات الطلبة الخريجين، ومن سيقف في وجه الجامعة هو الذي سيختفي من التاريخ والجامعة ستبقى قائمة".
مؤشرات دولية
وأكد الوكيل المساعد لشئون التعليم العالي أن وزارته تعمل على تطوير مجال التعليم العالي من خلال نظام محوسب يعمل به لأول مرة في غزة، وتستطيع من خلاله الوزارة التواصل مع كل مؤسسات التعليم العالي في القطاع، وتلقى كل البيانات الخاصة بالطلبة والبيئة الأكاديمية والبرامج المجازة والكليات المعتمدة.
وقال "بموجب هذه الأنظمة نستطيع الحصول على مؤشرات دولية، ونستوثق من تعقب شروط القبول والتجسير والشهادات التي حصل عليها الطلبة بعد التخرج"، مضيفاً أنه بوجود قائمة من المؤشرات الخاصة بالبيئة الأكاديمية يتم تطوير منظومة من المعايير والمؤشرات الوطنية لمعرفة نسبة الملتحقين من الطلبة بالتعليم الجامعي ونسبة الأكاديميين المؤهلين.
وتابع اليازوري "أعددنا نظامًا خاصًا لترخيص مراكز الأبحاث في القطاع بعد أن كان هناك تضارب بين الجهات التي تمنحها التراخيص، كما أن التعليم العالي تعمل على ضبط المدخلات بمعنى الشروط الخاصة بالتسجيل والتجسير واللغة ثم الإشراف على التعليم والتقييم حتى الوصول للشهادات".
البدء بتطوير نظام محوسب للتعليم العالي وتطوير معايير البيئة الأكاديمية
وبين أن الوزارة بغزة تجري حالياً عملية تقييم لبعض التخصصات، ولديها لجنة فنية لقياس التعليم الهندسي، وأخرى للتعليم الطبي، وقياس درجة المهنية والكفاءة، ومدى استيفاء الخريج للمعايير المطلوبة في سوق العمل. وفيما يتعلق بمفاتيح القبول للتخصصات والبرامج في الجامعات، قال "في هذا العام حددنا الحد الأدنى للبكالوريوس 65% وذلك لمراعاة الفجوة بين الضفة وغزة باستثناء الطب والصيدلة، فالحد الأدنى 80% والهندسة 70%".
وأضاف أن الوزارة حاولت ضخ شرايين جديدة، وإضافة طلبة ذات مستويات تعليمية أفضل، لذا كل من هو أقل من 65% عليه يتجه لدراسة الدبلوم التي كانت سابقاً حكراً على طلبة الخمسينات".
وأشار إلى قرار الوزارة السماح لطلبة الفرع الأدبي ممن معدلاتهم في الخمسينات والبالغ عددهم حوالي خمسة آلاف طالب دراسة برامج الدبلوم التي لها علاقة بالتخصصات الصحية والهندسية والتي كانت حكرا على طلبة العلمي لكن دون التجسير مع دراسة بعض المساقات العملية لجسر الفجوة "وهذا يزيد من المنافسة"، موضحاً أن الوزارة تعمل على تطوير وتشجيع التعليم المهني من خلال تشجيع أولياء الأمور والطلبة على الدارسة المهنية والتي تندمج في سوق العمل بشكل أفضل وأسرع.
رقابة وتقييم
وحول انتشار مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة، أكد أن عدد المؤسسات الأكاديمية في القطاع 29 بينها ثمانية جامعات والباقي يتوزع ما بين كليات وكليات جامعية، معرباً عن أمله في أن تتعامل الوزارة في الضفة بشفافية مع جامعات غزة واعتماد شهادات الخريجين، مبيناً أن الوزارة تشرف على كل الجامعات والكليات المجازة من غزة والضفة، وقال: هناك بعض المؤسسات والبرامج فيها ضعف، وهذه وفق القانون يتم زيارتها من الوزارة وإعطاء تقييم لها واعطائهم مدة ستة أشهر أو فصل دراسي لتحسين أوضاعهم، وفي حال عدم الالتزام يمكن سحب ترخيص برامج معينة أو مؤسسة كاملة".
المنح الدراسية تدار من رام الله منذ عام 2014 ولا نملك دليلًا على شفافية المعايير
وفي ملف المنح الدراسية، أكد أنه بعد تشكيل حكومة التوافق عام 2014 أديرت المنح من رام الله، مشدداً على أن الوزارة بغزة لا تملك أي دليل على شفافية المعايير التي تدار بها المنح، ومضى يقول: "الطالب في الضفة يسجل في الوزارة، وفي غزة يسجل من مكتب منظمة التحرير أو التعليم المستمر في جامعة الأزهر ما يعني أن رام الله لا تعترف بالوزارة في غزة".
وتابع أن "المشكلة عندما يأتي بعض الطلبة لتصديق شهاداتهم بعدما حصلوا على منح لدراسة الحقوق بمعدل ثانوية عامة 51%، في حين طلبة متفوقين في غزة لا يحصلون على حقهم في المنح"، موضحاً أن الوزارة تحاول تعويض المنح من خلال بعض الجامعات المحلية.