فصلت محكمة العدل العليا في مصير الانتخابات الفلسطينية المحلية بقرار إجرائها في الضفة المحتلة دون قطاع غزة، بعدما توقفت بها في محطات عدة اتخذتها لجنة الانتخابات المركزية ذريعة لإعلان عدم قابلية تنفيذ الاستحقاق في موعده.
وعلى غير انتخابات عام 2012، اكتسبت دورة هذا العام زخما سياسيا كبيرا مع إعلان حركة حماس قبول إجرائها في قطاع غزة، بعد وقت قليل من إعلان حكومة الحمد الله في جلستها الأسبوعية بتاريخ 21 يونيو، إجرائها في موعدها، وتأكيد رئيس السلطة محمود عباس على ذلك، مدفوعا بضغوط أوروبية تطالبه بتكريس الممارسة الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية.
زاد هذا الزخم قرار غالبية القوى الفلسطينية، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي، خوضها الانتخابات، وإعلان قوى اليسار الخمس (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حزب الشعب الفلسطيني، حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني/فدا) خوض الانتخابات بقائمة "تحالف ديمقراطي" موحدة.
رزمة المفاجئات، وأهمها قرار حماس، أحدثت صدمة بالنسبة لحركة فتح التي أظهرت ردة فعلها تخبطا واضحا بدا في تصريحات بعض قادتها، من قبيل تصريح جمال الطيراوي النائب عن فتح بالمجلس التشريعي عن محافظة نابلس بأن الانتخابات جزء من مؤامرة أوروبية وإقليمية؛ بمشاركة أطراف محلية بهدف تغيير النظام السياسي الفلسطيني.
هذا التقدير غير المحسوب لموقف حماس، ذهب بفتح إلى التفكير بمسالك للهروب يجنبها فضيحة الفشل، حتى حرّكت نقابة المحامين دعوى إلى محكمة العدل العليا تطالبها بإيقاف العمل بالانتخابات؛ تحت مبررات عدم قانونية إجراء الانتخابات دون مدينة القدس، وأن "القضاء في غزة غير معترف به وغير شرعي"، وذلك على وقع الطعون التي قدّمت ضد قوائم انتخابية لفتح بغزة، التي أعلنت بموجبها محاكم البداية إسقاطها في عدد من المحافظات الجنوبية، حيث ألغت محكمة بداية خانيونس في 8 سبتمبر، خمس قوائم لحركة فتح في خمس بلديات بمحافظتي خانيونس ورفح جنوب قطاع غزة.
هذه الدعوى من "المحامين" خالفت "ميثاق الشرف" الذي وقعته واتفقت عليه الفصائل الفلسطينية، بما فيها فتح، يوم 14 يوليو الماضي، وشمل 19 بندا يتعلق باحترام الانتخابات، والمرشحين، والمنافسة بين الفصائل والشخصيات، وعدم إحداث أي عقبات تعرقل العملية الانتخابية.
لكن المحكمة تماهت مع الدعوى وأعلنت في 23 سبتمبر الماضي إيقاف العمل بالانتخابات، وتأجيل النظر فيها إلى اليوم 3/10؛ لإعطاء النيابة العامة فترة للرد على طعن المحامي، قبل أن تصدر قرارا نهائيا بإجرائها في الضفة المحتلة فقط دون قطاع غزة، لتساهم بشكل مباشر في تعزيز الانقسام الفلسطيني، وفق إجماع الفصائل التي أبدت أسفها لهذا القرار، واتفقت على أنه قرار مسيس وغير قضائي، ويجزّأ الوطن.
عمليا، يحمل القرار تأثيرا كبيرا على الانقسام الفلسطيني، ومستقبل العملية الديمقراطية، فهو، وفق الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، يخدم الاحتلال ويعزز الانقسام، ويمثل هروبا من الاستحقاق الانتخابي، وتدميرا للعملية الديمقراطية الفلسطينية، وانتكاسة في المصالحة، وسيفتح المجال واسعا للتفكير جديا بواقع غزة كأولوية قادمة، في ظل عبث السلطة، وانهيارها القيمي والاخلاقي والوطني.
بينما اعتبر الكاتب ياسين عز الدين أن الهدف من القرار هو تكريس معادلة خطيرة جدا وهي أن "الضفة لفتح وغزة لحماس"، واستغرب "رفض عباس إجراء المصالحة واشتراطه الانتخابات أولا ثم المصالحة ثانيا، والآن يأتي ويقول المصالحة أولًا والانتخابات ثانية".
وتعجّب من قرار المحكمة إجراء الانتخابات دون مشاركة قطاع غزة والقدس، رغم أنها كانت قد أعلنت تأجيلها بحجة عدم مشاركة القدس ! قبل أن يضيف: "ببساطة السلطة وحركة فتح يؤكدان أن من يقودهما هم صبيان بكل معنى الكلمة"، وفق تعبيره.
من جانبه، أكد الخبير القانوني وسيم الشنطي أن قرار المحكمة من شأنه أن يكرس الانقسام؛ "لأن الانتخابات تم إقرارها وإجراءها وفق توافق فصائلي, إضافة إلى أن ميثاق الشرف الموقع بين الفصائل اعترف بشرعية القضاء في غزة".
وأضاف الشنطي لـ "الرسالة" بأنه من المستغرب أن تصدر المحكمة قراراها مستندة على أن القضاء بغزة غير شرعي لأنه لم يتم تعيين القضاة وفق القانون ولم يؤدوا اليمين الدستورية أمام الرئيس, وهذا الأمر من شأنه أن يعيدنا الى الدوامة الأولى ومسألة استنكاف القضاة السابقين، وكيف حل هؤلاء القضاة مكانهم، وأصبحوا وفق نظرية الموظف الفعلي "قضاة شرعين".
وتابع: "إضافة إلى أن الوضع القانوني في فلسطين والنظام السياسي وشرعية جميع مؤسسات السلطة غير مستقرة, فالرئيس منتهي الولاية ومجلس الوزراء غير شرعي؛ لأنه لم يؤد اليمين القانونية أمام التشريعي, وعلى هذا كان ينبغي على القضاء الفلسطيني أن يكون عنصرا داعما للديمقراطية وانهاء الانقسام، بدلا من تكريسه والحديث عن الشرعيات".
الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني رأى أن أمام حماس عدة خيارات بعد قرار "العليا"، بين المقاطعة الكاملة للانتخابات، أو التوافق مع القيادي المفصول من فتح محمد دحلان لإدارة قطاع غزة، واصفا هذا الخيار "بالقنبلة"، أو دعم إحدى القوائم بالضفة وإجراء انتخابات جديدة بغزة، وتكليف قوائمها لإدارة البلديات في القطاع، وأخيرا المشاركة في الضفة وعقد انتخابات بغزة، وهو بقوله، أضعف الخيارات كونه إقرار من حماس بعدم شرعيتها في غزة.