عاش رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال الأيام الماضية أوقاتاً عصيبة قد تكون الأصعب في حياته السياسية في ظل حملة الانتقادات الواسعة التي تعرض لها بعد مشاركته في جنازة الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيرس ومطالبته بالتنحي من منصبه.
تلك الانتقادات سبقتها العديد من الضغوط على أبو مازن بدءا بمأزق الانتخابات المحلية، وليس نهاية بوضع فتح المهلهل وما نتج عنه من توتر ما بين السلطة ومصر.
وفي السياق، قال الخبير الإسرائيلي بالشؤون العربية آفي يسخاروف: "إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عاش الأسابيع الأخيرة فترة زمنية صعبة، إن لم تكن الأصعب على الإطلاق منذ دخول ولايته الرئاسية أوائل عام 2005".
وفي مقال له بموقع "ويلا" الإخباري الإسرائيلي، ذكر يسخاروف أن مصاعب عباس بدأت مع مشاركته في جنازة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وما ناله من انتقادات فلسطينية قاسية في مختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والشارع الفلسطيني، مع وجود مظاهرات شهدتها الضفة الغربية طالبته بالتنحي عن منصبه.
ويتزامن ذلك بحسب المقال مع زيادة حدة صراعه مع خصمه محمد دحلان، مما دفع بعض القيادات داخل حركة فتح لمطالبة عباس بالاستقالة حتى لا يلحق به ضرر إضافي، وحتى لا يشهد الشارع الفلسطيني نسخة من الربيع العربي ضد فتح والسلطة الفلسطينية.
ويرى يسخاروف المعروف بصلته الوثيقة بأوساط السلطة الفلسطينية أن "الانطباع السائد في فتح بأن عباس أخطأ حين شارك في جنازة بيريز يضاف إليه أخطاء سابقة مثل الدخول في صراع صفري مع دحلان، حتى لو كان الثمن نشوب توتر بين فتح ومصر التي تطالب بإعادة دحلان لصفوف الحركة، وهو ما يرفضه أبو مازن".
وأشار إلى "خطأ ثالث لعباس تمثل بدعوته لإجراء الانتخابات المحلية بالضفة الغربية ثم إلغائها، مع العلم أن صراع عباس مع دحلان ليس قريبا من نهايته، رغم تدخل الرباعية العربية المكونة من السعودية ومصر والأردن والإمارات التي حاولت جسر الهوة بين الرجلين دون جدوى".
وختم بالقول "وضع عباس السياسي أضعف من أي وقت مضى، فظروفه الصحية ليست كما كانت سابقاً، ومع إسرائيل لا يوجد حلول في الأفق، ورجاله مشغولون في معركة وراثته".
قد يكون واقع الحال يشير إلى أن نهاية الرجل السياسية باتت وشيكة إلا أنه يبحث عن مخرج آمن وبأقل الأضرار، لكن وعند الحديث عن المكسب والخسارة فنجد أن خيارات البقاء في السلطة هي أكثر بكثير من خيارات المغادرة.
في أكثر من محطة وعلى مدار سنوات لوح عباس بالاستقالة وحل السلطة حتى بات الأمر دون طعم، وأصبح مسلما لدى المراقبين بأنها مجرد ورقة ضغط يستخدمها في وجه الاحتلال وأمريكا كلما أفلس سياسيا، خاصة في ظل عدم وجود أي استعدادات توحي بذلك.
وتؤكد الدلالات التاريخية في السلوك السياسي للقيادات الفلسطينية أن أيا من قيادات المنظمة وحتى الفصائل إجمالاً لم تترك أي منصب بمحض إرادتها، وهو ما يرجح كفة عدم ترك عباس للسلطة تحت أي ضغوط كانت.
وبالانتقال لحياة أبو مازن الشخصية فمن الواضح أنه خلط حياته العائلية والشخصية بالسلطة الفلسطينية حتى بات من الصعب الفصل بينها، خاصة وأن أبناءه منتفعين من بقاءه في السلطة وكونوا شبكة من المصالح التجارية التي قد تنهار في حاله مغادرته للسلطة التي تعد صمام أمان لها.
تحقيقات صحفية في وسائل إعلام أجنبية عديدة أظهرت حجم الترابط بين وظيفة الرئيس عباس وانتعاش أعمال أبنائه الاقتصادية والتجارية. وكمثال تحدثت وسائل إعلامية عن تلقي نجل الرئيس ياسر 35 مليون دولار من الأميركيين لتنفيذ مشاريع محلية مثل تعبيد الطرق من قبل السلطة الفلسطينية، وهو ما يشير إلى ترجمة العلاقات العائلية في بيت الرئيس إلى روابط سياسية واقتصادية.
وتظهر كمية العناد التي ينتهجها عباس في التعامل مع خصوصه ألا يسجل على نفسه الهزيمة بمغادرته للسلطة طوعياً مقبل غريمه محمد دحلان.
وليس بعيداً عن المعطيات السابقة يؤكد سلوكه على الأرض تمسكه بالسلطة لذا لجأ للخروج بكامل قوته وببدلته لينفي جميع الشائعات التي تحدثت عن تدهور حالته الصحية وضرورة البدء في البحث عن بديل.
ورغم أن محللين تحدثوا أن السلطة في أسوأ أوضاعها وتعاني من نكسات متتالية سواء على صعيد علاقتها العربية، حتى أنها لم تسجل أي إنجاز وطني منذ سنوات، إلا أن أبو مازن أثبت على مدار سنوات أنه كالإسفنجة قادر على امتصاص أي غضب أو نكسه دون أن يتأثر أو يغير من سياسته التي يفرضها بالقوة.
لذا فمن الواضح أن خيارات البقاء لدى رئيس السلطة أكثر بكثير من خيارات المغادرة، في ظل عدم وجود من يقف في وجهه وغياب أي تهديد حقيقي يعاني منه سواء على صعيد التنظيم أو السلطة، ويبقى خيار رحيله القسري بالوفاة أكثر حضوراً، لاسيما مع تجاوزه عتبة الثمانين خريفاً.