المتابع لواقع الضفة المحتلة لن ينتظر طويلاً قبل أن يدرك أن الحديث عن حل الدولتين أصبح من الماضي، وأن الدول التي اقترحت هذا الحل وقدمت المبادرات لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس الدولتين باتت تدرك أنه حل أقل ما يوصف به بأنه منفصل عن الواقع.
الواقع في الضفة يقول إن الاستيطان التهم أكثر من 60% من أراضيها، وبات يحيط بكل المدن الفلسطينية ويقسمها الي كنتونات، واستشرى حتى إلى داخل المدينة الواحدة، وتركها جزيئات منفصلة، إلى جانب الحواجز التي فاق عددها في الضفة وشرق القدس الـــ 572 حاجزا.
أمام هذا الوضع فإن فرص الكونفدرالية مع الأردن تزداد خاصة أن الواقع الجغرافي وطبيعة الاندماج بين أهالي الضفة والأردن يخدم إلى حد كبير هذه الفكرة.
وفي استطلاع سابق أجرته صحيفة الحدث على موقعها الإلكتروني بسؤال: هل أنت مع خيار ضم الضفة الغربية إلى الأردن (الكونفدرالية)؟ أظهر الاستطلاع أن 76.1% من المستطلعة أراءهم يؤيدون ذلك.
كما بين الاستطلاع أن 22.8 % من المستطلعة آراؤهم رفضوا هذا الخيار، فيما 1.19 أجابوا ألا رأي لهم.
نسبة التأييد الكبيرة تعبر عن حجم اليأس الفلسطيني من عملية التسوية وإمكانية التخلص من الاحتلال من خلال المفاوضات والمبادرات السياسية، وأن الفلسطينيين بحاجة إلى حلول أكثر واقعية مما هو مطروح حتى الآن.
والطرح هنا لا يأتي باعتباره مرضيًا للفلسطينيين لكن ينظر إليه البعض على أنه حل مؤقت قد يمنع مصادرة إسرائيل للمزيد من أراضي الضفة، لكنه يعتبر الأقرب للواقع في ظل حالة الاندماج التي تعيشها الضفة مع الأردن، ما جعل الأخيرة تستشعر الخطر وتحاول فرض إجراءات للحد من هذه الحالة مثل تعقيد إجراءات السفر على معبر الكرامة الذي يمر منه الفلسطينيون نحو الأردن، والحديث عن فرض عدم الممانعة على أهالي الضفة أسوة بأهالي قطاع غزة.
وفي جانب آخر، فإن الأردن يتخذ هذه الإجراءات لمحاولة إرضاء رئيس السلطة محمود عباس الذي يستشعر الخطر من إمكانية الانضمام للضفة، وبالتالي ضياع آخر معاقل حركة فتح.
ويرجح العديد من المراقبين أن الضفة في مرحلة ما بعد أبو مازن مرجحة لتكون إمارات أمنية يحكمها جنرالات الأجهزة الأمنية أو القيادات الفتحاوية كل حسب مناطق نفوذه، وبإشراف أمني أردني إسرائيلي.
في المقابل تبقى مسألة قطاع غزة معضلة أساسية في أي حل سياسي أو أمني قادم على اعتبار انها لا تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، وشكلت حالة خاصة بها كنموذج للمقاومة.
ويحمل مقترح الكونفدرالية العديد من المخاطر لخصتها صحيفة الدستور الأردنية في التالي: أولاً أنها تصادر حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وربما تؤدي إلى الإنهاء التام لفكرة الدولة الفلسطينية.
ثانياً: تعطي ذريعة للاحتلال للتنصل من التزاماته الدولية، ويحمل الأردن عبء حل القضية الفلسطينية؛ ما يؤدي في النهاية إلى دعم الوطن البديل والحل الأردني، كما يسعى متطرفو اليمين الإسرائيلي.
ثالثاً: الكونفدرالية ستؤدي إلى تجميد تام لمسيرة التنمية السياسية، وتزيد من الضغوطات الاقتصادية في الأردن، إذ ستجعل الأولوية لدمج الأرض والشعب الفلسطيني في نظام سياسي موحد يسوده الهاجس الأمني وضعف التنمية.
رابعاً: التيارات السياسية في فلسطين منقسمة حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية. القيادة السياسية في فتح وبعض الشخصيات المستقلة تؤمن بحل الدولتين، بينما بعض التنظيمات العسكرية في فتح والجبهات اليسارية وحماس والجهاد الإسلامي لا تزال غير واضحة في مدى قناعتها بهذا الحل ورغبتها الحقيقية في تجاوز هذا الإطار إلى التحرير الكامل للأراضي المحتلة في العام 1948.
خامساً: بعد قرار فك الارتباط في العام 1988 وبعد الانتفاضات الفلسطينية نشأ جيل جديد في الشعب الفلسطيني يتميز بالحس العالي للمقاومة والطموحات والآمال الهائلة في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وقدم هذا الجيل الكثير من التضحيات من أجل تحقيق هذا الطموح ولن يرضي بكونفدرالية مع الأردن لأن هدفه الرئيسي هو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.