من المفارقات المُلفتة في الحياة السياسية الفلسطينية، أن مشروع البرنامج المرحلي الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في مايو عام 1974 بالقاهرة، والذي حَمَلَ مُسمى برنامج "النقاط العشر"، يُعاد الآن طرح مُسماه فقط دون مضمونه، بل بمضمون آخر مُختلف كلياً، من الدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، وتحت عنوان "برنامج النقاط العشر" أيضا.
وبالطبع، برنامج "النقاط العشر القديم" للعام 1974 والذي طرحته كل من (حركة فتح + الجبهة الديمقراطية + منظمة الصاعقة) في حينها، وعارضته في البداية ما كانت تُعرَف بفصائل جبهة الرفض الفلسطينية (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين + الجبهة الشعبية القيادة العامة + جبهة النضال الشعبي الفلسطيني + جبهة التحرير العربية)، يختلف كلياً عن برنامج النقاط العشر المُقدم من زعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين كمشروع للحل في الساحة الفلسطينية. فالبرنامج الأول والذي تحوّل إلى برنامج لمنظمة التحرير الفلسطينية بموافقة جميع فصائلها، بما فيها فصائل جبهة الرفض ــ بعد حينٍ من الزمن ــ يدعو لعملية تسوية سياسية تقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية والتوافق معها بإقامة دولة فلسطينية مُستقلة فوق الأرض المحتلة عام 1967 وحق اللاجئين بالعودة. بينما يدعو برنامج "النقاط العشر الجديدة" لزعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إلى القَطعِ والبتر مع طريق المفاوضات والتسوية والخروج من اتفاق أوسلو واستنساخاته.
إذاً، نحن أمام برنامجين، برنامج قديم ومُتقادم للمنظمة، تم الاتكاء عليه للولوج إلى مسارات عملية التسوية السياسية منذ العام 1974 عندما طُرحت فكرة مؤتمر جنيف بعد حرب أكتوبر 1973، ومشروع آخر يدعو لنسف "النقاط العشر القديم" بــ "نقاط عشر جديدة"، ويدعو لتجاوز عملية التسوية والعودة لمربع المقاومة وحدها دون تسوية سياسية، اعتقاداً بأن طريق التسوية مُغلق ولا أفق له، مع الاحتلال ودولة الاحتلال، التي باتت تغرق أكثر فأكثر في مُستنقع التطرف والفاشية.
أغلب الظن أن الأمور في الساحة الفلسطينية، ليست بالسهولة ليؤخذ بمبادرة زعيم الجهاد ومشروعه للحل تحت عنوان "النقاط العشر الجديدة"، حتى وإن أيدها عدد من القوى الفلسطينية، ورحب بها. فالحالة الفلسطينية متلاصقة مع المناخ الإقليمي، وتعقيداته، وبالتالي فإن عملية الخروج من الأزمة العامة التي تُحيط بعملية التسوية تحتاج لمقاربات فلسطينية من الجميع، مقاربات لا تنسف كل شيء، بل تعمل على اقتراح حلولٍ مناسبة، تقوم على التقريب بين مُختلف الأطراف الفلسطينية، خاصة النافذة منها كحركتي حماس وفتح، والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، والوصول إلى توافق برنامجي، سياسياً، وتنظيمياً، على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية.
على كل حال، المسألة هنا تعود للناس أيضاً، للفصل والخيار بين برنامج النقاط العشر القديم، ومشروع النقاط العشر الجديد المطروح من قبل زعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. وحتى تتمكن الأغلبية من فرض برنامجها ديمقراطياً، تأتي أهمية اللجوء إلى صناديق الاقتراع، بانتخابات فلسطينية يشارك فيها الشعب الفلسطيني كله في الداخل والخارج لانتخاب أعضاء مجلس وطني جديد، يقود لبناء برنامج إجماع وطني توافقي، لا تتحكم بصياغته وقيادته الكوتة الخاصة بالفصائل كما درجت العادة في الساحة الفلسطينية تاريخياً منذ دخول الفصائل والقوى لعضوية منظمة التحرير الفلسطينية أوائل العام 1968.
صحيفة الوطن القطرية