يرى مراقبون محليون، أن الأحداث والاشتباكات في مخيمات الضفة الغربية المحتلة بين الحين والآخر، مجرد "بروفا" لما سيحدث حال الغياب المرتقب لرئيس السلطة محمود عباس، متوقعين أن تشمل حالة الفلتان والفوضى محافظات الضفة في إطار الصراع على كرسي الرئاسة.
ويساعد الوضع المعقد في الضفة الغربية سياسياً وأمنياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً وجغرافياً على الانفجار في ظل تدخلات الاحتلال والنفوذ الخارجي، لاسيما أن جهود السلطة خلال السنوات الماضية لقمع المقاومة واستئصال سلاحها أنبتت سلاحاً جديداً يتمثل بسلاح المناطق والعائلات والأجهزة الأمنية، والذي بات الآن من أبرز مهددات السلطة في ظل الانشقاقات والصراع المرتقب على السلطة.
وإن كان هذا السلاح يُؤرق السلطة، فإنها -وحسب كثيرين-لم تعمل على ضبط واعتقال من يحمله، مما فهم على أنه تناغم بين السلطة وحركة فتح، باعتبار أن أولئك المسلحين جُلهم من أبناء الأجهزة الأمنية.
وحسب شهود عيان ومراقبين في مدينة نابلس والذي يعد مخيمها الأكثر اشتعالاً، فلا "أحد غير عناصر حركة فتح يمكنه حمل السلاح، ومن يقوم بذلك من خارج الحركة يتم اعتقاله من قبل الاحتلال أو من قبل السلطة الفلسطينية".
وبينوا "للرسالة" أن ما يحدث في المخيمات يمثل صراعًا بين خطين في السلطة عنوانهما عباس ودحلان، وأن ما يحدث يؤشر إلى زيادة الانشقاقات في حركة فتح خصوصاً في ظل وجود خلايا نائمة تابعة للقيادي المفصول محمد دحلان.
غطاء أمني
ويلخص الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عبد الستار قاسم حالة الفوضى في المخيمات الفلسطينية بأنها "نتيجة لسياسة السلطة التي أوجدت "الزعران" لتهديد الناس وتخويفيهم"، مضيفاً أنها أرادتهم أداة فقط إلا أنهم بعد توسع نفوذهم أصبحوا يتطلعون للشراكة، وهو ما ترفضه السلطة"، وفق قوله.
وذكر "للرسالة" أن مطلقي النار ومشيعي الفوضى ينتمون إلى حركة فتح، ويتمتعون بغطاء أمني وآخر سياسي، لافتاً أن "أفراد تلك العصابات أصبحوا أقوياء ويستقوون على السلطة ويهددون رجالاتها"، مبيناً أن أسلحتهم من الاحتلال المستفيد من بقاء الوضع المتوتر في الضفة الغربية.
بدوره يقول جهاد حرب -أحد المذيعين المقيمين بمخيم بلاطة، المخيم الأكبر والأكثر فقراً في الضفة الغربية– إنَّ المسلحين الذين كانوا يطلقون النار على قوات الأمن الفلسطينية تابعون لحركة فتح، وقال في تصريحات صحفية إنَّه لا يرى سوى ثلاثة أنواع من المسلحين بالمخيم: مسلحين تابعين لحركة فتح، مُمَولين من قبل عدد من قيادات الحركة ويدينون بالولاء لهم، ومسلحين من العصابات الإجرامية التي تعمل بتجارة المخدرات والسلاح، ومسلحين تابعين للسلطة الفلسطينية، يمولهم الجهاز الأمني والحكام المحليون.
ويعتقد حرب أن كبار قادة حركة فتح يشترون ولاء المسلحين ويمدُّونهم بالسلاح استعداداً للصراع المُرتَقَب على خلافة رئيس السلطة محمود عباس -والذي يبلغ من العمر 82 عاماً-.
حالة الفوضى بالضفة الغربية مرتبطة بالواقع السياسي والاقتصادي السيء، إضافة إلى الواقع التنظيمي المترهل وصراع التيارات في حركة فتح، علاوة على التقسيم الجغرافي والذي يستغله كثيرون للهروب للمناطق c خوفاً من الملاحقة.
ولا يمكن تجاهل دور انتفاضة القدس التي زادت من حالة السخط والاحتقان على السلطة الفلسطينية التي لا تزال تمارس أدورا أمنية لمواجهتها، مع ضرورة الانتباه لدور الاحتلال المستفيد من بقاء السلطة ضعيفة وبحاجة دائمة إلى حمايته.
ويعتبر مراقبون أن حالة الفوضى في المخيمات ستتسع وتشمل كل مناطق الضفة الغربية، موضحين أن الاقتتال الداخلي سيشمل أجزاء واسعة وستصبح الأمور خارج السيطرة، وحسب المحلل السياسي قاسم، فإن كرة اللهب ستتسع مع تزايد عدد الأسلحة في الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن حالة الظلم وغياب القانون ستعمل على تغذية أي فوضى قادمة.
وعلق حرب على ذلك قائلاً "إن رحل الرئيس محمود عباس، سيقاتل قادة فتح بعضهم البعض، إذ لا يوجد هناك اتفاق حتى الآن حول خليفة الرئيس، وليس من السهل عليهم الوصول إلى اتفاق بشأن هذا الأمر، الأسوأ لم يأتِ بعد"، وفق تقديره.
التطورات الأخيرة تحمل في طياتها كثيرًا من الاحتمالات حول العلاقة بين فتح والسلطة، والمخاوف من انعكاسات سلبية لها على الوضع الداخلي الفلسطيني.
وتشير إحصائيات محلية إلى أن "مظاهر الفلتان الأمنيّ في الضفّة الغربيّة المحتلة" حصدت خلال عام 2015 فقط، 26 فلسطينيّاً، فيما كانت حصّة مدينة نابلس لوحدها 7 قتلى، وغالبيّة المتورّطين في أحداث الفوضى الأمنيّة هم عناصر الأجهزة الأمنيّة.
وفي السياق يتوقع الاحتلال حالة الفوضى في الضفة الغربية بعد غياب عباس لذا نصح المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل المؤسسة الأمنية في إسرائيل أن تولي «انتباهاً خاصاً» للحالة الأمنية في الضفة الغربية، مشيراً إلى أن طاقماً خاصاً في الجيش منشغل في الأشهر الأخيرة في الإعداد لـ «اليوم التالي لنهاية حكم عباس».
بدوه يقول يوني بن مناحيم الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية في مقال له إن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية تشهد فوضى أمنية متزايدة في الآونة الأخيرة، حيث تتشكل مجموعات عسكرية تابعة لحركة التحرير الوطني (فتح)، تعلن معارضتها للسلطة الفلسطينية وسياسة رئيسها محمود عباس، وكل ذلك في إطار ما وصفها الكاتب "بحرب الوراثة" في السلطة الفلسطينية.
ويعتبر بن مناحيم -وهو الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- أن ظاهرة الفوضى الأمنية في الضفة الغربية تتزامن مع اندلاع حرب "الوراثة" على خلافة عباس، التي تتركز بين عدد من قياديي فتح، ويتسببون في توتير الأجواء الأمنية في الضفة، وكل ذلك من شأنه ضرب استقرار السلطة الفلسطينية، والوصول لمرحلة المواجهة المسلحة بين من يرون أنفسهم مرشحين لخلافة الرئيس.