تناقض الرؤى بين الموقفين السياسي والعسكري في (إسرائيل) تجاه الرئيس محمود عباس وطريقة التعامل معه يظهر على الساحة مجددًا.
فهذه المرة أبلغ رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، العقيد درور شالوم، أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيس، بأن "الادعاء القائل إنه لا يوجد أساس للتوصل إلى تسوية سياسية، غير صحيح".
وأضاف شالوم، بحسب ما أوردت "إسرائيل اليوم"، صباح الثلاثاء الماضي، أن "ما سأقوله قد لا يعجب بعضكم هنا، لكن يوجد زعيم منذ عام 2004، هو أبو مازن، الذي صدّر الهدوء وعارض الإرهاب. ويوجد أساس للتوصل إلى تسوية سياسية".
وهذا التصريح أتى مناقضا لموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب أفيغدور ليبرمان، بشأن التزام رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بالتوصل إلى تسوية سلمية.
بل إن صحيفة هآرتس في عدد سابق لها تحدثت وناقشت السيناريوهات المحتملة لما بعد الرئيس عباس وأن عملية انهيار السلطة يتم التعامل معها داخل الأطر الإسرائيلية على أنها أمر واقع لا محالة فما الذي تغير ليصرح جهاز الاستخبارات بذلك ؟!
المحلل السياسي المختص في الشأن (الإسرائيلي) محمود مرداوي للرسالة يقول: إن رأي الاستخبارات العسكرية لم يتغير منذ القدم، والمؤسسة العسكرية المتواجدة على تماس مع الضفة الغربية أكثر قناعة بهذا الرأي والجيش كله يرى أن أبو مازن محل استقرار بالنسبة له، وهو شريك حقيقي في عملية التسوية.
ويضيف مرداوي أن هذا التصريح ليس جديدًا بل إن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي اللواء هارتسي عهليفي صرح قبل عشرة أشهر تصريحًا أكثر خطورة أمام الخارجية والأمن الإسرائيلي وقد نبه نتنياهو على ذلك، وزاد عليه بدعوة للتفاوض بجدية مع أبو مازن !
والمتابع عن قرب للشأن الإسرائيلي يلاحظ أنه لطالما صعد نتنياهو ووزير حربه أفيغدور ليبرمان من حدتهم تجاه الرئيس أبو مازن بينما كان الموقف العسكري في تناقض مع ذلك.
ومن المهم أن نقول إن أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية تحتل مكانة وأهمية كبيرة في البنية الإسرائيلية، وقد أدت أدوارًا هامة وخطيرة في تعزيز وجود الكيان الإسرائيلي وحمايته وتوسعه، لهذا تعتبر هذه الأجهزة من أهم أدوات الإستراتيجية الإسرائيلية ونظريتها الأمنية والوسيلة الوحيدة لحماية طويلة الأجل في مواجهة تحديات الأمن القومي الإسرائيلي بمختلف أشكالها.
وتعتمد القيادة الإسرائيلية على هذه الأجهزة وما تقدمه من معلومات وتقديرات استخبارية إستراتيجية في عملية صنع القرارات وفى توجيه سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء.
وقد عرج مرداوي على ذلك في سياق الحديث معه حيث قال: إن مسؤول وحدة الأبحاث في الاستخبارات الإسرائيلية هو المسؤول عن تقدير المواقف حربا وسلما وهو الأكثر شعبية في دولة الاحتلال وإن كان في الغالب مجهول الاسم والهوية بالإضافة إلى أن كل المعلومات تصله من جميع الوحدات والأجهزة البالغة 3200 وحدة مختصة بجمع المعلومات ، وهي الأولى من نوعها بالشرق الأوسط .
ولكن مرداوي لا يرى أن ذلك يمكنه أن يكون مصدر قوة كافية للجيش لأن صاحب القرار في النهاية هو نتنياهو فهو من يوقع على تعيين رئيس المخابرات ؟
وفي ذات السياق يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي علاء الريماوي للرسالة: الاحتلال مؤمن بأن العلاقة مع عباس يجب أن تظل قائمة ومنهجية التعاطي مع السلطة لن تتغير وإن كان هناك تصعيد في الآراء بين الفنية والأخرى ضد الرئيس عباس، لكن السلطة غير معادية للاحتلال وعمق التنسيق الأمني لم يكن مسبوقًا وهم مؤمنون بأن المساحة التي تتحرك فيها السلطة أقل ما هو متوقع بأن تتحرك فيه سلطة تحت الاحتلال وهم راضون عن عمل السلطة كاملا، ووجود الرئيس عباس في سياق المقبول.
ولكن الأخطر في نظر الريماوي هو مسألة الخشية من موت الرئيس عباس لأجل ذلك دخل محمد دحلان إلى الصورة وحتى الرباعية والمنظومة الغربية متخوفة وفتح تؤمن بالمنهجية القائمة للحركة ، وإسرائيل تتعاطى بارتياح مع ذلك .
وبالنسبة لتصريحات نتنياهو بين الوقت والآخر بأن عباس ليس شريكًا للسلام ولم يكن وحده بل كان قبله شارون وبيرز وهم يوجهون بذلك رسالة للغرب أنه لا قيادة فلسطينية يمكن معها التسوية.
والريماوي تعارض مع رأي محمود مرداوي في هذا السياق حيث يرى أن دائرة العلاقات الأمنية يحددها الاستخبارات العسكرية وقال إنها والجيش والموساد الصهيوني من يمتلك القرار وليس نتنياهو.