يتضح من المعطيات الإسرائيلية بما لا يدع مجالاً للشك أن التنظيمات الإرهابية اليهودية التي تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية، وعلى رأسها "شارة ثمن"، تعمل في بيئة مثالية بالنسبة لها.
وقد كشف تقرير صادر عن منظمة "يوجد قانون"، الإسرائيلية التي تعنى بمراقبة ممارسات الاحتلال في الضفة الغربية، أن 10% فقط من الشكاوي التي يتقدم بها المواطنون الفلسطينيون في الضفة الغربية للشرطة الإسرائيلية حول قيام المستوطنين اليهود بالاعتداء عليهم تنتهي بتقديم لوائح اتهام ضد هؤلاء المستوطنين؛ في حين أن 90% من هذه الشكاوي، يتم اغلاق ملفاتها دون تقديم لوائح اتهام.
وفي مقابل التسامح مع المستوطنين؛ فإن المحاكم الإسرائيلية تتشدد في معالجة التهم الموجهة ضد الفلسطينيين؛ حيث أن 70% من الفلسطينيين الذين تنظر المحاكم الإسرائيلية في تهم ضدهم يتم إدانتهم، ولا تستمر المداولات التي تجرى في هذه المحاكم حول تمديد توقيت الفلسطينيين أكثر من ست دقائق.
وجاء في التقرير "أن تعاطي الشرطة وأجهزة القضاء الإسرائيلية مع الشكاوي التي يرفعها الفلسطينيون حول أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضدهم يتميز بالإهمال واللامبالاة، وانعدام المهنية".
ويتضح أن هناك علاقة وثيقة بين تشكيل التنظيمات الإرهابية اليهودية وبين مظاهر تقاعس مؤسسات الدولة وتخليها عن دورها كدولة احتلال في الدفاع عن الفلسطينيين، كطرف وقع تحت عبء الاحتلال. ولعل الشهادة التي يقدمها بنحاس فالنشتاين، الذي شغل منصب رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية لأكثر من خمسة عشر عاماً، ذات مغزى بشكل خاص.
يروي فالنشتاين، وهو من قادة التيار الديني الصهيوني، أنه زار الجنرال بنيامين بن إليعاز قائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في مكتبه، في نفس اليوم الذي قام به أعضاء التنظيم السري اليهودي بتنفيذ عمليات التفجير ضد رؤساء البلديات الفلسطينية، حيث وجد عليه مظاهر الارتياح الكبير واستقبله بالقبلات مهنئاً باستهداف رؤساء البلديات، لكنه أعرب عن خيبة أمله لأن التفجيرات أصابت الأجزاء السفلية من أجسام المستهدفين ولم تؤد إلى قتلهم.
فإذا كان هذا هو السلوك الذي صدر عن الشخص الذي يفترض أن يتولى من ناحية رسمية مهمة توفير الأمن للفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكمه ومسؤوليته المباشرة، فلم يكن من المستهجن أن يترعرع الإرهاب اليهودي. ومن المؤشرات ذات الدلالة على سلوك الكيان الصهيوني تجاه التنظيمات الإرهابية اليهودية حقيقة أنه حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي لم تشمل المخابرات الداخلية الإسرائيلية "الشاباك"، التي تتولى مهمة حفظ الأمن الداخلي على أية دائرة تتولى معالجة الإرهاب اليهودي، في الوقت الذي كانت تخصص معظم موارد الجهاز لمواجهة المقاومة الفلسطينية.
وقد تم تشكيل دائرة صغيرة في "الشاباك"، ذات موارد محدودة لمواجهة الإرهاب اليهودي، فقط عندما شرعت تنظيماته في استهداف نخب سياسية ونشطاء اليسار الصهيوني. وتختلف قواعد سلوك "الشاباك" في التعامل مع الإرهابيين اليهود بشكل جذري عن قواعد التعامل مع المقاومين الفلسطينيين.
ويقر رئيس جهاز "الشاباك" الأسبق آفي ديختر؛ بأن القانون الإسرائيلي يمنح "الشاباك" هامش مناورة لانهائي في التعاطي مع رجال المقاومة الفلسطينية، على صعيد عمليات الاعتقال والتحقيق باستخدام التعذيب الجسدي والنفسي والحرمان من الالتقاء بمحام، في حين يتمتع المعتقلون اليهود بحقوق كبيرة على رأسها الحق في الصمت خلال التحقيق، بحيث يحق للمعتقل عدم الرد على أسئلة محققيه.
ولا يمكن هنا تجاهل الدور الذي يلعبه القضاء الإسرائيلي في مساعدة أتباع التيار الديني الصهيوني على ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين. فقد أمرت محكمة إسرائيلية بإطلاق سراح المستوطن زئيف روده الذي أصاب بالرصاص عدداً من الفلسطينيين في الخليل في أكتوبر 2008 بعد سجنه لمدة أسبوع؛ حيث تبين أن هذا السلوك الذي أقدمت عليه رئيسة المحكمة القاضية مالكا أفيف جاء بسبب تعاطفها مع المستوطن، كونها أيضاً تقطن في إحدى مستوطنات الضفة الغربية.
وفي الوقت الذي يحظى فيه أتباع التيار الديني الصهيوني بهذا النوع من المعاملة المتساهلة، فإن الفلسطينيين، في المقابل، يتعرضون للتعذيب الوحشي أثناء التحقيق معهم لدرجة أن الكثيرين منهم أصيبوا بالشلل، في حين لا يتوانى المحققون عن الاعتداء عليهم جنسيا.
ويعترف نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال إفرايم سنيه أن الذي شجع أنصار التيار الديني الصهيوني على المس بالفلسطينيين بهذا الشكل الوحشي هو حقيقة أن القوانين التي تطبق في (إسرائيل) لا يتم تطبيقها في المناطق المحتلة، حيث يترك للمستوطنين القيام بكل مظاهر العربدة و"السلوك الجبروتي".
ويرى المفكر الإسرائيلي بي ميخائيل أن سلوك الجيش الإسرائيلي المهادن مع أعضاء التيار الديني الصهيوني شجعهم على ارتكاب العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين بدون أي تردد، محذراً من أن هذا السلوك كان سهماً مرتداً إلى نحر (إسرائيل) نفسها؛ لأنه شجع الفلسطينيين على تشديد مقاومتهم للاحتلال. ويرسم الباحث الإسرائيلي بوعز أكون صورة قاتمة لصور تغاضي المؤسسات الإسرائيلية عن إرهاب أتباع التيار الديني الصهيوني، حيث يقول: "المستوطنون يعتدون على الفلسطينيين في المناطق المحتلة بلا رحمة، والدولة تدعمهم بطرق مباشرة وغير مباشرة، وقد آن الأوان لإنهاء هذا الابرتهايد وهذه العبودية".
إن سماح الجيش والمؤسسات الإسرائيلية للمستوطنين بفعل ما يريدونه ضد الفلسطينيين قد أدى في الواقع إلى إرساء دعائم دولة أخرى لأتباع التيار الديني الصهيوني في الضفة الغربية تحكمها قيود غير تلك التي تحتكم إليها (إسرائيل)؛ حيث يجوز في هذه الدولة المس بالفلسطينيين.