​الدبلوماسية الفلسطينية أمام تحدٍ حقيقي لن يغيّر المسار

​غزة-أحمد الكومي

تمنى رئيس السلطة محمود عباس في كلمته بمناسبة الانطلاقة الثانية والخمسين لحركة فتح، أن يكون 2017 عام الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، وبدا منتشيا بـالانتصار المعنوي الذي حققته السلطة بقرار مجلس الأمن إدانة الاستيطان الإسرائيلي، بتأييد 14 عضوا وامتناع الولايات المتحدة.

ولا يزال حلم "حلّ الدولتين" يدغدغ عواطف الرجل الثمانيني، متغافلا عن حقائق سياسية لا تسمح بغير انتصارات معنوية للدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية، وإن كانت في ظاهرها مزعجة للاحتلال، لكنها في جوهرها غير ملزمة.

يواجه الرئيس عباس إشكالية قديمة حديثة تتعلق بتوظيف خاطئ لدبلوماسية الأمم المتحدة، التي يحصر استعمالها في كونها أداة ضغط على الاحتلال للعودة إلى مسار المفاوضات فقط، دون مراكمة القوة في أهداف تتخطى ذلك، بمعنى أنه ينظر إليها على أنها "دبلوماسية تحريك" نحو طاولة التفاوض، في الوقت الذي تواصل فيه (إسرائيل) رفضها هذا المبدأ، بمواصلتها الاستيطان، وتدعمها الولايات المتحدة في ذلك.

عدا عن أن التحرك في الأمم المتحدة لا يبنى على حق فقط، إنما يعتمد على حجم التحالفات التي تجتهد في نسجها سفارات أي دولة، والمجموعة الدولية التي تساند هذا التحالف، وإذا ما نظرنا إلى وضع السلطة إقليميا، نجد أن الظهير العربي لم يعد قائما، وبدا ذلك في سحب مصر مشروع قرار إدانة الاستيطان، قبل أن تتقدم به دول غير عربية!

ثم إن المنظمة الدولية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ستشهد حالة متزايدة من الاستقطاب، تشكلها وتقودها مصالح الدول الكبرى، وعليه، فإن الفلسطيني لن يجد هامشا للمناورة، مثلما فعل وفد السلطة مع الولايات المتحدة بشأن قرار إدانة الاستيطان، مستغلا فتور العلاقة بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس باراك أوباما، وقرب مغادرة الأخير موقعه رئيسا للولايات المتحدة.

ومهم التذكير أن الرئيس الجديد ترامب كان قد علّق على قرار مجلس الأمن إدانة الاستيطان، بإعلانه أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستأتي بعصر جديد لعلاقات (إسرائيل) مع الأمم المتحدة، وقد شبّهت الكاتبة الإسرائيلية عميرة هاس فوز ترامب في صحيفة هآرتس، بأنه "حقنة تعزيز لسياسة (إسرائيل) في الأراضي الفلسطينية، بشكل ربما يعزز من شعور اليُتم الفلسطيني".

ولا يمكن في هذا السياق إغفال واقع الحالة الداخلية التي يخدم استقرارها السلوك الخارجي لأي كيان سياسي، ويعتبر رافدا مهما له، على النقيض في سلوك الرئيس عباس وقيادة السلطة التي تعمل وحيدة في السياسة الخارجية في ظل واقع داخلي لا يمكن أن يشكل حالة إسناد لها.

فالدبلوماسية الفلسطينية يغيب عنها الظهير الشعبي، وتعمل في ظل انقسام داخلي، وشرعية ناقصة لرأس الهرم لديها، الرئيس عباس، مما يعزز فرضية أن خطوات السلطة الخارجية، ومناوراتها الدبلوماسية، تهدف بالأساس إلى الحفاظ على وجود الحكم الذاتي الفلسطيني.

والأهم أن مكونات السفارات الفلسطينية التي تقود هذه الدبلوماسية تعمل دون تأثير حقيقي، وفي ظل إشكالات داخلية، وشبهات فساد، وعدم جدّية في تبني القضايا الوطنية، مثلما حدث في قضية اغتيال القيادي في الجبهة الشعبية، عمر النايف، في بلغاريا.

والجانب الغائب أن الرئيس عباس يعمل خارجيا دون خطاب فلسطيني مقاوم ومؤثر، مثلما كان يفعل سابقه الراحل ياسر عرفات، الذي كان يمثل حركة تحرر وطني، ويعمل برمزية الثائر، على العكس من أبو مازن الذي يتعامل معه المجتمع الدولي على أنه رئيس سلطة يتطلع لمساعدات مالية.

النتيجة أن السلوك الدبلوماسي والانتصار المعنوي الذي يُحسب للسلطة في مجلس الأمن مؤخرا ليس من السهل أن يتكرر في العام الجديد، وأن الدبلوماسية الفلسطينية لن تخوض في المنظور القريب تحديا حقيقيا يمكن أن يغير المسار لصالح القضية.

البث المباشر