مقال: ترامب والكيان الصهيوني.. مرحلة مختلفة

ياسر الزعاترة
ياسر الزعاترة

ياسر الزعاترة

منذ سيطرة الكنائس المعمدانية الجنوبية على الحزب الجمهوري نهاية التسعينات، وقع تحوّل في الواقع السياسي الأمريكي حيال العلاقة مع الكيان الصهيوني، وقد بدأ التحوّل خلال ولاية بوش الابن، لكن الأمر كان سابقا على ذلك، بتصاعد النفوذ الصهيوني في الحزب عبر أعضائه في الكونغرس، بعد أن كان الحزب الديمقراطي هو الأقرب للكيان.
في هذه الأجواء لم يعد بوسع أحد يسكن البيت الأبيض أيا كان أن يتمرد على المطالب الإسرائيلية، حتى لو تلكأ في تحقيق بعضها، لكن الذي تشير إليه ملامح سياسة ترامب الجديدة، خلال الحملة الانتخابية، وما بدأ يظهر راهنا، هو أن هذا الرجل الذي يفتخر بحفيده اليهودي القادم (من زوجة ابنه) سيمثل تحوّلا لافتا في العلاقة، وهو لا يبدو مترددا في إظهار مشاعره ودعمه، بل إننا وللمرة الأولى نجد أن فكرة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس تبدو أقرب إلى الواقع، مع أن ذلك ليس مؤكدا بسبب ضغط المؤسسات الكبرى في الدولة.
بتعيين ديفيد فريدمان؛ الصديق الأكثر عشقا لإسرائيل، وداعم الاستيطان سفيرا في تل أبيب، وبموقفه من قرار مجلس الأمن بشأن الاستيطان (مجلس النواب الأمريكي صاغ قرارا يهاجمه)، يؤكد ترامب أنه ماضٍ في دعم الكيان بكل ما أوتي من قوة.
المسار الآخر الذي سيؤكد ترامب من خلاله انحيازه المثير للكيان الصهيوني هو الملف الإيراني، عبر التعاطي مع الاتفاق النووي، وهنا لا بد من القول ابتداءً إن إيران لم تعد تشكل تهديدا حقيقيا للكيان الصهيوني، فقد تخلى حزب الله عن دوره في مقارعة الكيان، وحوّل سلاحه إلى أداة لمشروع التمدد الإيراني، في حين تراجع دعم إيران لقوى المقاومة التي تعيش وضعا صعبا.
على أن الكيان الصهيوني لا يقبل أي تهديد لميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، ولو من الأصدقاء، وعلى هذه الخلفية تمت محاربة المشروع النووي الإيراني، لكن البعد الآخر الذي يريده هو المتعلق بالخطاب السياسي، فضلا عن الممارسة العملية، وهنا سيتم ابتزاز إيران لأجل التخلي عن كل ما يمسّ الكيان، الأمر الذي سيكون صعبا على خامنئي الذي يستخدم فلسطين أداة للدعاية، وإن فقدت أهميتها بعد افتضاح مشروعه الطائفي.
في هذا الملف سيتحرك ترامب على إيقاع الهواجس الإسرائيلية؛ الرامية أولا للتأكد من شطب المشروع النووي الإيراني، وبعده برنامج الصواريخ بعيدة المدى، ومن ثم تغيير السلوك والخطاب بحيث تغدو المنطقة برمتها متصالحة مع الكيان؛ سلوكا وخطابا، مع العلم أن إيران ستكون؛ من جهة جاهزة لصفقات تمنحها الدور الإقليمي الذي تريد؛ ومن جهة أخرى عاجزة عن تحدي أمريكا واستجلاب العقوبات التي لم يعد بالإمكان احتمالها مع النزيف السوري الطويل والمكلف.
في مسار آخر سيتم استقطاب بقية العرب إلى لعبة التطبيع وتغييب القضية، بعد مضي الشقيقة الكبرى في ذات البرنامج، وأمل البعض الذين يقارعون إيران في كسبها إلى جانبهم.
كل ذلك يكشف النتائج الكارثية التي أدى إليها هذا الحريق الذي أشعله خامنئي، وقبله حرب بعض الأنظمة ضد ربيع العرب، واللذان التقيا على دفن أحلام الشعوب؛ في التحرر أولا، وفي التخلص من العدوان الصهيوني ثانيا، فأي بؤس أكثر من ذلك؟!
هي مرحلة عصيبة بكل تأكيد، ولكن النتيجة النهائية هي انكسار عدوان إيران، إلى جانب الأمل بأخذ الشعب الفلسطيني المبادرة من جديد على نحو يصحح بوصلة الأمة كلها في اتجاه العدوان الصهيوني الذي خدمه عدوان إيران وهو يرفع شعار مقارعته، ومعه عرب جعلوا أولويتهم محاربة "الإسلام السياسي".

 

البث المباشر