بإصدار الكنيست "قانون التسوية" الخاص بمصادرة الأراضي الفلسطينية وإعطاء الشرعية للمستوطنات المقامة على أراض مسروقة، تكون (إسرائيل) هي الكيان الوحيد في العالم الذي لا يزال يعمل بعقلية الاستعمار المتوحش التي كانت سائدة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وأساليب النازي في الثلاثينات من القرن الماضي. سلطة احتلال تضع يدها على أراض ليست لها باعتراف المجتمع الدولي ثم تصدر القوانين التي تتيح اغتصابها للأراضي التي يملكها "السكان الأصليون" أصحابها.. تماماً كما كان الأمر مع الهنود الحمر إزاء المهاجرين، ومع الاستعمار البريطاني في الهند وهتلر بعد غزو بولندا. أما اتفاقيات جنيف وخاصة الرابعة منها والتي تمنع قوة الاحتلال من احداث التغييرات الجغرافية أو الديمغرافية أو العمرانية في الأراضي التي يحتلها، فلا قيمة لها في الكيان الإسرائيلي. أما الضمير الانساني للإسرائيليين فهو مغيب تماما. هل يمكن أن يكون اليمين الصهيوني قتل في الكيان المجتمعي للإسرائيليين كل ضمير وإنسانية ومسؤولية تجاه الآخر؟ كما فعل النازيون في المانيا ؟؟
وبكل الانتهازية التي مثلها شايلوك تستغل (إسرائيل) الظروف الدولية والعربية والفلسطينية القائمة للأمعان في السرقة والعدوان. ويبذل الأردن وخاصة الملك عبد الله الثاني جهوداً كبيرة لإبقاء المسألة الفلسطينية متحركة على الساحة الدولية، ويدعو إلى حل الدولتين الذي التزم به المجتمع الدولي. ان تراجع الاهتمام الدولي، والحالة المبهمة للإدارة الإمريكية الجديدة، والتمزق العربي، والانقسام الفلسطيني، كلها ظروف مواتية للسرقة الاسرائيلية. الانقسام الذي أصبح مزمنا للأسف، ويحتاج إلى وساطات دولية وقوى عالمية ولقاءات في عواصم العالم، لكي تصل حماس والسلطة الوطنية إلى اتفاق. أي مأساة هذه؟
إن تفكير (إسرائيل) في المستوطنات يقوم على ابتزاز الفلسطينيين والعالم. فهي تراهن على 3 احتمالات الأول يمثل أحسن الأحوال حيث تأمل (إسرائيل) أن تقضم الأراضي الفلسطينية حتى تحول الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى مجرد سكان بدون أرض تمهيداً لطردهم باتجاه الاردن. والثاني أن يكون هناك تبادل سكاني بين سكان المستوطنات وبين المواطنين الفلسطينيين في اراضي 1948، وذلك اذا تصاعد الضغط الدولي للوصول إلى حل الدولتين. والثالث أن تطالب بتعويضات باهظة إذا ما تغيرت الظروف وتم اجبار المستوطنين على الرحيل من المستوطنات ليحل محلهم لاجئون فلسطينيون عائدون. وهكذا ففي العقلية اليهودية الصهيونية التقليدية ليس هناك خسارة.
إن القانون الاسرائيلي خطير، وقد يكون مقدمة لقوانين اخرى تطال مزيدا من الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وحتى لدول مجاورة أولها الأردن. الأمر الذي يستدعي عدم الاطمئنان أبداً إلى المواقف الاسرائيلية، وعدم تسليمها مفاصل حيوية تستطيع أن تضغط خلالها على الاردن مثل المياه والغاز والكهرباء والسكة الحديد. وهذا يتطلب أن تكون هناك حركة اردنية مبكرة لتطويق التآمر الاسرائيلي. وكذلك حركة فلسطينية وعربية منظمة لمواجهة هذه السرقات والاغتصابات. فالأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني العربية، مطلوب منها التحرك والتواصل مع القوى والمنظمات الدولية. كما أن اتحاد المحامين العرب واتحاد البرلمانيين العرب ينبغي أن يتحرك على المستوى الدولي لاستصدار قرارات دولية ضد القانون الاسرائيلي الاستعماري الكريه وما سبقه من قوانين مشبوهة.
ولعل مؤتمر القمة العربي القادم في عمان يأخذ موقفاً حازما من هذه المسألة، ويتخذ قراراً بتشكيل "هيئة قانونية سياسية" تتولى تنظيم العمل على المستويين العربي والدولي، ومتابعة تلك القوانين الجائرة لاستصدار قرارات دولية بإبطالها واعتبارها غير شرعية. إن انهاء الانقسام الفلسطيني شرط جوهري لنجاح أي تحرك على المستويين العربي والدولي. وفي خلاف ذلك فإن جعبة الاستعمار الاسرائيلي والحقد الصهيوني تحمل الكثير من المفاجآت التي من شأنها أن تجعل المستقبل الفلسطيني بعيداٌ عن النجاح.
الدستور الأردنية