بدأت أطراف في السلطة بطرح خيار الدولة الواحدة أو ثنائية القومية للاستهلاك الإعلامي والسياسي، بعدما أطلق ترامب رصاصة الرحمة على حل الدولتين، وبعدما تم اقتضام أراضي الضفة وتحويلها إلى مستوطنات، وسن قوانين وشرائع تبيح تسريع والتوسع في عملية ضم الأراضي للاستيطان.
خيار الدولة الواحدة ليس بديلًا عن خيار الدولتين بل لعبة جديدة يمكن العبث بها عقدين أو ثلاثة عقود أخرى من الوهم والتخيلات، ومن ثم نستيقظ ولن نجد لنا لا أرض ولا مشروع ولا حتى إنسان فلسطيني. أخطر ما في المشروع الصهيوني أنه مشروع إحلالي وليس احتلاليًا، أي أنه قائم على ترحيل أو إبادة السكان الأصليين، واستيطان الأرض بآخرين وهذا النوع من المشاريع لا يقبل القسمة على اثنين.
لهذا استمر الشعب الفلسطيني على أرضه، وبقي جزء كبير من السكان في مناطق فلسطين التاريخية الضفة القدس أراضي 48 وقطاع غزة، وهذا يعتبر أكبر عنصر يمكن الاعتماد عليه لتكوين مراكمة قوة تستعيد الأرض وتخرج الأغراب وتفرض المعادلات. ففكرة المشرع الصهيوني لا تحمل بذور التعايش بل تهدف دومًا إلى التوحش وابتلاع الأرض والتخلص من الوجود الفلسطيني.
لهذا شعبنا مؤهل للمقاومة المسلحة، وفكرة تمسكه بأرضه واستعداده للتضحية وقدرته على الكفاح يؤهله لاختيار طريق العمل المساح كوسيلة أنجع لتحرير فلسطين، فما يميز الشعب الفلسطيني أنه لم يذب في المجتمعات، ولم يتشتت ويتفتت وينتهي، ولم تتغير أو تندمج هويته، وتمثلت ردة فعله بتمسكه بها وترسيخها وتعزيزها، فالهوية الفلسطينية اليوم جامعة لشتات الفلسطينيين في كل أنحاء العالم.
من المعروف أن حل الدولتين لم يعد ممكنًا، وحل الدولة الواحدة سيستثني اللاجئين والمهجرين خارج البلاد وسيوطنهم في أماكنهم، ويمنعهم حقهم من العودة وسيعطي تفوقًا امتيازيًا للصهاينة على حساب السكان الأصليين، هذا إن قبل بغزة واهلها، ولهذا لا يبقى إلا خيار واحد الكفاح والعمل على ترتيب البيت الفلسطيني.
فخيار الكفاح المسلح وإجبار الاحتلال على الرحيل وترك هذه البلاد كما أجبر الفلسطينيين على ذلك في ٤٨، هي المعادلة المنطقية المتبقية، أو على الأقل الصمود وانتظار تغيير جوهري بتركيبة المنطقة تؤهلنا لاستعادة أرضنا.
وإن لم ينجح الكفاح المسلح في فترة سابقة وتم إحباط تجاربه في الأردن ولبنان، فهذا لا يعني فشل وسيلته، بل هذا عمل تراكمي من جهة، وقد قطع شعبنا فيه شوطًا طويلًا، فمعيار التفوق الإسرائيلي جاء لعدة عوامل ممكن أن تتغير ويختل التوازن، أهمها الواقع الدولي المنحاز للاستيطان والواقع الإقليمي والعربي الضعيف بالإضافة إلى المسلكيات والسياسات الخاطئة للقيادة الفلسطينية في تلك الحقبة.
وهذا كله يمكن أن يتغير في حال أصر شعبنا على سلاحه وعدل من مساره وبدا يقدم روايات أنجح ويستخدم أساليب أكثر تطورًا ووجد دولًا تؤمن بحقه في استرجاع أرضه وإقامة دولته. القبول والترويج لخيار الدولة الواحدة نوع من أنواع الاستسلام الذي سيحول مطالب شعبنا القتالية والكفاحية لاستعادة أرضه واقامة دولته لمجموعة تتوسل حقوق المواطنة الدنيا لدى المحتل الذي لا يفهم إلا لغة واحدة هي لغة القوة.