عقد الفلسطينيون في الخارج مؤتمراً كبيراً استضافه مدينة اسطنبول، و حضر المؤتمر قريباً من 5000 فلسطيني أو يزيد، و خرج المؤتمر بنتائج رائعة من أهمها تأسيس تجمع فلسطيني جديد و كبير لحد استطاعته أن يستوعب الفلسطينيين في داخل و خارج فلسطين. و لكن السؤال: لماذا تحارب منظمة التحرير الفلسطينية و حركاتها المختلفة هذا المؤتمر؟
أولاً: منظمة التحرير الفلسطينية، و التي تعتبر نفسها الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني، لم يختارها الفلسطينيون بأن تكون ممثلهم الحصري في أي مكان، بل اختارها بعض الأحزاب، و التي كانت يوماً ما قوية و تمثل جزءاً كبيراً من النبض الفلسطيني، لتكون ممثل عن الشعب الفلسطيني. أما الفلسطينيون أنفسهم، فهم لم يختاروها للقيام بهذه المهمة أبداً.
ثانياً: منظمة التحرير تأسست بقرار من الممكن وصفه بأنه لم يكن فلسطينياً محضاً، و سيطرت عليها حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بعد فترة وجيزة من تأسيسها، و جعلت منها دمية في أيدي المتاجرين من الحكام و الدول و المنظمات الدولية تلعب فيها كما تشاء. في العام 1974م، اعترفت جامعة الدول العربية بالمنظمة كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني، و ليس الفلسطينيون، و في نفس العام، اعترفت منظمة الأمم المتحدة بها كذلك، و ليس الفلسطينيون، أيضاً.
ثالثاً: مضى على تأسيس منظمة التحرير قرابة ستة عقود و لم تحقق شيئاَ من أهدافها، بل تراجعت و انحرفت كثيراً عن الأهداف التي وُجدت من أجلها، و بكل صراحة و وضوح، غيرت أهدافها إلى درجة أنها لم يعد يصلح هذا الاسم لهذه المنظمة، و أعتقد أن الاسم الأنسب لها في هذا الوقت هو: منظمة الخيانة و الاستسلام.
رابعاً: عندما بدأت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م و سُمِّيَت انتفاضة المساجد، و كانت شعلتها بيد تنظيمات فلسطينية جديدة نسبياً على الساحة الفلسطينية، مقارنة بمنظمة التحرير و تنظيماتها، حاولت المنظمة احتواء الانتفاضة و أعلنت الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشريف في العام 1988م، و التي لم نعرف حتى الآن أين هي الدولة و أين حدودها و طبيعة سيادتها و غير ذلك من التفاصيل. شكلت النظمة أيضاً إطار قيادي للسيطرة على الانتفاضة مشكلاً من التنظيمات التي تنضوي تحت إطارها و استبعدت التنظيمات التي أشعلت الانتفاضة، و هي حماس و الجهاد الإسلامي، و أسمت هذا الإطار بالقيادة الموحدة، و التي فشلت أيضاً بالسيطرة على الانتفاضة.
خامساً: اعترفت منظمة التحرير، و التي تدَّعي أنها تمثل جميع الفلسطينيين في الداخل و الشتات، بإسائيل كدولة ذات سيادة و لها الحق في امتلاك الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1948م و التي تمثل نسبة 78% من مساحة فلسطين التاريخية، و هذا يعني أن كل فلسطيني هُجِّرَ من أرضه في العام 1948م، فقد حق العودة إلى وطنه لأنه لم يعد هناك وطناً له، و ذلك حسب صك الاعتراف الذي جرى في أوسلو. و هنا ملاحظة: نرى المنظمة و قياداتها دائماً يجعجعون بحق العودة، يا أولاد الكلب، بتضحكو على مين؟؟!
سادساً: منذ ممطلع الثمانينيات من القرن الماضي و هناك فصائل فلسطينية تخوض انتخابات النقابات المهنية المختلفة و مجالس الطلبة في جميع جامعات و معاهد الوطن و تحقق انجازات أكبر بكثير من فصائل منظمة التحرير بأكملها، فكيف من الممكن أن نعتبر هذه المنظمة الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني.
سابعاً: في العام 2006م، جرت انتخابات بلديات و انتخابات تشريعية في جميع أنحاء الضفة الغربية و قطاع غزة و أجزاء من القدس، و حصلت حركة حماس، على وجه الخصوص، على نتائج فوز ساحقة و كانت الفوارق بينها و بين حركة فتح، و التي تهيمن على منظمة التحرير، كبيرة جداً لصالحها. صحيح أن المنظمة لم تعترف بنتائج الانتخابات، و كذلك إسرائيل و جامعة الدول العربية و جميع المنظمات الدولية و الدول الصديقة لاسرائيل، و لكن هذه حقيقة على الأرض يعرفها الفلسطينيون في الداخل و الخارج.
ثامناً: منظمة التحرير هي الأم للسلطة الفلسطينية و حركة فتح اللذان ينسقان أمنياً مع الاحتلال الإسرائيلي و يقومان بمحاربة المقاومة الفلسطينية و ملاحقة كل من يحمل سلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي. على هذا الأساس، كيف يمكن للفلسطيني الذي فقد أرضه و بيته و كل ما يملك أن يجد الأمل في هذا الجسم الخَرِب من أجل تحقيق أحلامه باستعادة الوطن و البيت و المزرعة.
تاسعاً: بعيداً عن مشروع التحرير، على اعتبار أن المنظمة هي الجسم الشرعي الوحيج الذي يمثل الشعب الفلسطيني في الداخل و الخارج، لماذا لم تستطع خلال ستة عقود إيجاد آلية معينة لتوفير حياة كريمة للاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء؟ لماذا لم تجد حتى الآن حلاً لربط الآجزاء المتناثرة من الوطن، التي تعتبره غير محتل، مع بعضها البعض؟ لماذا لم تستطع هذه المنظمة إيجاد حل للحصار الإسرائيلي المُطْبِق على شعبها في غزة؟ لماذا لم تجد آليه لمواجهة جدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يلتهم مزارع و بيوت و مصانه شعبها في الضفة الغربية؟ لماذا لم تجد حلاً لأزمة أكثر من 550 حاجز تفتيش إذلالي في جميع أنحاء الضفة الغربية و القدس؟ لماذا لم تستطع أن تحمي أبناء شعبها من الموت اليومي على أيدي الاحتلال الإسرائيلي، أو على الأقل استعادة أجساد الشهداء الذين يسقطون يومياً امام أعينها حتى يشيعهم أهلهم و يدفنونهم بما يليق بهم؟
وقائمة الأسئلة كبيرة جداً، و لكن ألم يأنِ للفلسطينيون أن يبحثوا بمحض إرادتهم عن جسمٍ حر يمثلهم و يسعى إلى حل مشاكلهم و قضاياهم و يحافظ على حقوقهم و يدافع عن إنجازاتهم؟ بلا، قد آن، و ها هم أبناء هذا الشعب الحر يتمعون في اسطنبول و يحاولين جاهدين أن يضعوا حداً للاستخفاف بالشعب الفلسطيني و حقوقه، و لا يجوز لا لمنظمة التحرير و لا لحركة فتح و لا لغيرهم أن يعترضوا، ليس على هذا النشاط، بل على أي نشاط يقوم به أي فلسطيني باتجاه دعم و مناصرة القضية و الحقوق الفلسطينية.