قائد الطوفان قائد الطوفان

الرابح والخاسر من إنهاء (إسرائيل) حصارها على غزة؟

وكالات-الرسالة نت

يؤذن إعلان (إسرائيل) عن إنهائها الحظر على دخول طائفة متنوعة من البضائع إلى غزة بانهيار الاستراتيجية الإسرائيلية لإسقاط حكام المنطقة من حركة حماس، من خلال "حرب اقتصادية".

وسوف تعتبر حركة حماس هذا الإعلان بمنزلة انتصار، ببساطة لأنهم استطاعوا النجاة على الرغم من الحصار.

وكذلك ستفعل تركيا، التي دعمت أسطول الناشطين الذي انتهى تحديه للحصار بإراقة الدماء –وأشعل عاصفة النار الدبلوماسية التي انقذفت في وجه (إسرائيل).

وتؤشر الخطوة الإسرائيلية على اعتراف (إسرائيل) بأن استراتيجيتها الخاصة بغزة قد فشلت في تحقيق هدفها، وتبرأ رئيس الوزراء الإسرائيلي من الحصار يوم الاثنين الماضي، مؤكداً في ملاحظات للبرلمان أن تلك كانت سياسة ورثها عن أسلافه.

وتشكل حقيقة أن الحصار قد انهار تحت الضغط إحراجاً أيضاً لإدارة أوباما، لأن تحدي تركيا الأكثر قوة سوف يُرى في كامل المنطقة على أنها قد أجبرت (إسرائيل) على تغيير سلوكها، وهو ما فشلت في تحقيقه توسلات أوباما المهذبة. (كان عباس قد حث الإسرائيليين قبل أكثر من سنة على تخفيف الحصار، ولم تفض ملاحظاته إلى شيء يعتد به).

وثمة آخرون ممن تلقوا صفعة، بمن فيهم رئيس سلطة فتح محمود عباس والرئيس المصري حسني مبارك، اللذان دعما الحصار ضمنياً، ولكن بحزم على أمل إسقاط حماس، واللذان تضاءلت شعبيتهما ووصلتهما بالأحداث في المنطقة بسبب معضلة الحصار.

ومع ذلك، رحبت الولايات المتحدة، شأنها شأن الأوروبيين بالإعلان الإسرائيلي الأخير بوصفه خطوة أولى باتجاه تطبيع الحياة الاقتصادية في غزة، لكنهم لاحظوا أن الانتقال ربما يُحكم عليه بالأفعال الإسرائيلية وليس بمجرد الأقوال.

وإذا عملت (إسرائيل) حقيقة على تغيير سياسة الحصار الراهنة، والتي تمنع كل شيء من دخول غزة باستثناء طيف ضيق من المواد الموضوعة على قائمة سرية، باتجاه السماح بعبور كل شيء سوى المواد العسكرية المحظورة، فإن ذلك سوف يعني أيضاً التخلي عن الاستراتيجية السياسية القائمة على حرمان سكان غزة، وبطريقة منهجية، بهدف قلبهم ضد حماس.

وتشكل حقيقة مناقشة الإسرائيليين التحول في سياستهم مع الولايات المتحدة ومع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ممثل الرباعية في الشرق الأوسط، تشكل هذه الحقيقة تذكيراً بأن الحصار كان في حقيقة الأمر جزءا من استراتيجية مناهضة لحماس، التي تقاسمتها القوى الغربية جميعاً.

وبينما عبرت إدارة أوباما عن هواجس بخصوص استراتيجية العقاب الجماعي في غزة، فإنها لم تطالب أبداً بتغيير حول حصار غزة بالطريقة نفسها التي أصرت بها، على سبيل المثال، على إيقاف (إسرائيل) بناء المستوطنات.

كان التحرك باتجاه عزل حماس والضغط عليها في غزة قد بدأ في العام 2006، عندما كسبت الحركة الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وتم تشديد هذا التحرك في السنة الماضية بعد أن قامت حماس بإخراج قوات الفلتان الأمني التابعة لفتح من قطاع غزة.

وكان ذلك منسجماً مع استراتيجية إدارة بوش الرامية إلى رؤية المنطقة من خلال منشور "صراع بمقدار صفر" بين الراديكاليين والمعتدلين.

ولم يكن حكم الناخب الفلسطيني ذا صلة بالنسبة للبيت الأبيض الذي اعتبر حماس مجرد وكيل لإيران، والذي أملت إدارة بوش بتوحيد العرب المعتدلين ضده.

 وبعد أن تم انتخاب حماس للحكم، طالبت الولايات المتحدة الحركة بأن تنبذ وتشجب الكفاح المسلح رسمياً، وبالاعتراف بإسرائيل والانصياع للاتفاقيات التي كانت قد تفاوضت عليها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة فتح -وطالبت بأن يتم عزل الحركة والضغط عليها حتى تكون مستعدة لإصدار ما كانت تعتبره حماس استسلاماً رمزياً.

كانت نفس نظرة المعتدلين في مقابل الراديكاليين هي التي أفضت بإدارة بوش إلى دعم -بل وحتى تشجيع- هجوم (إسرائيل) على لبنان في صيف العام 2006 وضربها لغزة في كانون الثاني (يناير) من العام 2008.

 وعلى الرغم من أن البيت الأبيض مارس ضغطاً على الأنظمة العربية لشجب حزب الله وحماس في تلك الصراعات، فإن غضب الجمهور العربي استعر بسبب التصرفات الإسرائيلية.

وقد أصبحت الأنظمة العربية، بما فيها السلطة الفلسطينية، والتي ضمت نفسها إلى خطوط الولايات المتحدة، أصبحت ببساطة أكثر عزلة عن شعوبها نفسها: وفي فصل مهين بشكل خاص، تم إجبار عباس على وضع نفسه تحت عاصفة من النقد، حتى من داخل حزبه نفسه، بعد معارضته الأولية لمناقشة الأمم المتحدة تقرير غولدستون حول جرائم الحرب التي ارتكبها كلا الطرفين في معركة غزة.

وعلى الرغم من نيتها فعل أشياء مختلفة في الشرق الأوسط، اعتنقت إدارة أوباما مباشرة شروط الإدارة التي سبقتها فيما يتعلق بمقاطعة حماس، وهو ما كسبت واشنطن دعم الرباعية له أيضاً.

وكان سعي أوباما إلى السلام، مثل سعي سلفه، قائماً على وضع واقع غزة غير المريح جانباً، وكذلك حقيقة كون شريكه المختار للسلام، رئيس فتح عباس، يمكن بالكاد القول بأنه ممثل لجميع، بل وحتى لمعظم الفلسطينيين.

وفي حقيقة الأمر، وتماماً مثلما فعلت إدارة بوش، شرع مسؤولو أوباما بطرح استئناف المحادثات الإسرائيلية-الفلسطينية بوصفها حاسمة في الجهود الرامية إلى عزل إيران. وقاومت الإدارة التحركات التي تعتبرها مناهضة من أجل دعم عباس الضعيف سياسياً.

وحول الجهود العربية الرامية إلى دعم تقارب فتح-حماس، حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من أن الولايات المتحدة سوف لن تتعامل مع حكومة فلسطينية تضم حماس، إلا إذا قبلت الحركة بالشروط التي كانت قد وضعتها إدارة بوش. حتى إن الإدارة الأميركية كانت تنظر ببرود إلى المفاوضات الإسرائيلية مع حماس حول مبادلة للسجناء، والتي كانت ستضم إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، فيما يعود في جزء كبير منه إلى أن إجراء إسرائيل مبادلة للسجناء ربما يؤكد ضعف عباس.

يتمثل الخلل الفاضح في استراتيجية المعتدلين في مواجهة الراديكاليين، بطبيعة الحال، في أن الولايات المتحدة لم تكن راغبة ولا قادرة على الضغط على إسرائيل من أجل عرض اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، والتي تكون مقبولة حتى في الحد الأدنى لأي من الأنظمة العربية المعتدلة، ناهيك عن المواطنين العرب. ومن شأن ذلك أن ينذر الاستراتيجية لقدر الفشل، لأنها تزيل أي منصة يمكن أن يقف عليها أولئك المتحالفون مع الولايات المتحدة في مواجهة من تعتبرهم راديكاليين.

ولعل مما لا يبعث على المفاجأة، والحالة هذه، أن الاستطلاعات وجدت معدلات الموافقة على سياسات أوباما الشرق أوسطية وهي تتراجع بحدة في أوساط الرأي العام العربي.

وقد خطت تركيا بالضبط إلى ذلك الفراغ الذي خلفته تلك المعضلة، والتي رفضت حكومتها نهج الولايات المتحدة القائم على فكرة "إما معنا أو ضدنا"، وسعت بدلاً من ذلك إلى بناء الجسور بين الغرب وحلفائها، بمن فيهم (إسرائيل)، وأشباه إيران وسورية وحماس.

وقد أظهرت تركيا أيضاً رغبة في مواجهة إسرائيل حول القضايا التي تتسبب بسورة غضب عبر العالم المسلم، وفي أن تتبنى دبلوماسية مستقلة عن الشروط التي وضعتها واشنطن -فيما يتعلق بحماس وغزة على حد سواء، كما وحول البرنامج النووي الإيراني.

وقد حفز ذلك البعض على القول بأن تركيا تتحرك باتجاه دخول معسكر الراديكاليين، لكن فكرة أنقرة تبدو وأنها تقوم على أن تقسيم المنطقة حسب تلك الخطوط لم يصل بالولايات المتحدة إلى أي مكان، وأن التقدم يتطلب إشراك أشباه حماس وإيران في أنظمة الأمن والاستقرار التي تعترف بالحقيقة الواضحة القائمة على أن هذه الأطراف هي شريكة وصاحبة حصص في مستقبل المنطقة.

وربما لا تحب إدارة أوباما هذه الفكرة، لكن البديل الذي عززته حتى الآن لم يكسب سوى القليل من الجاذبية. وفي حقيقة الأمر، وأكثر من أي شيء آخر، يشكل رفع (إسرائيل) الحصار في أعقاب أزمة الأسطول تذكرة بأن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يعودوا يضعون فعلاً أجندة المنطقة الاستراتيجية.

 

 

البث المباشر