تشدك ابتسامته الجميلة، من فوق كرسيه المتحرك يستقبل جميع زواره الذين دفعهم خبر يفيد بوجود معرض يحمل اسم "أمنياتي" يعرض رسومات "أنمي" للفنان محمد الدلو من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبعد أن سابقنا عجلات المركبة التي أقلتنا إلى قاعة "رشاد الشوا" بغزة، بدأنا نزاحم الحضور في مشاهدة تلك الرسومات الفنية التي خطتها أصابع الدلو، الذي أصبح جسده أسيرا لكرسي متحرك بعد أن أجبرته إصابته بضمور العضلات من الصغر على ذلك، لكن إرادته القوية صنعت ما يعجز عن صناعته الأصحاء.
دقائق معدودة تلك التي اغتنمناها من وقت العشريني "الدلو" حدثنا خلالها عن عزيمته الصلبة في التعالي عن إصابته والوصول بفنه إلى القمة من خلال لوحاته التي تنوعت ما بين رسومات كارتونية، وأشكال زخرفية، وتصاميم تعبر عن أحلام الأشخاص ذوي الإعاقة.
حبه "للأنميشن" – الرسوم المتحركة- لما تحمله من حرية في التعبير وسهولة الوصف دفعت الفنان المقعد لشق طريقه بعد أن وجد ضالته في هذه الرسومات، رغم خشيته من عدم إقبال الناس عليها إلا أنه أصر على تحقيق ما يصبو إليه، وفق قوله.
عزيمة صاحب المعرض
انبهار المعجبين برسومات صاحب الجسد الضعيف، في معرضه الأول "الأنمي حياتي" الذي أقامه قبل عامين، شكلت حافزا له لتنمية مهاراته وتطوير نفسه وصولا إلى استخدام الرسم الرقمي على هاتفه المحمول وهي "نتيجة لا بأس بها" على حد وصفه؛ لإقامة معرض جديد ليكون الشاهد الثاني على إبداعه.
تشجيع ذوي الحاجات الخاصة على تطوير مواهبهم وصقلها والخروج بها للعالم الخارجي إلى جانب عرضها على الناس هي الأمنيات الحقيقية من وراء معرض "أمنياتي"، بحسب الدلو.
ورغم الصعوبات التي يواجها أي فنان، إلا أن ما يواجهه أصحاب "الإعاقة" أضعاف مضاعفة، لكن الوسيم محمد تمكن من تجاوزها بإمكاناته البسيطة، واصفا ذلك بعبارة "الإعاقة إعاقة الجسد وليس العمل".
تبادل الحضور التقاط الصور بين لوحات رسومات الفنان الدلو، معبرين عن إعجابهم الكبير بما خطته يداه اللتان بالكاد تقويان على حمل القلم، وقبل مغادرة بعضهم ذهبوا لالتقاط صورة "سلفي" مع صاحب المعرض.
الشاب "الدلو" من الناس الذين ابتلاهم الله بالإعاقة الحركية منذ الصغر؛ لكن إرادته والتحاقه بالمدرسة مع الأصحاء وصولا للتفوق وظهور موهبة الرسم لديه، جعلت منه شخصا مميزا ومحببا لدى الجميع، يقول والده.
ومع إصراره للوصول لهدفه أتقن بمجهوده الذاتي من خلال اطلاعه على برامج عبر النت ومنصات التواصل الاجتماعي والأصدقاء نجح محمد في أن يكون رسالة لكل فلسطيني ولكل صاحب إعاقة في العالم، مفادها أن الإعاقة لا تحد من نجاح الإنسان، يضيف والده.
ويختم الرجل الذي غزا الشيب رأسه رسالة المعرض" نحن شعب يحب الحياة رغم الحصار والالام لكن ما زال فينا نظرة أمل للمستقبل".
دارت عجلات كرسيه التي يدفعها والده للتحرك في أرجاء المعرض وشرح الرسومات للحاضرين، لتتبعه نظراتنا المتعجبة من كم العزيمة والإرادة التي يحملها ذلك الكرسي الصغير!.