رامي خريس
تفاوتت آراء السياسيين وتحليلات المراقبين إزاء القمة الثلاثية التي عقدت في نيويورك وشارك فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، وكلاً من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس ، ومع اختلاف التقييمات إلا أن أغلب الذين تابعوا مجريات القمة وما سبقها من إعدادات يتفقون على أنها في غير صالح القضية الفلسطينية كباقي اللقاءات والمؤتمرات السابقة التي كان عنوانها السلام أو التسوية السلمية ، بل ذهب بعضهم إلى أنها تصب بشكل مباشر في مصلحة (إسرائيل) وحكومتها الحالية ولولا ذلك لما شارك نتنياهو فيها.
تنازل عن الشروط
ويبدو أن نتنياهو كان راضيا وفق مصادر إسرائيلية نظرا لأن أوباما تنازل عن مطلب تجميد البناء في المستوطنات بدون أي مطلب آخر من (إسرائيل)، كما أشارت تلك المصادر إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية لم يكن يعلم بهذا التغيير مسبقا.
الصحافة الإسرائيلية أبرزت كذلك التنازلات التي قدمها أوباما، وأولها تراجعه عن الوصول إلى "العملية السياسية" واستبدال ذلك بـ"تجديد المحادثات". كما أشارت إلى أن مطلب التجميد المطلق للبناء في المستوطنات قد استبدل بالموافقة على ضبط البناء!.
كما لفتت إلى أنه لم يرد ذكر الجدول الزمني المتشدد والملزم للمحادثات، ولم يطرح مطلب تجميد البناء في شرقي القدس.
ومن الواضح أن القمة أو اللقاء لم تقدم لعباس حتى العظمة التي يمكن أن يقول أنه حصل عليها أو انتزعها من بين مخالب الأسد.
(إسرائيل) تربح
وإذا لم يكن عباس قد حقق أي شيء من مشاركته في القمة فإن (إسرائيل) قد حصلت على الكثير ومن ذلك ذلك بحسب المراقبين: فك العزلة التي حٌشرت بها (إسرائيل) بعد صدور تقرير (غولدستون) الذي يجرمها لارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية في غزة ويأتي هذا اللقاء أيضا لإخراس الأصوات العالمية المنادية بضرورة وقف الاستيطان.
فـ(إسرائيل) لم تتعرض لانتقادات كالتي تتعرض لها في هذه الفترة وكانت تعتبر نفسها فوق الانتقادات والاتهامات لذا سارعت لعقد لقاء قمة ثلاثي هدفه الأول والأخير تنفيس الضغط العالمي وإخراجها من دائرة الاتهام والإحراج وأبو مازن يمنحها هذه الفرصة على طبق من ذهب!
ويذهب المراقبون إلى القول بأن إن اللقاء بحد ذاته يعدُّ تشجيعاً لاستمرار الهجمة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، وغطاءً لحكومة (إسرائيل) ومواقفها العدوانية وتنكّرها لحقوق الفلسطينيين، وتراجعا واضحاً من عباس عن موقفه الرافض لأي لقاء أو تفاوض مع نتنياهو قبل الوقف التام والشامل للاستيطان.
لا تستطيع الممانعة
ومع أن مشاركة عباس في القمة لاقت انتقاداً فلسطينياً واسعاً إلا أنه على ما يبدو لم يعبأ بكل ما سمع من اعتراضات حتى من الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير التي يرأسها ، وتسير في فلكه فالجبهة الشعبية وصفت موافقة عباس على المشاركة في القمة بأنها "استجابة للضغوط الأميركية، وهو أمر لا يخدم سوى المصالح الأميركية والإسرائيلية.
والجبهة الديمقراطية كانت قد أعلنت أنها بعثت برسالة إلى عباس دعته فيها إلى الاعتذار عن اللقاء الثلاثي "طالما يتواصل الاستيطان ، واعتبر حزب الشعب أنّ اللقاء الثلاثي "مكافأة لا يستحقها نتنياهو".
وبالرغم من هذا الرفض من فصائل المنظمة للقمة فإن عباس مضى إليها بدون تردد ، ومن الواضح أن السبب يعود بحسب ما يقول إبراهيم أبراش وزير الثقافة الأسبق في حكومة سلام فياض إلى ضعف محمود عباس وعدم قدرته على الممانعة، قائلا "إنه لم يكن يملك القدرة على الرفض بسبب أن سلطة رام الله لا تستطيع أن تقف في حالة ممانعة لمثل هذه الدعوة".
عباس إذن لا يستطيع أن يقول لا ،عباس ينفذ غالبا سياسات مرسومة أكثر من كونه يراهن على مفاوضات فاشلة ، عباس لا يملك سوى أن يقول نعم للولايات المتحدة وفقط يستطيع أن يقول لا إذا تعلق الأمر بالحوار الداخلي أو بالعلاقات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية.