لا يأبه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بوجود المجلس التشريعي المنتخب، فأكثر من 180 قانوناً أصدرها متفرداً خلال عشر سنوات، فيما لا يزال يمنع انعقاد جلساته، فإلى متى تغيب سلطة المؤسسات المنتخبة وتبقى سلطة الشخص؟!.
ووفق القانون الأساسي الفلسطيني، فإن "الأصل أن القوانين تصدر عن المجلس التشريعي، إلا أن للرئيس حق إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأجيل، وفي غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي".
وبحسب عضو الهيئة الإدارية للهيئة الوطنية لاستقلال القضاء وسيادة القانون، محمد سقف الحيط، فإن "أيا من القرارات بقوانين الـ180 لا ينطبق عليه شروط القانون الأساسي، فليس من بينها قرار واحد ضروري لا يحتمل التأجيل".
تنفيذاً لدوره الوظيفي
ويرى الخبير الاستراتيجي محمود العجرمي، أن عباس ينفذ دوراً وظيفياً منذ تجميد المجلس التشريعي، وهذا الدور الوظيفي المستند إلى اتفاق أوسلو وإلى التخابر الأمني مع الاحتلال واضح جداً، وخاصة في الآونة الأخيرة والتي أعلن فيها صراحةً أنه سيتخذ إجراءات غير مسبوقة ضد قطاع غزة.
واعتبر العجرمي في حديثه لـ"الرسالة"، أن المراسيم أو القرارات التي اخترعها عباس والتي تزيد عن 180 قرارا غير مشروعة في سياق غياب الكل الوطني الشرعي، موثقاً ذلك بتفرد عباس في إدارته للضفة الآن، فضلاً عن اتخاذه قرارات ضد مليونين من أبناء الشعب الفلسطيني وكأن قطاع غزة خارج ولاية "السلطة الفلسطينية". وأضاف "كل ذلك غير قانوني وبالتأكيد يتجاوز كل ما هو شرعي على المستوى الوطني القانوني الفلسطيني".
وذكر العجرمي أن ما يجري في كل برلمانات العالم بأن المجالس هي صاحبة ولاية قانونية شرعية ممتدة، أي أن المجالس التشريعية أو البرلمانات تستمر في مواقعها حتى انتخاب مجلس تشريعي جديد، مبيناً أن هذا ما لا يريده عباس وحلفاؤه إن في (تل أبيب) أو واشنطن وبعض الأنظمة العربية، وذلك للأسباب المعلومة التي دفعت عباس للانقلاب على الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني في الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 كانون ثاني 2006.
واستدل العجرمي على عدم جدية عباس في إجراء أية انتخابات جديدة، بالحديث الأخير الذي أدلى به نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بغزة خليل الحية حول جهوزية حركته للانتخابات بعد ثلاثة أشهر للمجلس الوطني والتشريعي والرئاسة، مبيناً أنه بإمكان عباس استثمار ذلك "لو كان جادا في إجراء الانتخابات".
مخطط لتصفية القضية
وقال العجرمي " عباس ينفذ مخططاً له علاقة بالمشاريع المطروحة الآن لتصفية القضية الفلسطينية، سواء كان مشروع امتداد غزة باتجاه سيناء، أو ضم المنطقة (c) لدولة الكيان المحتل، وبالتالي إقامة كنفدرالية تضم ما تبقى من الأرض بقيادة عباس مع النظم العربية المحيطة إن كان في الأردن أو مصر".
وتابع العجرمي "عباس انتهت صلاحيته كرئيس إلى جانب أن السلطة التشريعية قام بتجميدها، وكذلك الحكومة هي ليس أكثر من سكرتاريا فهو يدير وضعاً غير قانوني، إن كان بصلاحيته هو أو بتجميده للتشريعي أو بتشكيل حكومة بعيداً عن مصادقة التشريعي كما ينص عليه القانون الأساسي الفلسطيني".
وكان النائب الثاني للمجلس التشريعي حسن خريشة، قال لـموقع "عربي21": " إن عباس جعل من نفسه رئيساً لكل شيء في الشعب الفلسطيني، واستأثر بكل السلطات، وطوعها بما يخدم مصلحته، وعطل كافة مؤسسات الشعب الفلسطيني التي لا تخضع لسلطته"
وأضاف " المجلس التشريعي هو آخر المؤسسات الشرعية الباقية في فلسطين، وهو معطل بشكل متعمد، وقد استغل عباس هذه الفرصة لإصدار عشرات القرارات بقوانين بشكل غير قانوني، وبدون أي ضرورة واقعية، حيث إن كثيراً منها قرارات اقتصادية تخدم فئة رؤوس الأموال، ولا تهم غالبية قطاعات الشعب الفلسطيني".
وأشار خريشة إلى أن التفرد الذي ينتهجه عباس، وضيق قاعدة الحكم الناتج عن تركيز السلطات في يديه، أدى إلى زيادة الفساد والتضييق على الحريات العامة، وتقديم مصالح فئات معينة على المصالح الوطنية الكبرى.
وبين أن "حل المشكلة التشريعية يكون بعودة سلطة إصدار القوانين إلى أصحابها في المجلس التشريعي من خلال الدعوة لانعقاده، وهو الأمر الذي يرفضه الرئيس عباس، تخوفاً من إلغاء القرارات التي أصدرها طوال الأعوام الماضية، أو حجب الثقة عن حكومته".
مبررات واهية
أما أستاذ القانون الدولي حنا عيسى، فقد أكد لـ"الرسالة" على وجوب أن يكون هناك ثلاث سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، موضحاً أن الانقسام الفلسطيني انعكس على السلطات الثلاث، مبرراً استخدام عباس ما اسماها صلاحياته استناداً لنص المادة 43 من القانون الأساسي التي ذكرها حرفياً "أنه في حال عدم انعقاد جلسات المجلس التشريعي يحق للرئيس إصدار قرارات بقوة القانون!".
ورغم إقرار عيسى بأن الذي يسن القوانين ويشرعها هو المجلس التشريعي، إلا أنه اعتبر أنه نتيجة للظرف الاستثنائي الحالي بوجود الإنقسام، استمرت الحكومات التي شكلها عباس بطرح مشاريع القوانين ومناقشتها وإعطاء القرار لإصدارها من عباس، زاعماً أن هذه "القرارات بقوانين" جاءت على أساس أن تطرح على أول جلسة للمجلس التشريعي باعتبار أنه صاحب الصلاحية النهائية في الإبقاء عليها أو تعديلها أو إلغائها!.
كما اعترف عيسى بأن هذا "الوضع الاستثنائي" يحتاج إلى التوافق الوطني لتجديد الشرعيات، لكنه يرى أن كل ما يصدر من قرارات الآن هو نتيجة الظرف الفلسطيني الداخلي الحاصل بين كافة الوطنية والإسلامية.
وشكك عيسى في عدد القرارات التي اتخذها عباس، معرباً عن تصوره أن عددها أقل من 180 وربما تصل إلى حوالي 144 قرار، منوهاً إلى أن المشكلة ليست في العدد، ولكن في حياة الشعب الفلسطيني التي يجب أن لا تتوقف.
وزعم عيسى "هذه القرارات بقوانين تختص في الحياة المعيشية للمواطنين، وبالتالي لا يجوز تجميد كل شئ لأن المجلس التشريعي مجمد(..)".