شكل تعاظم تأثير الحاخامات والمرجعيات الدينية اليهودية على الجيش إثر إدراك حكام (إسرائيل) وقيادتها العسكرية الحاجة الماسة إلى استيعاب أكبر عدد من أبناء التيار الديني في الوحدات والألوية المقاتلة في الجيش نقطة تحول فارقة في تمكين هؤلاء الحاخامات من تثقيف الجنود وتعبئتهم وفق أبشع ما أنتجه الفكر الديني اليهودي وتراث الحاخامات في العصور الغابرة، سيما في كل ما يتعلق بـ "الفقه" اليهودي الذي يحدد أنماط سلوك التي يتوجب أن يلتزم بها الضباط والجنود الصهاينة خلال الحروب والعمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد العرب وغير اليهود بشكل عام.
من خلال دراسة الإرث الديني والفتاوى التي يتم تلقين الضباط والجنود بها أن الجندي الإسرائيلي يتعرض لأكثر صنوف "فقه التوحش" الذي ارتبط بدين أو مذهب على مر التاريخ.
وسنحاول هنا الوقوف على أهم ملامح ومحاور "فقه التوحش" الذي يتم تعبئة الجنود والضباط الإسرائيليين عليه:
" إباحة اغتصاب نساء "العدو"
نظرا لإدراك المرجعيات الدينية اليهودية التي تحتكر التثقيف والتعبئة في قواعد الجيش لدور المس بأعراض العرب ودلالاته وما قد ينجم عنه من آثار نفسية واجتماعية، فقد دعت أكبر المرجعيات الدينية العسكرية إلى اعتماد الاغتصاب كمركب من مركبات الجهد الحربي في مواجهة "العدو" خلال الحروب.
فقد أفتى الجنرال الحاخام إيلي كريم، الحاخام العسكري الأكبر الحالي بأنه يجوز للجنود والضباط الصهاينة اغتصاب "نساء العدو" زمن الحرب، على اعتبار أن التوراة تجيز ذلك. وقد استند كريم إلى نص ادعى أنه ورد في التوراة، يقول: "عندما تقاتل أعداءك... وترى امرأة جميلة وترغب فيها، خّذها كزوجة". لكن كريم يرى أنه يجوز اغتصاب نساء العدو دون الزواج منهن، مستندا إلى فتوى للحاخام موشيه بن ميمون، الذي عاش في القرن الثاني عشر، وتنقل بين مصر والأندلس، والذي أطلق عليه "الرمبام"، أي أن كريم يثبت جرم الاغتصاب دون الزواج.
إن خطورة هذه الفتوى تكمن في أنها صدرت عن المرجعية الدينية الأبرز في الجيش والمؤسسة الأمنية، والذي يحتكر مهمة التوجيه والتثقيف الديني لجنود وضباط يقدسون تعليمات الحاخامات وتوجيهاتهم.
صحيح أنه باستثناء فترات محددة في عشية وبعيد الإعلان عن تدشين الكيان الصهيوني أقدم جنود صهاينة على جرم الاغتصاب، لكن مما لا شك فيه أنه عندما تجيز المرجعية الدينية العسكرية الأهم في (إسرائيل) ارتكاب جرم الاغتصاب فإن هذا قد يمهد لاستخدام هذا السلوك العدائي والإجرامي في المستقبل على نطاق واسع.
لا حرمة لدماء المدنيين الأبرياء
لقد حرص الحاخامات الذين يحتكرون عملية توجيه وتعبئة الجنود على بذل جهد كبير وواضح في تسويغ وجوب تعمد المس بالمدنيين وعملوا على "تأصيل" هذه القضية "فقهياً" من أجل بلورة إطار "شرعي" لزيادة دافعية الجنود للمس بالعرب والفلسطينيين وغير اليهود من غير المحاربين.
وقد دعا الحاخام الجنرال إيلي كريم، الحاخام العسكري للجيش للجنود في أكثر من مناسبة إلى عدم إبداء أية حساسية تجاه حياة مدنيي العدو.
وأفتى الحاخام يستحاك غيزنبيرغ، أحد أبرز مرجعيات الإفتاء اليهود، والذي يتزعم حركة "طريق الحياة" التي ينضوي تحت لوائها المئات من الحاخامات، الذين يديرون مدارس دينية عسكرية ويشاركون في إلقاء "المواعظ" أمام الجنود والضباط في القواعد العسكرية بأن إقدام تنظيم إرهابي يهودي على إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية في نهاية آب أغسطس 2015 في قرية دوما، القريبة من رام الله، وسط الضفة الغربية، كان تطبيقاً لشرائع التوراة".
وجاء في نص فتوى غيزنبيرغ الذي "أصل" للعمل الإرهابي الشنيع: "على الرغم من أننا لا نعرف بالضبط من نفذ هذا العمل، لكن إذا كان من نفذه يهود، فمما لا شك فيه أنهم قد أدوا فريضة شرعية بالإقدام عليه".
وبرر الحاخام يوسي إليتسور، الذي أدار مدرسة دينية عسكرية، قيام التنظيم الإرهابي اليهودي بإحراق عائلة دوابشة الفلسطينية، قائلاً "إنهم يهود لم يحتملوا ولم يتجلدوا وهم يرون الدم اليهودي يهرق فتحركوا للانتقام".