تجنباً للفضيحة.. ضحايا الجرائم الأخلاقية يهربون من القانون إلى العرف!

كاريكاتير خاصة بصحيفة الرسالة
كاريكاتير خاصة بصحيفة الرسالة

الرسالة نت-مها شهوان

أدركت الفتاة "م. ص" - 15عاماً- إثر استماعها درس في مادة العلوم للمرحلة الإعدادية، عواقب ما حدث لها حين كانت في العاشرة من عمرها، إذ كان أبناء عمها يستدرجونها بـــ "سندويشة" ويشبعون نزواتهم.

وبدأت حكاية الفتاة، حينما انفصل والداها وبقيت تعيش في بيت جدها دون أن تلقى الاهتمام من أحد، حتى جاء ابن عمها الذي يكبرها بأعوام قليلة يشبع شهواته من جسدها الصغير، مقابل "سندويش أو شيكل واحد".

حقوقية: حساسية بعض القضايا تدفع الضحايا للقضاء العشائري

لم يقتصر الاعتداء على الفتاة على ابن عمها، فقد تكرر حينما شاهدهما شقيقه الذي هددها بفضح أمرهما إن لم تستجب لرغباته أيضا، فقبلت دون أن تعي ما تفعله، لكن درس العلوم الذي راحت تشرحه المعلمة باستفاضة خاصة وهي ترشدهم للمحافظة على الجسد جعلها تدرك خطورة ما حصل معها، فأخبرت معلمتها، وقامت الأخيرة بمساعدتها من خلال عرضها على الجهات المختصة لتتأكد من ذلك.

وبسرية تامة عرضت الفتاة على الطب الشرعي الذي أكد تعرضها للاغتصاب، مما دفع المعلمة للجوء إلى مركز حقوقي لمتابعة الأمر، لكن فور اعلام والدها رفض تصديق الحادثة والذهاب للجهات القانونية لمعاقبة الجاني، فهو "لا يريد الفضيحة".

النيابة: ضحايا الجرائم الأخلاقية لديهم وعي لجلب حقوقهم عبر القانون

بعد الضغط على والد "م.ص"، توجه إلى رجال الاصلاح للبحث عن حلول للستر على ابنته، فما كان منهم إلا تزويجها لابن عمها، لكن الحل لم يكن كافياً لاسيما أن الضحية أصبحت تعاني من حالة نفسية سيئة لتعرضها للضرب من قبل زوجها، ومحاولاتها الدائمة للانتحار بسبب معايرته الدائمة ومناداتها بـ"الرخيصة"، حتى انتهي الأمر بطلاقها بعد القضاء على مستقبلها.

الجرائم المثبتة تعالج قانونيا

حالات كثيرة تشبه الواقعة السابقة، حيث تقع الضحية في فخ الجرائم الأخلاقية، فيلجأ ذووها إلى العرف لأخذ أدنى حقوقهم، لذا بحثت "الرسالة" في الأسباب التي تدفع الضحايا للجوء إلى العرف بدلا من القضاء ومدى قانونية ذلك، ومعرفة مدى تأثير الأمر على حماية المجتمع من تلك المخاطر الأخلاقية.

في البداية، توجهت "الرسالة" إلى النيابة العامة للاستفسار عن حجم القضايا الأخلاقية التي تصلهم، فبين المستشار حسام دكه رئيس النيابة بغزة، أنه خلال النصف الأول من العام الماضي سجلت 67 واقعة موثقة بالدليل، وتم حلها عبر القانون من خلال معاقبة الجاني، مضيفاً "رغم ذلك فإن القضايا الأخلاقية تعد في أدنى مراتب الشكاوي لدى النيابة العامة".

وبحسب دكة فإن ميزة قانون الاجراءات الجزائية أنه يجيز إثبات القضايا الجزائية بكافة وسائل الاثبات "الشهود والبصمات والأدلة الفنية وإقرار الاشخاص أنفسهم"، مشيراً لضرورة أن يعرض المجني عليه خلال 48 ساعة على الطب الشرعي حال كانت الواقعة "اغتصابا أو لواطا" لئلا تختفي الآثار، موضحاً أن القضايا ن أن الالتي لا تحتاج معاينة فنية تكون أما بالإقرار او الشهود.

القضاء: تدخل رجال العشائر في حل القضايا الأخلاقية لا يؤثر على الحكم

ووفق متابعته، فقد أصبح لدى المواطنين وعي حول كيفية جلب حقوقهم عبر الطرق القانونية بدلاً من طرق أبواب الصلح العشائري، وذلك بعد تعديل بعض القوانين التي أصبحت تشدد في العقوبات.

ويؤكد دكة أن هناك حالات تدفع ضحايا الجرائم الأخلاقية للجوء إلى رجل الاصلاح كأن يكون مثلا الفاعل معاقا ذهنياً، ولا يمكن للقانون أن يدينه نظرا لوضعه في حين يضطر الأهالي لجلب حقهم عبر رجال الاصلاح وعقد مصالحة بين الطرفين ودفع دية مناسبة.

واستشهد رئيس النيابة بواقعة حدثت، حينما أقدم رجل معاق على هتك عرض طفل، مما أحدث له اضرارا نفسية وجسدية لكن لم يعاقب قانونا لأنه "أبله"، بعد اثبات ذلك عبر مستشفى الطب النفسي الذي رفض استقباله بشكل دائم كي لا يرتكب جرائم أخرى.

ووفق طبيعة عمله، يلفت رئيس النيابة إلى أن هناك ملفات لقضايا اخلاقية تغلق بعدما يتنازل المشتكي عن حقه في إطار معالجة مشكلة اجتماعية عبر رجال العشائر، ويكون تدخلهم لتقريب وجهات النظر بين الجاني والمجني عليه وحل المشكلات في حال لم تتوفر البينة ولا ضرر في ذلك، مؤكدا في ذات السياق أنه لا توجد قضية أخلاقية مثبتة قانونا تلجأ للعشائر لأخذ حقها.

ورغم حديثه السابق، إلا أن هناك قضايا مثبتة لم تصل المراكز الشرطية أو القضاء، نظراً لطبيعة مجتمعنا الغزي المحافظ الذي يهتم بالتستر على تلك القضايا، مما يدفع كثيرين للجوء إلى القضاء العشائري.

اعتقادات عرفية

وهنا حكاية وقعت قبل عام، حينما تقدم شاب لخطبة فتاة، فوافق ذووها دون أن يدفع المهر مباشرة نظرا لظروفه الاقتصادية الصعبة، لكنه لم يحترم الثقة التي منحت له، فقد وصل به الحد إلى ممارسة الحياة الزوجية مع خطيبته وأصبحت حاملاً منه، مما اضطره لإبلاغ ذويه للإسراع بإتمام مراسم الزواج قبل افتضاح أمرهم، لكن والده رفض بحجة عدم امتلاكهم المال الكافي وطرده من البيت.

بقي الشاب حائرا، إلى أن اهتدى للتوجه لأحد المخاتير في منطقته، وحلت المشكلة بجمع المال من أهل الخير وتم تزويجه للفتاة حفاظا على سمعتها، لكن الحكاية لم تنته بالزواج بل كان لها أضرار اجتماعية لا يحمد عقباها.

الحكاية ذاتها كانت نتيجتها "الطلاق" كون المشاكل بدأت تزداد بعد الزواج بمعايرة ذوي الشاب لزوجته والشك في سلوكياتها من حين لآخر، الأمر الذي يتضح من خلاله أن أي قضية أخلاقية ينتهي حلها بالزواج عبر رجال الاصلاح، لها توابع اخرى من شأنها هدم أسر بأكملها لجهل الضحايا بسلوك الطرق الصحيحة ونيل حقوقهم.

وفي ظل غياب الوعي لدى الأهالي حول التوجه للمراكز الشرطية لجلب حقوق ابنائهم الذين تعرضوا لجرائم اخلاقية، لعبت المراكز الحقوقية دورا في توعية المواطنين ومنها المركز الفلسطيني للديموقراطية وحل النزاعات.

وإزاء ذلك، توضح الحقوقية رنا المدهون، إحدى القائمات على مشروع توعية المواطنين من خطورة القضايا الأخلاقية وعدم التوجه للقانون، أن اللجوء الي العرف في بعض الحالات أفضل من القضاء، خاصة في القضايا التي يكون الدليل القانوني على الجريمة لم يعد موجودا أو أن القضية حساسة جدا كالاستغلال الجنسي دخال العائلة نفسها (أب بابنته مثلاً) فيكون ضرر اللجوء الي القضاء أكبر من ضرر اللجوء للحل العشائري أو الحل العرفي.

وفي سؤال طرحته "الرسالة" حول محددات الشروع في التدخل العشائري لقضايا الاستغلال الجنسي، ترد المدهون: "في حال كان ضرر التدخل القانوني أكبر من نفعه، وذلك لو كان المتحرش الأب أو الأخ وكان تحرش لا يصل لحد الاغتصاب وبالتالي تضعف الدلائل، فيمكن لرجال الاصلاح التدخل لإيجاد الحل الاجتماعي".

وتابعت أن من ضمن المحددات التدخل العشائري:" حال الشك الكبير في وقوع حادثة الاستغلال وعدم وجود أدلة كافية، وذلك لو كان الطفل المتحرش فيه من عمر سنة الى 5 سنوات ولا يستطيع الحديث والتعبير بشكل جيد ولم تكن آثار ظاهرة لوقوع الحادثة لكن وقع الشك لأمر ما".

وأشارت الحقوقية المدهون إلى محدد آخر ويكون في حال الرفض من قبل "الضحية وذويها" للتوجه للحل القانوني ووجود حل اصلاحي اجتماعي يحل مشكلة الاستغلال الواقعة على الضحية بموافقتها كتزويج الفتاة الضحية من قريبها المتحرش.

حماية الضحية

أما عن الآليات التي يجب اتباعها في حال التدخل العشائري في قضايا الاستغلال، تقول المدهون:" رجل الاصلاح هو منبع الثقة لأطراف القضية المعروضة للحل بالتالي يقع على عاتقه أمانة حل النزاع بطريقة تعيد الحق لصاحبه ويحقق رضى الضحية، بالإضافة إلى إحقاق الحق العام وأن يضع نصب عينيه أن منع تفاقم المشكلة أفضل من حلها على مستوى شخص معين".

وبحسب دراية المدهون، يلزم أن يعرض رجل الاصلاح الحل القانوني على الطرف الضحية ومحاولة اقناعه بأنه الأصلح له وللمجتمع (في حال وجود الأدلة والاعتراف)، وذلك لتحقيق النفع العام وحماية ضحايا أخرى قد تقع فريسة للمتحرش، بالإضافة إلى أن يلزم رجل الاصلاح برفض أي تدخل منحاز عن حق الضحية لاعتبارات عائلية أو حزبية، أو لتحقيق مصلحة ما.

وذكرت أنه لابد من وجود تعاون مشترك بين مراكز الشرطة ومؤسسات الاصلاح المجتمعية أو المخاتير، بحيث يمكن لمركز الشرطة والنيابات تقدير ضرورة تحويل بعض المشاكل للمخاتير في حال تأكد عدم وجود أدلة وإغلاق الملف.

وشددت على ضرورة التعاون المشترك بين المؤسسات المجتمع المدني ورجال الإصلاح لزيادة التوعية القانونية لدى المخاتير ورجال الاصلاح من أجل تحقيق الانصاف للضحية حقوقيا وانسانيا واجتماعيا.

وعن الأسباب التي تدفع الضحايا لعدم اللجوء للقضاء بحسب متابعتها لحالات عدة، ترى المدهون أنها ترجع إلى اعتقادات عرفية، بأن اللجوء للقانون "فضيحة"، وأحياناً يكون السبب عدم إنصاف القانون حيث الأحكام الموجودة فيه عقوباتها لا ترقى إلى خطورة الجريمة، وأيضاً لصعوبة إثبات التحرش في كثير من القضايا مما يعني عدم الجدوى من اللجوء للقانون عدا عن حساسية بعض القضايا التي من الممكن أن يكون خطر اللجوء فيها إلى القانون أكبر من نفعه.

الطفل المعتدي

ومن خلال بحث "الرسالة" على قضايا الجرائم الاخلاقية التي تصل للقضاء والحكم عليها، فإنه على ما يبدو أن تلك العقوبات تدفع المجني عليه "الضحية" اللجوء إلى رجال العشائر كون تلك العقوبات وفق وجهة نظرهم لا تشفي غليلهم.

وهنا قضية رصدت خلال إعداد التحقيق، فقد حكمت محكمة بداية غزة بالسجن مدة عام ونصف مع دفع غرامة 400 شيكل، على شاب تحرش بطفل صغير مما أدى إلى وقوع أضرار جسدية ونفسية.

القضية انتهت في المحكمة بالعقوبة السابقة، لكن الحكم رغم أنه قانوني إلا أن ذوي الطفل يريدون عقوبة أشد، فقد همس أحد ذويه بعد خروجهم من قاعة المحكمة "يا ريت روحنا للمختار كان اخدنا حقنا وزيادة".

بدورها، تواصلت "الرسالة" مع المستشار أشرف فارس في المحكمة العليا، لمعرفة مدى تعاطيهم مع ورقة الصلح التي يسعى اليها رجال القضاء العشائري في حل القضايا الاخلاقية، حيث يقول:" لا يمكن تجاهل دور رجال العشائر داخل مجتمعنا الغزي، فوجودهم مقبول طالما يسعون لتحقيق الاستقرار".

وأضاف:" ورقة المصالحة التي يأتي بها المتهم في أي قضية اخلاقية بعد تدخل رجال الاصلاح والعشائر، لا يأخذ بها لتخفيف العقوبة طالما كانت الواقعة نكراء (..) لكن وجودها ينفع الطرفين عند خروج الجاني من السجن وذلك لدرء المشاكل بين الطرفين وتحقيق السلم الاجتماعي كي لا تقع جريمة أبشع من سابقتها".

اختصاصية نفسية: اللجوء إلى العرف يجعل القضايا الأخلاقية متقبلة اجتماعياً

كثير من الضحايا يهربون إلى رجال العشائر لحل مشكلاتهم بدلا من القضاء وذلك لبطء الاجراءات القانونية وعدم منح الجاني عقوبته اللازمة خاصة في القضايا الأخلاقية بحسب قولهم، ويعقب فارس على ذلك:" قانون العقوبات الجزائية واضح، ولدى المحكمة الحق بتخفيف العقوبة حسب الأدلة"، مؤكدا على أن حل القضايا الأخلاقية تتم فيها الاجراءات الجزائية بسرعة.

ووفق دراسة أعدها المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، فإن ما تم نشره في الأيام السابقة حول تعرض ما نسبته 40% من الأطفال للاعتداءات الجنسية في فلسطين هي نسبة خاطئة، وأن النسبة الصحيحة للذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية هي فقط 4% حسب دراسات محلية وعالمية تتوافق مع النسب العالمية.

نسعى للستر

وفي ظل التطور التكنولوجي وكثرة مواقع التواصل الاجتماعي، وقعت حادثة قد تتكرر من حين لآخر، حينما استدرج شاب فتاة تعرف عليها عبر الفيسبوك وادعى أنه صاحب شركة وبحاجة لموظفين، فبقي يوهمها بمكانته حتى وثقت فيه وذهبت إليه في أحد المكاتب التي تعود لصديق له، وكان يتم اللقاء هناك وكل مرة يعدها باقتراب تسلمها للعمل.

وفي ظهيرة أحد الأيام، اختلى الشاب بالفتاة داخل المكتب واغتصبها، الأمر الذي دفعها لإبلاغ ذويها، لكنهم لم يتوجهوا إلى مركز الشرطة خشية الفضيحة، بل ذهبت بصحبة والدها بعد يومين من الحادثة لأحد رجال الاصلاح في المنطقة، والذي عمل بدوره على تزويج الفتاة للشاب ودفع المهر وطلاقها بعد يومين.

ومن الواضح أن حل حالات الاعتداء الجنسي على الفتيات بالزواج عبر رجال الاصلاح والعشائر يكون لحظياً، لكن في المجمل يقع الطلاق سريعا، واللافت الذي توصلت له "الرسالة" أن الضحايا يفضلون العرف لبطء الإجراءات القانونية التي لا تشفي "غليل" المجني عليه.

وخلال زيارة لأحد المراكز الرسمية في إطار إعداد التحقيق شاهدت "الرسالة" حالة بحاجة إلى حل، لكن بعد يومين من انصاتها لتلك الواقعة كانت الحالة ذاتها تطرق باب القضاء العشائري، لذا كان لابد من تسليط الضوء لمعرفة الدور الذي تلعبه الجهات العشائرية.

بعد انتظار دام لساعة نظرا لازدحام المكان بالمراجعين، تمكنت "الرسالة" من مقابلة المختار حسين المغني رئيس الهيئة العليا لشئون العشائر والاصلاح ليتحدث عن كيفية تعامله مع ضحايا "الجرائم غير الأخلاقية"، حيث يقول:" لم تعرض علينا قضية إلا وحلت، بالفراسة والخبرة التي نمتلكها (..) وكثير من القضاة ورؤساء النيابة يتعاونون مع القضاء العشائري في هذه القضايا، لحلها والتستر عليها خشية الفضيحة".

وبحسب متابعة المختار المغني، يأتيه من ثلاث إلى أربع حالات شهريا وقعوا ضحايا لأصحاب النفوس الدنيئة.

دراسة: 4% فقط نسبة الذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية في فلسطين

ورغم أن كثرا يعتبرون تدخل رجال العشائر والاصلاح سببا في انتشار تلك الحالات بسبب حلهم السريع لها بالمصالحة ودفع الدية، يرد المغني:" القضاء سيضع المجرم في السجن ولن يحل المشكلة، بينما نعمل نحن على حلها بطرقنا الخاصة بالتستر دون أن تسبب مشاكل لأحد".

ويشير إلى أن هناك ضحايا يلجئون إليهم لحل مشاكلهم بعيدا عن المراكز الشرطية والقضاء، لذلك يحرصون على السرية، لافتا في السياق ذاته إلى أن هناك حالات خطيرة يلجأ مرتكبها إليهم لحلها لكنهم يبلغون الجهات الرسمية لينال عقابه.

وعن طريقة حلهم للمشاكل الاخلاقية يوضح المغني، أنها تحل وديا وفي حال كانت القضية شذوذا جنسيا وما شابه " يدفع الفاعل الدية للمفعول به ويرحل من المنطقة"، وفي حال كانت قضية اغتصاب لفتاة نرغمه على كتب كتابه عليها ومن ثم طلاقها في ذات اللحظة ودفع مهر لها.

ومن خلال البحث في تدخل رجال العشائر والاصلاح في حل القضايا الأخلاقية، يتضح أن كثيرا من الجهات الرسمية يتهمونهم بأنهم يساعدون في تفشى تلك الحالات غير السوية بسبب تدخلاتهم وحلولهم غير المنطقية غالبا، وهنا يرد المغني بالقول:" هناك دخلاء على عملنا ويدفع لهم المال للانحياز لطرف دون الاخر"، مشيرا إلى أن الغالبية تميل للصلح العشائري كونه أسهل بينما المحاكم تحتاج لشهود مما يساهم في انتشار القضية.

ووفق قوله، فإن هناك قضايا في حال وصلت للمحاكم ستعمل على تدمير الأسرة مدى الحياة، كأن يكون الضحية فتاة والجاني أحد أفراد عائلتها.

 نفسية وسلوكيات الضحية

وهنا حادثة تدخل فيها العرف مما ترك آثارا نفسية على حياة الضحية، إذ تعود الواقعة إلى سنوات قريبة، حينما اعتدى فتى على ابنة عمه الصغيرة عدة مرات، حتى كشفت والدتها أمره وراحت تشتكيه لذويه، حينئذ صدمت بتهديد من حماتها "في حال فضحت الأمر" بأنها ستقوم بتطليقها.

لم يكن أمام الأم سوى الصمت، بينما الفتى كبر وتزوج أما ابنتها بقيت تعاني اضطرابات نفسية بسبب التعدي عليها بالضرب ونبذها من أفراد عائلتها.

وللوقوف على الاثار النفسية والاجتماعية التي تترك لدى الضحية عند حل مشكلته عبر العرف تقول الاختصاصية زهية القرا من برنامج الصحة النفسية:" كثير من الحالات تأتينا لإرشادها في اتباع الطرق السليمة لأخذ حقوقهم (..) مهمتي ليست حثهم على التوجه للشرطة بقدر مساعدتهم في تحسين نظرتهم للضحية خاصة لو كانت أنثى أو طفلا".

وتوضح أنها تساعد الضحية في استعادة توازنها لمواجهة الجاني وأخذ حقها منه بواسطة الحلول المناسبة. وتفسر عدم لجوء الحالات الى القانون، لأن توثيق مشكلاتهم في السجلات يزعجهم ويعتبرونه وصمة عار، لاسيما في المواضيع الأخلاقية التي يخشون فيها معاقبة المجتمع لهم.

العشائر: طريق القانون طويل ونعمل على حل القضايا ودياً

وبحسب الاختصاصية النفسية، فإن تدخل العرف لا يجدي نفعا دوما خاصة حينما يحاول تحسين صورة المعتدى عليه، ويعيدهم للمجتمع بعد تحقيق المصالحة بين الطرفين، موضحة أن تدخلهم يساعد على اعادة قبول مرتكبي الجرائم الأخلاقية في المجتمع والتعايش معهم وكأنه شئ عادي يمكن التغلب عليه.

ووفق متابعتها، فإن 90% من الجرائم الأخلاقية يكون المعتدي والمعتدى عليه من داخل البيئة ذاتها، "لذا يصعب التقدم بشكوى ضده".

وتكشف القرا خطورة التستر على المعتدي وعدم معاقبته، مبينة أن ذلك يؤثر على نفسية وسلوكيات الضحية من خلال حالة الضعف الشديد التي يعيشها وتؤثر على قدرات الدفاع لديه، مبينة أن الحادثة لو تكررت سيتقبلها المعتدي دون مقاومة لعدم وجود رادع عرفي قوي.

ويتضح من خلال البحث عن الحالات التي تعرضت لجرائم أخلاقية، وحلت عبر العرف بعيدا عن القانون، أنها لا تزال تعاني من اضطرابات وتفكك أسري لعدم حل المشكلة من جذورها، وبقي المجني عليه طيلة الوقت يتطلع للانتقام، لذا تنصح الجهات المختصة الرسمية باتباع الاجراءات القانونية بدلا من طرق أبواب المخاتير الذين يعملون على حل القضايا دون اجتثاثها من الجذور.

البث المباشر