قائد الطوفان قائد الطوفان

وفق من أطلعوا عليها

رسائل ودلالات وأبعاد وثيقة حماس السياسية

مشعل
مشعل

الرسالة نت - محمود هنية

يزيح رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، مساء اليوم الإثنين، الستار عن الوثيقة السياسية الجديدة للحركة، بعد خمس سنوات انهمكت فيها الحركة بإعدادها، واخضعتها للتدقيق السياسي والقانوني الدولي، وترجمتها لأكثر من لغة.

الوثيقة السياسية الجديدة التي تتضمن 42 بندًا مقسمة على 11 عنوانًا، تتحدث فيها "حماس" عن تعريف نفسها ومشروعها ورؤيتها لمشروع التحرير، وتحمل مبادئ أساسية بالقضية بالفلسطينية ووحدة الشعب والأرض والقضية وتعريف النظام السياسي.

وتحمل الوثيقة دلالات ورسائل عدة تبدأ دوائرها من البيئة الفلسطينية المحلية ثم الإقليمية فالدولية، حيث ترصد صحيفة الرسالة مع خبراء في الشأن السياسي والقانوني، ممن اطلعوا على الوثيقة وشاركوا في صياغتها، دلالاتها وعمق رسائلها.

ورغم المضامين التي تحملها الوثيقة وتلتقي جلها مع الميثاق القومي والوطني الفلسطيني قبل تعديله من حركة فتح، الا انها عمليًا لن تغير من مواقف الأعداء ووجهة نظرهم تجاه حركة حماس، التي تتمسك بحق المقاومة وفي القلب منها المسلحة، وترفض الاعتراف بإسرائيل.

هويدي: الوثيقة مراجعة للصياغة وثبات على المواقف

عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" صلاح البردويل، يؤكد بدوره أن الوثيقة جرى عرضها على لجان صياغة متعددة تشمل الجوانب (القانونية والدستورية والسياسية)، وتم ترجمتها إلى لغات مختلفة.

بدوره، يؤكد د. يوسف رزقة المستشار السياسي الأسبق لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أن الوثيقة أعادت صياغة مواقف الحركة بلغة سياسية بعيدا عن اللغة الدينية والأيدلوجية البحتة على غرار ما كان في الميثاق الذي صدر عند نشأة الحركة في ثمانينات القرن الماضي.

وأكدّ أن الوثيقة استهدفت في الأساس الحالة الوطنية وراعت المواقف والاجتهادات المتباينة في الساحة المحلية، وأكدّت تعاملها وتعاونها مع بقية شركاء وأطراف العمل السياسي الفلسطيني.

ويضيف حافظ الكرمي رئيس منتدى فلسطينيي أوروبا، أن الهدف الأول من إيجاد الوثيقة هو تحديد المواقف التي تعزز من قوة البيئة المحلية، والتوافق مع شركاء العمل الوطني حول محددات وطنية عامة دون التنازل عن ثوابت الحركة.

رسائل البيئة الاقليمية

الباحث الاستراتيجي والمفكر القومي فهمي هويدي، يؤكدّ أن الوثيقة تمسكت بالثوابت في مشروع حماس والقضية الفلسطينية، قائلا انها تضمنت مراجعة للصياغات وليست مراجعة للمواقف التي تمسكت بها.

ويشرح هويدي في حديث خاص بـ "الرسالة نت" أهم ما تتضمنه الوثيقة من رسائل للبعد الإقليمي، أن الحركة حرصت على تأكيد احترامها للشأن الداخلي للدول العربية وخاصة مصر، وحرصها التواصل معهم بما يخدم القضية الفلسطينية ومصالح الشعب.

وتعرف حماس نفسها في المادة الأولى من الوثيقة بأنها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعتيها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها السامية.

ويشير هويدي الى ان حركة حماس أعلنت التزامها بالمشروع الإسلامي ولم تشر لارتباطها بتنظيم الاخوان المسلمين، وهذا تعبير عن تفكير رشيد، مشيرا الى ان عدم اشاراتها الى تنظيم الاخوان قد يكون إرضاء لمصر؛ "لأن الأخيرة مشكلتها مع التنظيم وليس مع المشروع الإسلامي"، كما يقول.

رزقة: الوثيقة أعادت صياغة مواقف الحركة بلغة سياسية بعيداً عن اللغة الدينية

ويرى أن عدم الإشارة للارتباط بالإخوان تعبير عن الحقيقة فعمليا حماس لا تنتمي تنظيميًا أو إدارياً للجماعة، كما أن ذلك محاكاة لموقف الإسلاميين في تونس والمغرب والأردن.

وينوه أن إعلان حماس قبولها لقيام دولة عام 1967 دون الاعتراف بإسرائيل، هو ناتج عن مرونة سياسية تبديها الحركة بما يراعي ظروف وضغوط البيئة العربية الضاغطة على المقاومة والتي تخنق القضية الفلسطينية، "فحماس عملياً لا تستطيع أن تشتبك مع هذه القوى".

ويؤكد أن الوثيقة تتضمن عدم اعتراف حماس بشرعية الاحتلال "لا اعتراف بشرعية الكيان، وأن كل ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال او استيطان او تهويد او تغيير للمعالم أو تزوير للحق باطل؛ فالحقوق لا تسقط بالتقادم".

كما تؤكد حماس "أنه لا تنازل عن أي جزء من فلسطين، مهما كانت الظروف والضغوط، وترفض حماس أي بديل عن تحرير فلسطين تحريرًا كاملاً،(..)، وأن إقامة دولة فلسطينية على حدود 67، هي صيغة توافقية مشتركة، ولا تعني اطلاقًا الاعتراف بالكيان الصهيوني، كما لا تعني تنازلاً عن أي من الحقوق الفلسطينية".

ويعلق هويدي على ما تضمنته الوثيقة بأن: "حماس تعاملت مع صياغات تراعي البيئة وتعاملت بمرونة في التفاصيل دونما أن تهبط بسقف مطالبها"، مشككًا أن يشكل هذا الموقف قبولا لحماس على صعيد أطراف الرباعية العربية، "لكنها على الأقل تبرأ ذمتها أمام الرأي العام العربي".

رسائل دولية وغربية

ميلاد الوثيقة الجديدة يترافق مع متغيرات سياسية جوهرية على صعيد علاقات الحركة بالمنظومة الدولية وبيئتها المعقدة، وفي هذا السياق يشرح الدكتور الكرمي رئيس منتدى فلسطينيي أوروبا، الأبعاد الجديدة التي تتضمنها الوثيقة تجاه المنظومة الغربية، وهي تتلخص في ثلاثة أبعاد، الأولى تتمثل في الصياغة السياسية للأهداف الوطنية والتي تمكن أي سياسي في العالم ان يفهمها ويتعامل معها، خاصة بعد استخدام الحركة لألفاظ سياسية بعيدة عن المصطلحات الأيدلوجية.

ويضيف الكرمي في حديثه لـ "الرسالة نت" أن البعد الثاني تمثل في فهم الحركة لحقيقة الصراع والذي حصرته بإسرائيل وليس اليهود، وتحدثت بلغة سياسية تشرح طبيعة المواجهة معها والتي تقوم على أساس اغتصابها للحق الفلسطيني وليس استهدافًا لديانة او عقيدة معينة.

وتشدد حماس في الوثيقة على "أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعًا مع اليهود بسبب ديانتهم، وحماس لا تخوض صراعًا ضد اليهود لكونهم يهودًا، وانما تخوض صراعًا ضد الصهاينة المحتلين الغاصبين".

الكرمي: الوثيقة استجابة لتجارب الحركة وموجهة للداخل أكثر من الخارج

ويشير الكرمي الى ان الدلالة الثالثة التي تضمنتها مراعاة التنوع الوطني الفلسطيني في فهمه ونضالاته وتجاربه، ومراكمة إنجازاته، وهو ما يساعدها في مد جسور الثقة والتعاون وتعزيز بيئتها الداخلية، والتي ستلقي بظلالها على أداء الحركة بشكل عام.

ويرى أن مؤسسات المجتمع الأوروبي بدأت تتفهم بشكل أعمق الحق الفلسطيني وحركات المقاومة، وحركة "حماس" تحديدا، إضافة الى تأثر بعض الطبقات السياسية بحقيقة هذه الرواية، مشيرا الى أن أثر هذا التغير لدى الرأي العام الغربي بدأت تستشعر خطره الجهات المتأثرة بالاجندة الصهيونية في الساحة الأوروبية، والذي لا شك أنه سيؤثر في توجه وسياسات الحكومات.

يذكر أن القضاء الأوروبي شطب اسم حماس من قائمة الإرهاب، فيما أعلنت السياسة الخارجية الأوروبية عن رفضها التعامل مع الحركة.

ويشير الكرمي الى ان الوثيقة صيغت بطريقة أكثر نضوجًا واستنادًا الى الظروف التي مرت بها الحركة، مشيرا الى ان اعلان الحركة قبولها قيام دولة على خطوط الرابع من حزيران 67م هو موجه للبيئة الداخلية الفلسطينية، مؤكدًا ان هذه المتغيرات سيظهر تأثيرها سياسيًا في الساحة الأوروبية بعد تناولها من الراي العام الغربي.

ويؤكدّ أن الوثيقة عمليا لن تقنع الدول الغربية للتحرك في عملية سلام حقيقية، لأن السلطة الفلسطينية وبرغم كل تنازلاتها لم تدفع المجتمع الغربي لتغير رؤيته من الصراع باتجاه تبني المطالب الفلسطينية بشكل كامل.

الانسجام القانوني

مضامين الوثيقة وبنودها، انسجمت بشكل كامل مع القانون الإنساني الدولي، وبحسب مصادر للرسالة، فإن خبراء في القانون اطلعوا على الوثيقة ومن بينهم انيس قاسم، الذي أحال مهمة التعقيب عنها لمحامي حركة حماس في أوروبا خالد الشولي.

الشولي أكدّ لـ"الرسالة نت" أن الوثيقة انسجمت في طرحها مع القانون الدولي الذي يحكم القضية الفلسطينية، فيما يتعلق بحق تقرير مصير الشعوب، وتوافق مع نظرة القانون نحو القضية وطبيعة الصراع مع الاحتلال.

وذكر الشولي أن القانون الدولي أعطى للشعوب حق مقاومة الاحتلال بكافة أنواعها، وفي المقدمة منها السياسية والشعبية والمسلحة، مشيرا الى ان حق المقاومة محفوظ لكل حركات التحرر الوطني في العالم.

شولي: الوثيقة انسجمت في مضامينها مع القانون الدولي والإنساني

وحول انسجام عدم اعتراف حماس بإسرائيل مع القانون الدولي، أوضح أن الحركة ليس بصدد الاعتراف بقوة الاحتلال التي تمارس كل أنواع اختراق القانون، مشيرا الى ان حماس هي حركة تحرر وليست في موقع الدولة التي تعترف بوجود دولة أخرى، مؤكدًا ان الحركة تنتهج قواعد القانون في العمل على تحرير التراب الفلسطيني.

ويشير الى ان الوثيقة تعتبر قواعد تحكم رؤية الحركة في المستقبل، مشيرا الى ان الحركة بطرحها للوثيقة لا تبحث عن إرضاء طرف بعينه، وانما تضعها بما يراعي مستجدات وحاجات الحركة، مشددًا على ان الوثيقة تاريخية وحافظت على منجزات الشعب وحقوقه، ولم تتخلى عن مبادئه، مع وجود مرونة في العمل السياسي.

ويلفت الى ان الاتحاد الأوروبي شطب اسم كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس من قائمة الإرهاب، ضمن القرار الابتدائي للمحكمة الأوروبية، وجرى رفع استئناف وهي لا تزال منظورة لدى القضاء الأوروبي.

 

البث المباشر