الغربة تحرم المطلقات من فلذات الأكباد

أخصائي نفسي: طلاق الوالدين يؤثر على سلوكيات الأبناء

محامي شرعي: لا يمكن تنفيذ الأحكام عبر السفارات

الشريعة: ممارسات الزوج الابتزازية تجاه مطلقته تنم عن جهله

الرسالة نت- مها شهوان

اتكأت هيام عبد الله 32 عاما على أريكة تتوسط صالون بيتها البسيط لتروي "للرسالة" معاناتها بسبب حرمانها لأبنائها فقد غدت تلك السيدة متشحة بالسواد باديا عليها الهزال ، وما أن طلب منها الحديث عن معاناتها حتى أجهشت بالبكاء قائلة:" زوجني أبي وأنا في عمر السادسة عشر وأرسلني مع زوجي إلى دولة الإمارات حينها فرحت كثيرا لأنني سأسافر وأعيش حياة جميلة كما قالت لي والدتي"،مستدركة :ما أن وصلت حتى بدأت معاناتي فقد كنت أعيش مع عائلة زوجي في بيت واحد وكانت أمه كثيرة التدخل في أمور حياتنا لدرجة أنها كانت تضربني في حال أخطئت التصرف .

مسحت هيام دموعها لتستكمل حديثها:"حينما رزقت بطفلين ظننت أن معاملة أهل زوجي ستتغير لكنها بقيت كما هي وكان زوجي لا يستطيع أن يدافع عني حتى وصلت الأمور إلى ذروتها وطلقني  حتى عدت إلى غزة دون أبنائي الذين انتزعوهم رغما عني".

حينما سمعت "الرسالة" بعضا من تفاصيل حكاية هيام آثرت أن تلقي الضوء للتعرف على القوانين التي تحمي المرأة المطلقة لاسيما التي يكون أبناءها بعيدين عنها في بلد آخر،بالإضافة إلى مدى تأثير طلاق الأم على الأبناء من الناحية النفسية ، إلى جانب التعرف على رأي الإسلام بمن يحرم الأم من أبنائها وطبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين الزوج وزوجته بعد الطلاق لاسيما الذين لديهم أبناء.

ألبوم صور

انسحبت هيام من المجلس حتى عادت محتضنة  ألبوم صور لأبنائها وما أن فتحته حتى باتت تقبل بالصور وقالت:"حينما طلقت لم آت لغزة مباشرة بل حاولت بشتى الطرق استرجاع أبنائي وراسلت بعضا من شيوخ الإمارات والسفير الفلسطيني حينها لكن دون جدوى"، موضحة أن أبنائها لا يعرفون أنها على قيد الحياة لأن جدتهم وسوست لهم بأنها توفيت.

لم تكن حكاية هيام وحدها من صادفت "الرسالة" فهناك أيضا حكاية أسماء حمودة التي انتزع طليقها أبنائها الثلاثة منها بعدما طلقها في السعودية فارا إلى غزة دون علمها.

أسماء التي تواصلت معها "الرسالة" عبر الهاتف قالت لها بصوت مخنوق:"حينما طلقت بقي أبنائي معي وكنت أرسلهم إلى والدهم نهاية الأسبوع إلا أنه في النهاية استغل ذلك وجهز جوازات سفرهم وفر بهم إلى غزة"،مضيفة :لم أرى أبنائي منذ أحد عشر عاما ولم استطع الذهاب إلى غزة لعدم حصولي على هوية ، بالإضافة إلى أنني لم اعلم مكان أولادي الحالي.

ضربي بالجنزير

قضية طلاق الأزواج وحصول أحدهما على الأبناء لاسيما وإن كان كل منهم في بلد بعيد عن الآخر قد يؤثر على نفسية الأبناء بالسلب وذلك كمعاناة الشاب إسماعيل مصطفى 20 ربيعا حيث روى معاناته بعد إلحاح من "الرسالة" قائلا:"سافرت أمي إلى السعودية إلى أهلها بعدما طلقها أبي وكان وقتها عمري خمس سنوات وأختي سنتين ،وكان الاتصال بيننا مقطوع ولم نعرف شيئا عنها"،مشيرا إلى أن أحد أقاربهم قبل خمس سنوات جعلهم يتواصلون مع أمهم دون علم والدهم وحينما سمعت صوتهم بقيت طيلة الوقت تبكي بحرقة عليهم.

لمعت دمعة في عين إسماعيل وهو يسرد حكايته حتى تابع:"كان أبي يقول لنا دائما بأن أمي تركتنا لأنها تكرهنا ،لكننا بعدما تحدثنا إليها كان واضحا على صوتها مدى اشتياقها ولهفتها إلينا"،مضيفا في أحد المرات علم والدي بأنني وأختي نتواصل مع أمي حتى قام بربطي وضربي بالجنزير، أما أختي فقد ضربها وهددها بعدم الخروج من البيت في حال تواصلت مع أمي.

القلق والاكتئاب

بعد سماع تلك الحكايا آثرت "الرسالة" التعرف على الآثار النفسية التي تقع على أبناء حينما يقع الطلاق بين الوالدين فقد  ذكر الأخصائي النفسي د.جميل الطهراوي أن الأم حينما تبعد عن أبنائها يؤثر ذلك على نفسيتهم لما لها من مكان خاصة لا يمكن لأحد أن يحتلها في نفوس الأبناء ، موضحا أن لذلك أثارا نفسيا متعددة الأشكال كالقلق والاكتئاب وعدم الشعور بالأمن وغياب العطف والحنان مما يؤثر على سلوكيات الأبناء في الحياة.

يذكر أن الكثير من الآباء حينما يطلق زوجته يهرب بأبنائه ويدعي بأن أمهم لا تريدهم وتبغضهم وعن ذلك أكد الطهراوي أن الكذب ليس حلا لأنه من الأساليب الخاطئة ولا يجوز إصلاح الخطأ بخطأ آخر ،لافتا إلى أن الأبناء حينما يكبرون سيعرفون الحقيقة.

وفي سؤال طرحته "الرسالة" حول الإجراءات الصحيحة التي يجب على الأب إتباعها حين الانفصال عن زوجته وتكون حضانة الأبناء معه أجاب الطهراوي:" لا يوجد بديل سوى التخفيف عن الأبناء ،وأنه في حال كان الأب متزوج يجب على زوجته أن تكون متفهمة لمشاعر الأطفال وتعاملهم كما لو كانوا أبنائها ،بالإضافة إلى أن يجلس الأب مع أبنائه باستمرار ويستمع إليهم ".

الأحكام عبر السفارات

ومن الناحية القانونية طرحت "الرسالة" تلك القضية على المحامي الشرعي عماد حمتو حيث قال :" حضانة الأم لأبنائها من الناحية القانونية تبقى إلى أن يبلغ عمر الولد تسع سنوات بينما البنت أحد عشر سنة  "،مشيرا إلى أن الحضانة تبقى ثابتة مع الأم طالما أطفالها لازالوا صغارا.

وعن إمكانية رفع الأمهات المطلقات دعوة لاحتضان أبنائهم وهن بعيدات في بلد آخر أوضح المحامي الشرعي أن القضاء لا يمكن المدعية من رفع دعوى حضانة إلا في مكان سكن المدعي عليه تحت سلطة القاضي ،مبينا أنه لا يمكن للقانون أن يصدر حكما بتسليم الصغير طالما أنه ليس تحت سلطة القاضي.

ولفت إلى أن الأصل في موضوع الحضانة مرتبط بموضوع مشاهدة الأم والأب لأبنائهما ،مبينا أنه في حال كان الأبناء في حضانة والدهم لابد أن يبقوا في المحلة الموجودة فيها والدتهم.

وأشار حمتو إلى عدم وجود تبادل أحكام بين فلسطين والبلدان الأخرى ،بالإضافة إلى عدم إمكانية تنفيذ الأحكام عبر السفارات مما يشكل عائقا.

مصلحة الأبناء

وعن رأي الدين في تلك القضية التقت "الرسالة" د. صادق قنديل أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية حيث قال:"الكثير من الأزواج يعتقدون أن المرأة إذا طلقت باتت مستباحة الحقوق ويسمح الزوج  لنفسه بحرمانها من أبنائها وحقوقها"، مضيفا:أن الشريعة جعلت الطلاق تصريح بإحسان ولابد للزوج أن يحافظ على حقوق مطلقته بما فيها رعايتها لأبنائها.

وأوضح أن الشريعة كفلت للأم حضانة أبنائها وهم صغار لأنها الأقدر على الاهتمام بشئونهم ،مشيرا إلى أنه حينما تنتهي مرحلة القصور للأطفال تنتقل الحضانة للأب لأنه الأقدر على تربيتهم من الناحية السلوكية.

واعتبر قنديل أن الممارسات الابتزازية التي يمارسها الأب تجاه مطلقته ظلم وقلة دين تنم عن الجهل وعدم الثقافة واللامسئولية،داعيا إلى المحافظة على مصلحة الأبناء وعدم التصرف في معزل عن الشريعة الإسلامية.

وتبقى المطلقة المغتربة بين نارين لوعة فراقها واشتياقها لأبنائها ،وابتزاز طليقها لها من خلال حرمانها من رؤية أبنائها.

البث المباشر