تبدو أزمات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أكثر تعقيدًا خلال العقد الأخير من تاريخ القضية الفلسطينية، لاسيما مع تفاقم أوضاعهم المعيشية والإنسانية وصولًا إلى غياب الأفق السياسي مقابل استمرار الغطرسة "الإسرائيلية" وتصعيد الاحتلال لانتهاكاته بحقهم.
وفي قراءة ما يجري أولا على صعيد الضفة المحتلة تبرز المواجهات اليومية مع جنود الاحتلال على الحواجز وسط استمرار عمليات الطعن التي تتصاعد وتهدأ وتيرتها بين حين وآخر في ظل اعتداءات المستوطنين واقتحاماتهم اليومية للمسجد الأقصى المبارك إلى جانب استمرار حكومة الاحتلال بسرقة الأراضي عبر الاستيطان.
وتشهد مدن الضفة حالة من الغليان في الآونة الأخيرة، وذلك تضامنًا مع إضراب الأسرى الذي يدخل يومه الـ36 على التوالي، وسط دعوات بالانتقام حال أصاب أحد الأسرى أي مكروه.
فوهة بركان
وعلى صعيد غزة لا يختلف الحال كثيرا داخل القطاع الذي يغلي باطنه كفوهة البركان التي سرعان ما تنفجر وتحرق من يقف في وجهها، في ظل حالة التضامن مع الأسرى لشد أزرهم التي يضاف إليها شعور الفلسطينيين داخل غزة بالإحباط مع استمرار الحصار واشتداد الأزمات التي قد تكون دافعًا أكبر لتسخين الأوضاع.
ويؤكد ذلك حالة التسخين في الخطابات الإعلامية لفصائل المقاومة وصولًا لتسخين الشارع وحتى الميدان الذي بدأ يثور بعد دخول قطاع غزة والضفة حالة من الغضب والاشتباك على الحدود والحواجز يوم الجمعة الماضية.
وكانت فصائل المقاومة في قطاع غزة حذرت قبل أيام، من إصابة أي أسير في سجون الاحتلال بسوء، رافضة ما يتعرض له الأسرى من ظلم وتجويع داخل السجون.
وقالت الأجنحة العسكرية في مؤتمر صحفي عقدته في ساحة السرايا بغزة،" نرقب عن كثب ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال من ظلم وقهر وعدوان وما يحاول العدو فرضه عليهم من تضييق وإذلال"، داعية في الوقت ذاته جماهير الشعب الفلسطيني إلى الاستنفار والغضب ومواجهة الاحتلال على خطوط التماس في كافة أنحاء فلسطين.
ومن المهم ذكره أن تضييق نافذة الفرصة وغياب الأفق السياسي وتصاعد الانقسام الداخلي الذي يغذيه الاحتلال، يشكل دافعًا كبيرًا لتفجير الأوضاع على صعيد قطاع غزة واستمرار المواجهة في الضفة.
تسخين تدريجي
يتزامن ذلك مع زيارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى السعودية والحديث عن بحث تفعيل مبادرة السلام العربية واستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" دون أي شروط مسبقة، وهو ما يعني العودة للمربع الأول من المماطلة والتسويف.
ويعزز خيار التسخين تفاقم الأوضاع المعيشية في غزة، والذي حذر منه السفير القطري محمد العمادي، حين قال إن الأوضاع في قطاع غزة ذاهبة إلى الأسوأ خلال الفترة القادمة، لافتًا إلى أن اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة التي يترأسها، تعمل مع أطراف عديدة من بينها الرباعية الدولية والأمم المتحدة، بهدف وضع حل لأزمة انقطاع الكهرباء المتفاقمة في القطاع المحاصر.
فيما كان مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف دعا في وقتٍ سابق "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية وحركة حماس إلى العمل على إنهاء الأزمة، قائلاً إن عليهم تحمل التزاماتهم تجاه رفاهية السكان قبل حدوث أزمة إنسانية صعبة.
وعلى ضوء ما سبق فإن الانتقال من خيار لآخر بشكل تصاعدي يضع جميع الأطراف أمام خيارين أولها إما تفكيك الأزمات شيئا فشيئا أو الخيار الذي لا يرغب به الجميع وهو الدخول في المرحلة الأكثر خطورة وهي خيار المواجهة المسلحة.
وما بين الانتقال لمرحلة ودخول الأخرى تبقى الفرصة قائمة أمام صُناع القرار من أجل التحرك على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، تجنبًا من الوصول لحالة الانفجار والمواجهة المسلحة التي لا تحمد "إسرائيل" وحلفاؤها عُقباها.