يحمل خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء القمة العربية الأمريكية في الرياض مطلع الأسبوع، مؤشرات على مرحلة جديدة بدأت بالتشكّل، بقوله إن تنظيم الدولة والقاعدة وحزب الله (اللبناني) وحماس، "تمثل أشكالا مختلفة من الإرهاب".
في واقع الأمر، فإننا أمام معطيات جديدة ظهرت فور الإعلان عن القمة، وعن أن أول زيارة خارجية لترامب بعد قرابة 5 أشهر من توليه الرئاسة، ستكون للمنطقة، مما يشير، ضمن أمور أخرى، إلى أن الرئيس الجديد يسير على عكس سياسة سابقه فيما يتعلق بالملفات الخارجية، وإن كان هذا تقليدا متّبعا في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بأن يخالف كل رئيس جديد، سابقه.
المُعطى الأول أن المنطقة تشهد ولادة حلف جديد (أمريكي إسلامي) تدفع تكاليفه الدول العربية، موجّه في أساسه إلى "محاربة الإرهاب"، وهذا ما بدا في خطاب ترامب في ثلاث محطات، السعودية، و(إسرائيل)، والسلطة الفلسطينية.
أما الثاني، فإن تركيز الحلف الجديد سيكون على البُعد الطائفي، ويظهر ذلك من طبيعة وهوية الدول المشارِكة في القمّة، والأهداف المعلنة لها، أي أننا أمام خريطة مذهبية جديدة.
فيما يتّصل بالمعطى الثالث، هناك متغير خطير ولافت وهو وضع حماس على قائمة المنظمات الإرهابية، إلى جانب تنظيم الدولة والقاعدة وحزب الله، وما رافقه من صمت عربي على هذا الأمر، الذي له أبعاد مهمة، من بينها:
- عدم وجود انسجام بين حماس والمنظمات المذكورة معها، فهي حركة تحرر وطني، لا تقاتل في إطار مذهبي، إنما تحصر قتالها داخل الأراضي المحتلة، وتعلن في كل مرّة بأن سلاحها موجّه فقط نحو الاحتلال، وهذا ما أكدت عليه الوثيقة الجديدة للحركة. أي أن وضعها ضمن القائمة، هو شاذ، ومغالطة غير محسوبة.
- وضع حماس ضمن منظّمات الإرهاب شكّل حالة إحراج على مستوى الدول الخليجية، ظهرت في محاولات صحف ومعلّقين سياسيين خليجيين تجاهل ذكر حماس ضمن من ذكرهم ترامب، ويشكك، ضمنا، في رواية أنه حلف لمواجهة الإرهاب.
- عدم مخالفة الدول العربية لموقف ترامب من توصيف حماس بالإرهاب يعني موافقة ضمنية من العرب على أن (إسرائيل) لم تعد عدوا، وأنهم ليسوا محلّ نزاع معها، وبالتالي إغفال حالة الصراع العربي الإسرائيلي.
وهكذا، يمكن تفسير أننا أمام إطار دولي وإقليمي جديد يفتح المجال لأن تكون (إسرائيل) جزءا منه، على ضوء المصالح المشتركة التي تجمعها مع السعودية في محاربة "الإرهاب".
ما يهمّنا، أنه إذا كان توصيف حماس بالإرهاب في القمة يندرج فقط ضمن الموقف التقليدي للولايات المتحدة من الحركة، فلن يكون لذلك تداعيات كبيرة لأنه موقف ثابت منذ عام 1996، أما إذا كان التوصيف مرتبطا بخطوات وإجراءات قادمة في الإطار الدولي والإقليمي ضد حماس، باعتبار ذلك نتيجة طبيعية للحلف السنّي الجديد، الذي يجمع في عضويته (إسرائيل)، فإن أمامها ثلاثة أمور جديرة بالحسم:
أولا: إعادة توثيق وتعزيز علاقاتها مع "الحلف القديم" الذي كانت جزءا منه، والذي يضم بشكل رئيسي، إيران وحزب الله، أو ما يُعرف بمحور إيران، فيما يتعلّق تحديدا بالدعم والتمويل والمواقف السياسية، وحتى التنسيق على المستوى العسكري.
فما من شك، إن التفاعلات الجديدة على المُحور المقابل، ستُعيد النشاط إلى أركان محور إيران القديم، وإن تمّ ذلك لحماس بصورة علنية أو غيرها.
ثانيا: أن تحافظ حماس على درجة من التوازن في علاقاتها مع الدول الإقليمية الحليفة لها، وخصوصا قطر وتركيا، وأن تستثمرها في محاولة ضبط وكبح أي مخطط دولي يستهدفها، إذا ما علمنا أن قطر كانت قد دافعت عن الحركة، في كلمة الأمير تميم بن حمد آل ثاني بالقمة، أكد فيها أن "حماس تدافع عن أرضها".
ثالثا: تصليب الجبهة الداخلية المرتبطة بمحور إيران، والإشارة هنا إلى فصائل اليسار؛ من أجل تشكيل جدار فصائلي فلسطيني في مواجهة اعتمادية الرئيس محمود عباس على الحلف الآخر.
الحاصل أن المرحلة الجديدة هي الآن في طوْر إعادة ترتيب الأوراق، وأن الأمور في المنظور القريب لن تكون سهلة على المستوى الإقليمي، والمقطوع به أن أي مستجد سيلقي بظلاله على كثير من الملفات، من بينهما الملف الفلسطيني ومنه قطاع غزة.