في هذا الحي جمعت آلاف القصص، وكأنه بداية تاريخ المدينة القديم والحديث، يتخلله تاريخ نضالي طويل، لشهداء ما زالت تتردد أسماؤهم حتى اللحظة، لما عرف عن سكانه من عناد وصلابة في مواجهة المحتل، ولما لتفاصيل أروقته القديمة من قدرة على البقاء، ففي كل حارة هناك قصة شهيد، أو بيت قصفه الاحتلال مرة أو مرتين.
هو حي الزيتون الذي يعتبر أكبر أحياء مدينة غزة القديمة، وسمي بهذا الاسم نسبة لكثرة أشجار الزيتون التي ما زالت تغطي معظم أراضيه الجنوبية حتى اليوم، والتي باتت مهددة بسبب التمدد السكاني والازدحام البنياني في الحي.
المرشدة السياحية ناريمان خلة اخبرت "الرسالة" الكثير عن حي الزيتون قائلة : يمكنك أن تدخل إلى الحي مع نهاية شارع عمر المختار فالحي القديم كان يمثل الجزء المكمل لحي الدرج تجارياً وسكنياً قبل الحرب العالمية الأولى عندما كانا يمثلان كتلة عمرانية واحدة قبل شق شارع "جمال باشا" إبان الحرب الأولى(..) والذي سمي في الثلاثينات من هذا القرن باسمه الحالي "شارع عمر المختار" وكان فيه عديد من الأسواق مثل "سوق السروجية" و"سوق النجارين ".
وعلى نطاق قطاع غزة عرف حي الزيتون ببسالة رجاله وعائلاته، فجميعها من العائلات المقاومة التي قدمت شهداءها في كثير من المواجهات والحروب على قطاع غزة، ويشهد التاريخ على المجزرة التي قام بها الاحتلال في حروبه المتواصلة على القطاع كما كل الأحياء الأخرى وأشهرها مجزرة عائلة السموني التي جمع الاحتلال فيها مائة شخص من عائلة السموني في منزل أحد أفراد العائلة وقصفوهم بشكل مباشر حتى استشهد أكثر من ستين شخصًا من العائلة.
واذا انتقلنا إلى المعالم الأخرى للحي - كما تقول خلة - فيعتبر حمام السمرا من أهم المعالم التاريخية التي يزخر بها حي الزيتون وهو أحد الآثار الباقية من الحكم العثماني للمدينة، والذي ما زال باقيًا على حاله حتى يومنا هذا، ويزوره المئات من سكان القطاع سنويًا، بل ويعتبر من أهم معالم حي الزيتون، وهو مملوك لعائلة الوزير، إحدى أكبر العائلات في الحي، والتي يعود لها القائد الفلسطيني الشهيد خليل الوزير رحمه الله.
ومن المعالم المهمة - حسب ما تضيفه خله- المساجد الأثرية في حي الزيتون كجامع الشمعة الذي اندثرت معالمه القديمة، ومسجد "العجمي"، وجامع "كاتب الولاية" الذي ما زال يحتفظ بتراثه القديم وبخاصة مئذنته التي جاء على أسفلها كتابة تعريفية بالمسجد، تعود لسنة 735م.
ويلاصق جامع كاتب ولاية كنيسة بيرفيريوس والتي تعد من أقدم الكنائس عبر التاريخ، لا تفصل بينهما سوى حائط الكنيسة القديم، وهي أقدم كنيسة في المدينة، سميت بهذا الاسم نسبة إلى القديس بيرفيريوس الذي دفن فيها وما زال قبره موجودًا في الزاوية الشمالية الشرقية للكنيسة، وهناك يمكنك أن تتجول مبهورًا بتلك التحفة العمرانية الجميلة والتماثيل والرسومات الرائعة التي تزين جدران الكنيسة منذ آلاف السنين.
وبالتجول الى عمق الحي المكتظ بالسكان وعلى مشارف شارع رأس الطالع أحد شوارع حي الزيتون يمكنك أن تصل إلى منزل البورنو الذي يعد تحفة عمرانية وفنية وتاريخية حيث يرجع تاريخ تأسيسه إلى عهد الدولة العثمانية، بتصميم بسيط يحاكي العمارة العثمانية القديمة وبأحجار جيرية عمرها مئات السنين.
وتحكي خلة المرشدة السياحية، هناك أيضًا في حي الزيتون وبالقرب من بيت البورنو بيت آخر قديم منذ العهد العثماني يعود لعائلة الغلايني ويقع على مساحة 250 مترًا مربعًا وما يزال ملكًا للعائلة.
ويسكن في حي الزيتون أيضًا الكثير من العائلات مثل الكيال، عياد، دلول، مرتجى، طوطح، أبو شعبان، الزرد التي امتدت وتناسلت حتى اكتظ الحي بأبنائهم وأحفادهم، بعضهم رحل عن الحي وسكن في أحياء أخرى من المدينة، وبعضهم هاجر من قطاع غزة، ولكن ما زالت قصص كل عائلة تحكي عن الصمود بوجه المحتل وفي الحفاظ على هوية الحي كرمز من رموز مدينة غزة القديمة.