قائد الطوفان قائد الطوفان

"صفقة القرن" تلهب الصراع بين قيادات فتح

​غزة-شيماء مرزوق

لا صوت يعلو على الجنون وفقدان البوصلة في المنطقة العربية خلال الفترة الراهنة التي تشهد أحداث متسارعة ومتقلبة، فبعدما كانت (إسرائيل) العدو الأول للدول العربية تحولت إلى حليف وبات اسمها يقترن باسم دول عربية كبرى في حلف واحد في مواجهة دول عربية وإسلامية وجماعات مقاومة في مشهد خارج عن كل حسابات المنطق.

وعلى وقع الجنون السياسي في المنطقة، تعاني السلطة الفلسطينية من ذات الداء، فهي تتفق مع الاحتلال الإسرائيلي رغم ما تعانيه من تضييق وتعنت من قبله، في حين تعمى بصيرتها عن أي نقاط اتفاق مع أبناء شعبها.

ومقابل الحديث عن مشروع تسوية سياسية في المنطقة لا يضمن حتى زعيم البيت الأبيض الجديد نتائجها أو ما يمكن تحصيله منها تخوض السلطة حربا شعواء وتفتح عدة جبهات ثمناً للعودة إلى عملية التسوية ولو شكلياً.

وفيما يشبه نوبات جنونية، ظهرت على الرئيس محمود عباس أعراض تغييرات سياسية مفاجئة بمجرد أن تلقى اتصالاً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فقد دخل حالة من الهيجان والتورم ضد غزة، وفتح جبهة ضدها بدأت بخصومات الرواتب وقطع الكهرباء ووقف إمدادات العلاج والمواد الأساسية لغزة وصولاً إلى قطع رواتب الأسرى.

ويخوض أبو مازن هذه الحرب ضد غزة أملاً في "تأديبها" كمقدمة لفرض عملية التسوية وإزالة العوائق من أمامها رغم عدم وضوح الخطة أو التفاصيل التي يتحدث عنها ترمب.

في المقابل تفتح عملية التسوية جبهة جديدة داخل حركة فتح وتغذي الصراعات المستمرة بين قياداتها المتصارعة على خلافة عباس، وقد شهدنا خلال المرحلة الماضية تحضيرات علنية من بعض القيادات.

ويمكن اعتبار أن الصراع المحتدم الآن قائم بين أربع شخصيات مركزية يحرص جميعهم على إبراز مهاراتهم الأمنية والسياسية، وهم:

الأول: محمد دحلان القيادي المفصول من فتح والذي يحظى بدعم عربي وليس بالجديد انه يحاول إظهار نفسه وكأنه رجل المنطقة القادر على حل الأزمات الفلسطينية الداخلية وتمرير عملية التسوية وفرضها على الكل الفلسطيني.

الثاني: جبريل رجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح وهو الخصم القديم الجديد لدحلان وقد زادت حظوظه عقب حصوله على أعلى الأصوات في المؤتمر السابع لحركة فتح ما جعله مرشح قويا لخلافه عباس.

ويحاول رجوب التقاط رسالة التسوية ومساعي إدارة ترمب إنهاء الملف الفلسطيني لتقديم أوراق اعتماده كخليفة لعباس، وذلك من خلال تصريحاته للقناة "الإسرائيلية" الثانية عن قدسية حائط البراق عند اليهود، ووجوب خضوعه لسيادة الاحتلال.

ومن الواضح أن ما يشاع حول صفقة القرن والقرار الأميركي الإسرائيلي المدعوم عربياً بإنهاء الملف الفلسطيني وتطبيع العلاقات يفتح شهية القيادات الفتحاوية نحو تقديم المزيد من التنازلات لكسب ود الجانب الأمريكي.

الثالث: مروان البرغوثي القيادي الفتحاوي الأسير في سجون الاحتلال، والذي يحظى بشعبية كبيرة في الوسط الفتحاوي والشارع الفلسطيني، حيث يرى في نفسه مرشحا قويا لقيادة المرحلة القادمة، ولا يمكن قراءة إضراب الأسرى الذي قاده بعيداً عن الصراع السياسي بين قيادات فتح، خاصة بين البرغوثي وعباس.

وقد حاول البرغوثي إبراز نفسه كشخصية قيادية ووطنية بقوة من خلال الإضراب، وهو ما التقطه عباس ورجاله فالتفوا على إضراب الأسرى لينتهي دون النتائج المرجوة وبالأحرى التسبب بفشله.

الرابع: ماجد فرج رئيس المخابرات الفلسطينية والذي زار عدة مرات الولايات المتحدة منذ تولي ترمب الرئاسة قبل وبعد زيارة عباس لها، والتقى بمسؤولين أمنيين رفيعي المستوى إلى جانب عدد من مساعدي ترمب.

ويعرف فرج بأنه رجل الأمن القوي حالياً في الضفة الغربية ويلوح باستمرار بورقة الأمن والتنسيق مع الاحتلال وحمايته، حيث يدرك فرج أن الملف الأمني سيتصدر أجندة أي لقاءات أو مفاوضات قادمة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لذلك يظهر نفسه بأنه الأقوى والأقدر على تعزيز التنسيق الأمني وضبط الأوضاع وضمان استقرارها في الضفة الغربية، خاصة عندما تحدث عن منع قرابة 200 عملية مقاومة ضد الاحتلال ومصادرة السكاكين في حقائب الأطفال.

ورغم كل الخلافات بين القيادات المذكورة وغيرها ربما يجمعهم أنهم جميعاً رفعوا شعار محاربة الإرهاب، وهو الشعار الذي تطوعت السلطة الفلسطينية برفعه والتباهي بقدرتها على العمل بهذا الاتجاه، وهو ما جعلها تصطف في جبهة قتال لا ناقة لها فيها ولا جمل، متناسية أنها تعاني من أكبر إرهاب في المنطقة وهو الاحتلال الإسرائيلي.

كما تتجاهل السلطة أن دخولها هذا المعسكر قد يكلفها أثمانا باهظة، فكما دفعت دول الخليج أموالا طائلة للجانب الأميركي مقابل حمايتها وإنجاز ما يعرف "بصفقة القرن"، ستضطر السلطة الفلسطينية إلى تسديد فاتورة ثمن الصفقة من حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته، لذا فإنه من المتوقع أن يستمر عباس في حربه ضد غزة واستكمال الشروط المطلوبة منه ليكون طرفا في هذه الصفقة.

البث المباشر