على وقع تشديد الحصار وإحكام الخناق وسلسة الإجراءات الذي اتخذتها السلطة الفلسطينية ضد قطاع غزة، يأتي الحديث عن نية رئيس السلطة محمود عباس التوجه لإعلان القطاع إقليما متمردا.
ومن الواضح أن التفكير بهذا الأمر جاء بعد استنفاذ الثمانيني عباس كافة الخيارات وأدوات الضغط التي سعى من خلالها لجلب حركة حماس لبيت الطاعة، ضمن محاولة الإخضاع ولي الذراع التي مارسها ضد قطاع غزة على مدار العقد الماضي من الزمن.
ونقلت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية عن مسؤول فلسطيني "مقرّب من رئيس السلطة محمود عباس"، قوله إن أبو مازن يفكر قريباً بإعلان قطاع غزة إقليما متمردا.
وقالت الصحيفة إن "هذا التحرك الذي يفكر به رئيس السلطة يندرج في إطار الكفاح الذي يخوضه ضد حماس كجزء من الصراع الداخلي، ويهدف للضغط بشكل رئيسي عليها لتسليم سلطات الحكومة في قطاع غزة إلى حكومة رام الله".
وأشارت إلى أن أبو مازن شكّل مؤخرا فريقا من المحامين من وزارة العدل في رام الله؛ لبحث كيفية تنفيذ هذه الخطوة من الناحية القانونية، سواء على صعيد الدستور الفلسطيني أو القانون الدولي.
منحى خطير
وليس جديدا على السلطة التلويح بالتوجه لهذا المنحى الخطير فقد سبق وأن هدد عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في تصريح له، بإعلان غزة "إقليما متمردا". ووصف القطاع بأنه "كطائرة مخطوفة يجب استعادتها، ولو تم القضاء على جميع الركاب الأبرياء فيها".
وفي معرض تفصيل معنى إعلان قطاع غزة "إقليما متمردا" فإنه يعني رفع السلطة في رام الله يدها عن كافة التزاماتها اتجاه غزة بما فيها المالية والخدماتية كالمياه والكهرباء والدواء والغذاء والصحة والتعليم، بالإضافة إلى وقف رواتب جميع موظفيها بغزة، كذلك الإيعاز للبنوك أن تقفل فروعها في غزة حتى لا يتم تحويل الأموال للقطاع وتحميل تبعات كل ما يجري للمؤسسات الدولية كون أن الرئيس لا يملك أي سلطة في غزة.
وعلى ضوء ما سبق فإن تبعات هذا الأمر ستكون خطيرة جدا وتكرس الفصل الكامل بين الضفة وقطاع غزة وستعزز الشرخ بين السلطة والشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه الذي لن يقبل هذا الإعلان على الإطلاق.
ويضع هذا الإعلان حركة فتح أمام خيارين لا ثالث لهما، إما رفض هذا الأمر والحفاظ على شيء من وطنية الحركة التي باتت تفقدها شيئا فشيئا بسبب تصرفات رئيسها الخارج عن المنطق، أو القبول به والدخول في صراع وحرب مع جميع أطياف الشعب الفلسطيني بعد أن تكون انسلخت عن هويتها.
إسرائيليا فإن هذا الإعلان سيقابل بالرفض كونه سيدفع قطاع غزة إلى الانفجار في وجهها والدخول في حرب جديدة هو الأمر الذي تخشاه "إسرائيل" وتحاول تجنبه.
ووفقا لما ذكره كبار مسؤولي الأمن الفلسطينيين، فإن أبو مازن أطلع (إسرائيل) على هذه الخطوة وردت بأنها لا تؤيدها في هذا الوقت "طالما لم يتم استنفاد كل الجهود التي تبذلها الجهات الدولية لحل الأزمة بغزة"، بحسب الصحيفة العبرية.
أما دوليا فإن بعض الدول المعادية لحركة حماس قد تساند رئيس السلطة في هذا الإعلان، بينما ستعترض أغلبها وترفض دعم هذا الأمر؛ لما يشكله من خطر كبير ونكسة على صعيد القضية الفلسطينية.
وعلى صعيد غزة فإن هذا الأمر سيثقل كاهل القطاع الذي يغرق في الأزمات منذ عشر سنوات، إلى جانب أنه يعطي غطاءً للاحتلال بضرب غزة وتشديد حصارها بشكل أقسى من السابق ما يعني "هدر دم القطاع".
ويشار إلى أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر (الكابينيت) كان قد أعلن قطاع غزة "كيانا معاديا"، بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية 2007، وشددت "إسرائيل" من الحصار على القطاع والقيود المفروضة على التجارة الخارجية، إلى جانب حظرها إدخال البضائع، بما في ذلك الوقود، والمعدات الطبية وقطع الغيار.
جريمة قانونية
أما من الناحية القانونية فإنه يعتبر "جريمة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غزة" وفق ما رأى الخبير في القانون الدولي د. عبد الكريم شبير.
ويقول شبير في حديثه لـ "الرسالة نت"، إنه لا يجوز لعباس إعلان غزة إقليم متمرد، خاصة في ظل وجود الاحتلال، مشدداً على أنه "مخالف للقانون الفلسطيني، وكل القوانين الدولية".
ويوضح أن كل القرارات الدولية في الأمم المتحدة تقر بأن غزة والضفة مازالتا محتلتين، لذلك فإن هذا الأمر يخالف القانون الأساسي الذي ينص على الحفاظ على مصلحة الشعب الفلسطيني.
ويؤكد شبير أن إقرار مثل هذا الاجراء بمثابة عامل مساعد للاحتلال (الإسرائيلي) بأن يتجرأ على قطاع غزة، ويشن حروباً ضده، بضوء أخضر من عباس، مشيراً إلى أن له تبعات كارثية ويعزز الانقسام.
ويضيف "في حال إقرار عباس الإجراء رسمياً، سيكون للمؤسسات الحقوقية والقانونية إجراءات قضائية للوقوف ضده"، مطالباً بضرورة أن يكون هناك اجماع وطني برفض القرار والوقوف ضده.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن التوجه لهذا الإعلان سيكون الشعرة التي تقسم ظهر البعير ومقدمة لمرحلة جديدة من مراحل "عباس" التي تدفع بالقضية الفلسطينية نحو الهلاك.