تمثل سِيَر النجوم في السينما والرياضة حقلا مهما من الحقول المثيرة التي تستنفر المبدعين خاصة منهم السينمائيين والروائيين فيندفعون لملاحقة تلك السير بالخيال خاصة تلك السير التي يتخللها غموض مثل البرتغالي "فرناندو بيسوا" و"فرانز كافكا" في الأدب، وفان كوخ ودالي في الرسم وجيمس دين في السينما، وقد نشط هذا النوع من السرد في الأفلام وفي ما يسمى بأدب التحري.
وفي هذا السياق تأتي عربيا رواية العراقي علي بدر "حارس التبغ" التي يلاحق فيها صحفي سيرة الموسيقار "كمال مدحت" الذي اختطف وقتل ٢٠٠٦ في بغداد في ظروف غامضة، وغربيا تأتي رواية "بريد بغداد" لخوسيه ميغيل باراس الذي يحقق بطريقة روائية في اختفاء الرسام "هويركو" الذي اختطف واختفى في القاهرة.
وتدورهذه الأعمال حول شبهة جريمة مخفية يكشفها التحقيق فيزج بالمحقق في جحيم من الأحداث الجديدة كلما اكتشف حقائق جديدة.
في هذا الحقل بالذات يمكن أن تصنف رواية شكري المبخوت الجديدة "باغندا" الصادرة عن دار التنوير، التي تروي حكاية صحفي استقصائي يحقق في قصة اختفاء نجم كرة القدم التونسي الملقب "باغندا" الذي كان في مرحلة من تاريخ تونس أيقونة شعبية ثم اختفى نهائيا.
الكرة بين الأدب والسياسة
إن العلاقة التي ربطها أهل الأدب والفن بعالم كرة القدم قديمة لعل أهم من قاربها رشيد بوجدرة في روايته "ضربة جزاء" التي دارت حول حكاية تصفية العميل "محمد شكال" زمن الاستعمار الفرنسي أثناء مباراة بين فريقي "تولوز" و"إنجي" وإدواردو غاليانو في مؤلفه "كرة القدم" الذي فكك فيه عوالم اللعبة.
ويأتي بدرجة أقل المصري أحمد الصاوي في روايته "إصابة ملاعب" التي تناول فيها قضية التطبيع من مأزق متخيل يضع مصير مصر في الترشح إلى كأس العالم رهين لقاء مع إسرائيل.
وقد جعل الإيطالي بيير باولو بازوليني في كتابه "ملاعب" كرة القدم الشبق الثاني بعد الجنس، كما تساءل محمود درويش في ما كتبه عن مارادونا لماذا لا تكون كرة القدم موضوعا للأدب وللفن؟ لماذا لا يتعامل الأدب مع هذا البارود العاطفي الذي يشغل الملايين في علاقته بالمشهد الذي يحوله إلى مشهد درامي؟
ونذكر ما خطه الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو في "الحرب الوهمية" التي رأى فيها أن كرة القدم مؤامرة كبرى على الوعي لإلهاء الجماهير عن الحروب الحقيقية ولا يمكن أن نغفل رواية النمساوي بيتر هاندكه "ذعر الحارس أمام ضربة الجزاء" واقتناعات ألبير كامو الذي يرى أن كل ما تعلمه في الحياة تعلمه من كرة القدم.
ولئن استعانت الرواية المعاصرة بالحبكة البوليسية أو التحقيق الصحفي الاستقصائي فإنها لا تقف عنده بل يسعى الروائي إلى جعل تلك الألاعيب السردية المستدرجة من حقل أدب متهم بأنه من درجة ثانية أدوات لمقاربة قضايا إنسانية واجتماعية خطيرة.
قضايا مركبة
ولعل هذا تماما ما سعت إليه رواية "باغندا" لشكري المبخوت التي تستعين بالشعبي في صياغة حبكتها الكبرى للتطرق إلى قضايا حارقة كالتمييز العنصري من خلال شخصية "باغندا" -اللاعب الأسود الذي يلقب بالجوهرة السوداء- أو التأريخ السري لتونس الحديثة من خلال عالم يبدو هامشيا وهو عالم كرة القدم، فنكتشف أن هذا العالم الشعبي في علاقة معقدة بعالم أشد تركيبا هو السياسة والمافيا وعالم الفساد والرشوة.
تنخرط الرواية الجديدة صاحب "الطلياني" ضمن ما يسمى برواية الشخصية المرجعية على حد تصنيف الناقد "فيليب هامون" باعتبارها شخصية تاريخية وهذا ما يفتح باب اللعب بين القارئ والروائي في حقل المقارنة بين المرجعي والمتخيل، لتحقق الرواية متعة أخرى عند طبقة النخبة بعد أن يكون انتماء الشخصية إلى عالم الجماهير الشعبية قد أهلها لتكون رواية قريبة منه.
رواية باغندا -وإن أشارت إلى أن شخصيتها الرئيسية هي الطلياني نفسه بطل رواية المبخوت الفائزة بالبوكر العربية، وإلى أخيه موظف البنك الدولي- فإنها تقرأ منفصلة كرواية مستقلة تماما مكتفية بعوالمها.
ويواصل المبخوت في "باغندا" مشروعه السردي بلغة روائية متميزة تخففت من سذاجات الاستعارة والبلاغة، ليكتب رواية معاصرة وذكية تداور المحلي جدا ليكون عالما مشوقا للقارئ أينما كان، وهكذا يحقق "باغندا" عبر المبخوت جماهيرية جديدة هي جماهير الأدب والخيال ليلتحق بنجوم آخرين كمارادونا وبيلي ومحمد علي كلاي في الملاكمة.
وفي سياق هذا التناغم بين الروائي والرياضي يمكن التساؤل -بالنسبة للتونسيين على الأقل- هل سيظهر من الروائيين أو السينمائيين من سيلتفت إلى اللاعب العملاق "محمد علي عقيد" الذي اختفى بالسعودية في ظروف غامضة واختلقت حول موته المفاجئ حكايات وأساطير عجائبية وسياسية وصلت إلى بلاطات الأمراء ومخادع الأميرات حتى إن رفاته كان أول ما استعاده التونسيون بعد الثورة؟