قائد الطوفان قائد الطوفان

الأسير أبو سرحان يستعد لزفاف ابنته الوحيدة

غزة - محمد بلّور  - الرسالة نت                 

وصلتني رسالتك يا عامر ووجدت أنه من الوفاء أن أقلّب أوراق قصتك للسادة القرّاء والمهتمين فلا يسعني إلا تزويدهم بمزيد من التفاصيل عن مفجّر ثورة السكاكين .

 حدث قبل عشرين عاما أن قام شاب لم يبلغ العشرين بالانتقام لشهداء مجزرة المسجد الأقصى فقتل ثلاثة وسقط مضرجا في دمه .

 وتحدث الأسير عامر أبو سرحان المحكوم بالمؤبد عن ابنته الوحيدة التي ستتزوج بعد أسابيع في رسالة حملها أحد الأسرى المحررين واطلعت عليها "الرسالة" مزينا رسالته بالتحية لحركة حماس وحكومتها والعديد من الأسرى المحررين في غزة .

أب غائب

لم يكن غريبا على ابن بيت لحم من يسري دهن الزيتون في عروقه أن تثور حميته فيغادر متاع الدنيا مستقبلا الآخرة بتضحية تأخذه إما شهيدا أو أسيرا .

 عندما نفذ عمليته الشهيرة كان في أحشاء زوجته جنين لم يتجاوز الشهرين من عمره وبعد سبعة شهور حلت ابنته الوحيدة جهاد ضيفة في غياب قسري للأب .

 شقت قصة عامر طريقها لأذن الطفلة عبر أحاديث الجد والجدة فقالت:"سمعت أنني كنت في بطن أمي عندما ارتكب اليهود مجزرة في الأقصى عام 1990 استشهد فيها عشرون شهيد ثم قام والدي بطعن جنديين ومجندة صهيونية".

 وتبلغ جهاد الآن 19 عاما وهي تدرس في السنة الثانية بكلية الشريعة في جامعة الخليل وقد تقدم لخطبتها ابن عمها عامر و سيتزوجان بعد أسابيع.

 تعرفت جهاد على والدها خلال زياراتها له في المعتقل فارتمت في حضنه ثم بدأت تتبادل الحديث معه لما كبرت مع أب خلف القضبان لا تحظى بمحادثته سوى دقائق معدودة .

 تصف شخصيته بأنها قوية ومثال للأبوة في جسد مناضل خاض معركة انتقام لشهداء الأقصى الأبرياء .

وأضافت:"يخاف علي كثيرا ويوصيني دوما بالصلاة وحسن معاملة الآخرين وأهم شيء الانتباه لدراستي حتى أرفع رأسه".

فخورة بوالدي

منذ أعوام طويلة تترجم جهاد نظرات الناس إليها فخرا بأنها ابنة عامر حتى أصدقاء والدها المحررين من المعتقلات التقطوا معها الصور كثيرا وهي طفلة محبة لصديق جمعتهم معه السجون.

 وأكدت أن والدها حفظ قسطا من القرآن وتعلم العبرية وأتم الثانوية العامة وجمع خبرة كبيرة من خلال معايشته لكثير من كبار الأسرى .

 أما والد عامر فقال إن ابنه نفذ عمليته وهو في التاسعة عشرة من عمره بعد خمسة شهور من زواجه مصمما أن يأخذ بثأر الشهداء الأبرياء في عملية انتقام على عاتقه-كما قال.

بعد أسبوعين من مجزرة الأقصى الواقعة في 8-10-1990 كان الرد على منهاج وخطة عامر الانفرادية بينما كان الاحتلال يتوقع ردا من غيره.

وأضاف:"تلقينا نبأ تنفيذه للعملية بصدر رحب وبعدها هدموا بيتنا ثم استشهد ابني فيصل عام 1992 وهو ابن 19 لذا أخاف من رقم 19 -يضحك-واستقبلت استشهاده بصدر رحب".

وجد الأب في ميلاد جهاد أثرا سعيدا من عامر المعتقل فتولاها برعايته وترعرعت في كنفه حتى بلغت 19 عام وتقدم لخطبتها ابن عمها الذي اتفق مع والدها في نفس الاسم ليصبح الأب وزوج المستقبل "عامر".

 وتداعب ذاكرة الأب صفات الفتى الغائب فيقول:"صفاته حسنة فهو محب لأخواته كثيرا وقد بكيت على سجنه المؤبد وبكيت على شقيقه الشهيد إما والدته فكتمت حزنها ومرضت" .

الخطبة

تزين جهاد أصبعها بخاتم الخطبة الذي سينتقل بعد أسابيع لليد الثانية عندما تتزوج , كانت لحظة غير متجانسة تشكلت من مزيج الحزن والفرح .

عن خطبتها قالت: "شعرت بالغربة أول ما خطبني ابن عمي في ظل غياب أبي بينما لم يصدق هو أنني على وشك الزواج وقد تمنى أن يخرج ليحضر الفرح" .

وأشارت إلى أن والدها لم يشأ يوما أن يحدثها عن معاناته داخل السجون وقد بدا دوما متفائلا باقتراب صفقة التبادل المرتقبة مع الاحتلال .

وأبدت جهاد انزعاجها من تباين الأنباء المنشورة عن صفقة التبادل عبر وسائل الإعلام مشيرة أنها رغم ذلك لا تستطيع إلا أن تتابع الأخبار عبر قنوات تحوز على ثقتها مثل قناة الجزيرة.

وأكد والد عامر أن خطبة جهاد من ابن عمها عامر كانت بمبادرة من العريس حين طلب يدها للزواج قبل عام وقد نال الأمر اتفاق الجد والأعمام بعد مشاورات اعتيادية .

وكان الأسير أبو سرحان تعرض لتعذيب شديد في بداية اعتقاله حيث تعمّد الاحتلال ترك إصابته بالرصاص الحي دون علاج وتفننوا في إيذائه وعزله في الزنازين .

وتعاني أسرة الأسير عامر أبو سرحان من مضايقات تحول دون زيارته بذريعة "المنع الأمني" حيث سقطت الذريعة عن والده فقط قبل سنة .

ولم تتمكن والدته من زيارته سوى قبل أسبوع بعد 8 شهور فصلتها عن آخر زيارة له أما شقيقه فزاره منذ أسبوعين بعد 13 سنة والأخ الثاني زاره قبل شهر بعد 12 سنة.

العروس

لا تستأذن جهاد هذه الأيام قبل التحليق في ذاكرة والدها بثوبها الأبيض وحلمها الوردي, يتخيّل عامر صغيرته جهاد وقد كبرت وأوشكت على الزواج.

وفي بيت الحاج سعود أبو سرحان يحصون أسماء المدعوين للفرح قبل كتابة أسمائهم خلف بطاقات الدعوة.

 وقالت العروس جهاد :"سيكون الفرج في 22 تموز ولدينا ترتيبات لطعام الغذاء وسنعزم الأهل والأصدقاء والجيران " .

أما الجد فقدم تهنئة سريعة قبل أسبوع لوالد العروس خلال زيارته الأخيرة في المعتقل متمنيا أن يحضر الفرح وأن يعود قريبا لأهله وذويه في بلدة العبيدية ببيت لحم .

 وجاء صوت أم عامر منهكا وهي تقول:"الله يفرّج كربه ويفرج عنه فابنته ستتزوج قريبا فأبارك له وأتمنى أن يعود لابنته يا الله وان شاء الله ويعود هو وكل الشباب المعتقلين فهو متشوق لحضور فرح ابنته كثيرا".

 وختمت جهاد حديثها بالقول:"أهدي له قبلاتي وأشواقي وتحياتي وأقول دير بالك على حالك ولا تهتم لشيء وان شاء الله تعود وتحضر فرحي" .

 وتعيش أسرة عامر أبو سرحان حالة من الترقب المستمر تتمنى فيها نهاية رحلة عمرها عشرون سنة كبر فيها الصغار وأقدموا على الزواج وشاخ فيها الكبار وهم يتوجون أحزان الماضي بأفراح المستقبل.

 

البث المباشر