رغم فداحة العدوان الإسرائيلي في ساحات المسجد الأقصى المبارك إلا أن الموقف العربي والإسلامي يراوح بين التواطؤ والتسليم، بينما يبحث (نتنياهو) عن سلّم للنزول عن الشجرة في ظل إصرار فرسان القدس على رفض إجراءات الاحتلال الأخيرة في محيط الأقصى.
وسبق إجراءات الاحتلال بنصب البوابات الإلكترونية والكاميرات في محيط الأقصى، إرهاصات كثيرة بدأت من قمّة الرياض ووصف المقاومة بالإرهاب، لكن السحر انقلب على الساحر حين شبّ الفلسطينيون في القدس والضفة وأرض 48 عن الطوق وفاجأوا الاحتلال.
الحياة في الأقصى
يوميات المقدسيين تبدّلت بالكامل فهم مندفعون بالجملة نحو الرباط على أبواب وفي ساحات الأقصى في حين لم ينقطع خط إمداد الحافلات الواردة من مدن وسط وشمال فلسطين المحتلة جالباً كتلاً بشرية مستعدة للموت.
مجموعات "الواتسآب" و"الفيسبوك" توجّه الطاقة الكامنة وتنظم المسير بالتحشيد نحو نقاط التوتر على مداخل الأقصى ولكن الأهم من كل ذلك الاستعداد الغريزي للتضحية لأهل القدس وفلسطيني 48.
ويؤكد د. جمال عمرو الخبير في شئون القدس والاستيطان الذي أصيب بجراح هو وزوجته على يد جنود الاحتلال خلال رباطهما على أبواب الأقصى، أن طواقم الهندسة الإسرائيلية بدأت في ساعات متأخرة من ليل الأحد تركيب كاميرات وبوابات إلكترونية عملاقة.
ويضيف: "كنا في وضع سيء فأصبحنا في أسوأ لأن المارة سيتم تصويرهم أسفلها وسيتعرضون لكافة أنواع الأشعة الضارّة وكأنهم عراة وسيحتفظ الجنود بحق الإيقاف والتفتيش إذا حمل الفلسطيني ساعة يد أو قلما معدنيا أو حتى حزام سرواله".
وتابع أن المعركة حامية الوطيس عند بابي الأسباط والسلسلة أكبر أبواب الأقصى المستهدفة بالكاميرات الإضافية أما أبواب "حطّة-الحديد-المجلس-فيصل وغيرها" فهي ضيّقة وربما يكتفون بنصب البوابات الإلكترونية.
وترمي الإجراءات الإسرائيلية لبسط سيادة الاحتلال بالقوة، الأمر الذي يشعل فتيل المواجهة في ظل الرفض الفلسطيني الشعبي لهذه الإجراءات، خاصّةً بعد إلماح الخبير عمرو إلى محاولة أطراف عربية تمريرها.
الهدف الأساسي كما يرى الخبير عمرو هو تسجيل هزيمة توثّق في سجل من خذلوا الأقصى مذكّراً بآخر كلمات الشهيد عبد القادر الحسيني الذي أخبر الجامعة العربية أن اليهود عاجزون عن دخول القدس من بواباتها الغربية ومداخل يافا فخذلوه حتى سقطت واستشهد.
ويتابع: "نعيش في ساحات وأبواب الأقصى حالة انسجام بين الإعلام والشارع المقدسي ونرفض الرضوخ لكني أشتم دخان فتنة لشق الصّف، فالبوابات يبدو متفق عليها مع نظام عربي رسمي برعاية أمريكية وبدأت ضغوط على شخصيات مقدسية للقبول والمرور أسفلها ثم تصوير من يرفض أنه شاذّ عنهم".
في البلدة القديمة وأبواب الأقصى لا يمكن توقع المشهد الميداني سلفاً، فآلاف المحتشدين كل ساعة في حال كما يقول الخبير عمرو فإذا كان الناس جالسين عند باب الأسباط بهدوء تنتقل المواجهات لباب العامود ثم فجأة تندلع مواجهات في أحياء العيسوية وسلوان وتنتقل مرة أخرى إلى باب الأسود أو باب الأسباط الذي يعلو طريق المجاهدين كما وصفه التاريخ.
النزول عن الشجرة
هذه المرّة تخالط أحلام (نتنياهو ووزيره نفتالي بينيت والمتطرف يهودا غليك) فرصة السيطرة على مفاتيح المسجد الأقصى وليس البلدة القديمة وحدها لكن رغبة الاحتلال لم تتكيّف مع فعل الميدان الغاضب.
ويقول د. محمود العجرمي المحلل السياسي إن (نتنياهو) يواجه الآن مأزقا يحاول فيه النزول عن الشجرة أمام الضغط الميداني الذي تجلت فيه وحدة الشعب الفلسطيني في كل فلسطين.
ويضيف المحلل العجرمي: "الحراك والضغوط دفع أمريكا وفرنسا ودول أوروبية لمناقشة ذلك في مجلس الأمن لذا نتنياهو في مأزق ويفكر في بدائل وربما يستبدل البوابات الإلكترونية بزيادة عدد الجنود والشرطة غير كتائبه الخمسة المنتشرة وتركيب كاميرات إضافية لأن الفلسطينيين فهموا أن البوابات مقدمة لمرحلة التقسيم الزماني والمكاني".
ويوضح أن المواجهات في الأقصى وأحياء القدس وما تبعها من عمليات مقاومة تراكم نقاط قوة لإعادة إحياء انتفاضة القدس التي انطلقت بعد حملة التهويد والعدوان على المدينة المقدسة، وتابع "قمة الرياض والمخطط الامريكي-الإسرائيلي في ظل التواطؤ العربي حين وصفوا المقاومة بالإرهاب وخططوا لما ينفذه الاحتلال اليوم في الأقصى سجل خطأ تكتيكياً".
ويتابع: "تركيا وإيران وروسيا كان لها مواقف مغايرة وقوية وخطة صفقة القرن التي أرادها ترامب لم تمض في صالح الاحتلال وأول خطوة تجسّدت في بوابات الأقصى الإلكترونية صبّت الزيت على النار وتفاجأ الاحتلال برد فعل قوي وعنيف".
ولم يقتصر الأمر على الدول المؤثرة محورياً بل تحرّك جيران (إسرائيل) خارج المعادلة قليلاً فبدأت مصر تطالب بعقد مجلس الأمن خوفاً من انعكاس ذلك على حالتها الداخلية المتهالكة.
بقي أن (نتنياهو) الممتلك لكافة أدوات القوة التدميرية يحتاج للنزول عن الشجرة بطريقة تحفظ ماء الوجه وهو دور ستتولاه الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقاء (إسرائيل).