يتوجب على الأردنيين، سواء كانوا صناع قرار، أو نخبا، أو رأي عام، أن يلتفتوا إلى ما يصدر وما سيصدر عن الإعلام الإسرائيلي في كل ما يتعلق بقضية أحداث السفارة الإسرائيلية في عمان، وقيام أحد حراس السفارة بتصفية مواطنين أردنيين.
فاتجاه معظم التحليلات التي تزخر بها وسائل الإعلام الصهيونية برر الغضب العارم الذي أصاب الشارع الأردني بعد هذه الأحداث. فالكثير من المعلقين الصهاينة يجزمون أنه، حتى حسب رواية الحارس الصهيوني، لم يكن هناك ما يبرر قتل المواطنين الأردنيين على الإطلاق.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك من يرى أن الحارس استسهل قتل الأردنيين بسبب دوافع أيدلوجية وعنصرية وليس لاعتبارات أمنية حقيقية.
فقد كشف الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي أن الحارس ينتمي إلى التيار الديني القومي المتطرف، ويقطن جنوب الكيان الصهيوني. وعلى الرغم من أن ليفي لم يحدد اسم المستوطنة التي يقطنها بالضبط، إلا أن كاتب السطور يرجح أنها مستوطنة "نتيفوت"، التي جميع قاطنيها من اليهود الذين هاجروا من منطقة المغرب العربي.
ولا حاجة للعودة مجددا إلى تفسير الصحافية الإسرائيلية عميرة هاس التي جزمت بأن إقدام الحارس على قتل المواطنين الأردنيين جاء بسبب "النظرة العنصرية المسبقة التي تغلغلت في أعماق منتسبي أجهزة الأمن الإسرائيلية والتي لا تولي أي احترام لحياة الإنسان العربي".
من هنا، يتوجب على الأردنيين ألا يراعوا العامل الأمني في التحقيق، بل أيضا الخلفية الدينية والأيديولوجية للقاتل وأن يتزودوا بالكثير من الأدبيات الصهيونية التي كتبت حول هذه المسألة، والتي تحتاج إلى متابعة مستمرة.
في الوقت ذاته، إلى جانب متابعة الثمن الذي يجب أن تدفعه (إسرائيل) لقاء عملية القتل، فإنه يتوجب في المقابل تحصيل ثمن مقابل الاستخفاف السياسي بالجريمة الذي عبر عنه رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو باستقباله للقاتل.
لا يجدر بالأردنيين أن يكونوا متساهلين مع سلوك نتنياهو وعجرفته، حيث أن عليهم مراعاة حقيقة أن هناك انتقادات عارمة عبر عنها عدد كبير من المعلقين والنخب السياسية إزاء هذا السلوك، حيث فسروه على أن أنه إهانة متعمدة للأردن وشعبه.
ويتوجب على الأردن أن يعمل على تحقيق المخاوف التي تعبر عنها النخب الصهيونية من تبعات سلوك نتنياهو، حيث أنها تتوقع أن يؤثر هذا السلوك المخل والاستعلائي على العلاقة مع عمان.
على الأردنيين أن يطرحوا التساؤل الذي طرحته الصحافية الصهيونية سمدار بيري: التي قالت: إن ردة فعل (إسرائيل) ستكون قوية لو أن الملك عبد الله استقبل أحمد الدقامسة الذي قتل الفتيات اليهوديات بعد استكمال فترة محكوميته، في حين أن نتنياهو لا يتورع عن استقبال الحارس القاتل استقبال الأبطال. مع أن هناك فارق كبير بين الدقامسة الذي اعتقل وحوكم وسجن فترة طويلة، والحارس الذي استحثه نتنياهو في أول اتصال به أن يحدد موعدا مع صديقته!
إن من المطالب العاجلة التي يتوجب على الأردن التشبث بها في البداية هو ضمان تقديم (إسرائيل) اعتذار رسمي عن الجريمة، على اعتبار أن تقديم الاعتذار يترتب عليه تثبيت الاعتراف بالجريمة والمسؤولية عنها. وعلى الأردنيين أن يستمعوا لجدعون ليفي الذي يعيد للأذهان أن الملك حسين الراحل قد توجه لتعزية عوائل الفتيات اليهوديات اللاتي قتلهن الدقامسة في حين أن نتنياهو يرفض تقديم الاعتذار.
وكلما أبدى الأردنيون تصميما على جباية ثمن من الكيان الصهيوني كلما تعاظم الاستعداد الإسرائيلي لذلك، حيث أن لدى عمان الكثير من الأوراق الإستراتيجية التي بإمكانها أن تضغط بها على تل أبيب وتسبب لها ألما كبيرا.
فعلى سبيل المثال، بإمكان الأردن التراجع عن المشاركة في مشروع قناة البحرين الذي سيسهم في تحسين بيئة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية بشكل كبير، إلى جانب أن التراجع عن تنفيذ عقد شراء الغاز الفلسطيني والعربي الذي تنهبه (إسرائيل)، سيكون مؤلما بشكل خاص لأنه يضمن ضخ مليارات الدولارات للخزانة الصهيونية. مع العلم أن هذا الغاز يعاني الكساد ولا يجد من يشتريه. ويمكن لعمان تعطيل مشروع التجارة الحرة في منطقة "الشيخ حسين" الذي تعول عليه (إسرائيل) في تصريف تجارتها للخارج.
قصارى القول، لدى الأردن أوراق قوية بإمكانه توظيفها في الانتصار لدماء مواطنيه وتلقين الكيان الصهيوني درسا لن ينساه ويردع نتنياهو عن غيه واستعلائه.