سحب الغبار على حدود فلسطين الشمالية تثور في كل مكان من البرّ والجو خلف أسراب الطائرات المقاتلة بعد بدء مناورة جيش الاحتلال الأوسع منذ عقدين مضيا ولكن في ظروف ميدانية وخارطة سياسية مختلفة.
وكان جيش الاحتلال أعلن قبل يومين عن إجراء مناورات هي الأوسع منذ (19) عاماً على حدود جنوب لبنان مستخدماً سلاح الطيران والبحر والبرّ فيما لم يخل غلاف غزة من مناورات أقل عدة وعتاد.
وثمّة قلق حقيقي متصاعد من تعاظم قوة حزب الله وإمكانية تغير خارطة سوريا المقبلة على تقسيم جغرافي وسياسي ما يجبر الاحتلال أن يبقى على جاهزية لكافة الخيارات والاحتمالات.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، أن المناورات ستستمر 11 يوماً، وتحاكى عمليات إجلاء المدن وصد عمليات التسلل عند الحدود من قبل حزب الله اللبناني، والهجوم على لبنان بالإضافة إلى إبطال عمل خلايا التجسس.
مهمات عسكرية
ورغم التغييرات الإقليمية التي قرّبت الأنظمة العربية أكثر من (إسرائيل) حتى أصبحت تخطب ودّها علناً إلا أن عوامل المخاطرة من جبهات وتحالفات لها تأثير على حدود شمال وجنوب فلسطين لا تنتهي.
ويؤكد د. هشام المغاري الخبير الأمني أن الاحتلال قلق من حالة الإرباك وعدم الاستقرار في سوريا، وأن خشيته ليست فقط من (حزب الله وإيران ونظام سوريا) فهي ذات قيادة واضحة ومن الممكن سلوك طرق دبلوماسية وسياسية عبر الأصدقاء معهم.
ويضيف: "القلق هو من حدوث فوضى وفراغ في مناطق متاخمة لإسرائيل فالمؤشرات تقول إن سوريا مقبلة على تقسيم وإعادة هيكلة لذا لابد أن يكون الاحتلال جاهز للانقضاض على حصته وحماية جبهته في ذات الوقت".
ونصب الاحتلال في السنوات الأخيرة قرى للتدريب تحاكي نماذج قرى في جنوب لبنان وأخرى تحاكي مدن ومخيمات في غزة، لكنه اعتمد سياسة الأرض المحروقة بعد أن أخفق في معارك الجنوب (2006) وحروب غزة.
ويقول العميد يوسف شرقاوي الخبير العسكري إن المناورات هي مهمة عسكرية متواصلة لكن الاحتلال يخشى شيء جدي من المقاومة اللبنانية وقد كرر الحديث عن إمكانية السيطرة على مستوطنة.
وكان تقرير مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الذي صدر مطلع عام 2017 ملخصاً أهم التهديدات الأمنية التي تواجه الاحتلال، قد وضع حزب الله في مقدمة أعداء تل أبيب، مشيراً لتراجع إيران وحماس.
ويرى شرقاوي أن جيش الاحتلال يخشى من تطور قدرات حزب الله على صعيد الأسلحة المضادة للطيران والمضادة للدروع التي قد تحدث مفاجآت في الميدان وتخلّ بموازين المعركة جدياً.
ولازالت ذكريات الهزيمة في جنوب لبنان في تموز عام (2006) ماثلة في الذاكرة خاصة مجزرة الدبابات في قرية (بنت جبيل) فيما تزيد الخشية الآن من الالتحام مجدداً مع حزب الله الذي حصل على أسلحة نوعية تحدث عنها جيش الاحتلال مراراً.
غزة ثانياً
وفي ذات الوقت الذي تحلق فيه الطائرات فوق حدود فلسطين الشمالية ثمّة مناورات أقل وطأة في غلاف غزة تسخّن الجبهة الجنوبية.
وأجرى جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام، مناورات عسكرية بالتعاون مع ما تسمى الجبهة الداخلية بعدة مستوطنات بغلاف غزة ضمت مناطق "عسقلان، أووفكيم، نتيفوت"، بالإضافة إلى مستوطنات "ساحل عسقلان".
ويرى الخبير المغاري أن مناورات وتدريبات غلاف غزة تندرج في إطار طبيعي لكن الاحتلال يراعي حالة التعاطف الذي تعيشه بعض الفصائل الفلسطينية مع حزب الله وإيران "لذا يحافظ على جهوزيته في الجنوب".
وتمكن جنود الاحتلال في حرب (2008) من التحرك في محيط قشرة غزة فقط بينما قاتل عام(2012) عن بعد أما عام (2014) فقد حاول التقدم في الشجاعية والتفاح وشرق رفح وفشل بعد إخفاق سلاح الطيران والبحرية.
ويقول الخبير شرقاوي إن المقاومة في غزة ومثلها في لبنان تجاوزت حدود الخوف من جيش الاحتلال بعد أن فشلت حروبه المتوالية، وأن غزة لا يفضل أن تدخل مغامرة تصعيد إن لم تكن محسوبة لصالحها.
ويتابع: "الآن الأجدى استمرار التركيز على الإعداد وإدارة ملف الأسرى الذي قد يفكّ عقدة الحصار والأزمات ويخرج من السجون قيادات لها وزن ثقيل تسهم في تحسين إدارة الصراع".
الخارطة السياسية
المزيد من الأصدقاء انضموا للجبهة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة خاصّة عندما ناصبوا المقاومة العداء في قمة الرياض الأخيرة بحضور (55) زعيم عربي وإسلامي مجمعين على خطورة التمدد الإيراني الذي تعتبره (إسرائيل) الخطر الإستراتيجي الأول من حولها.
وكان "نتنياهو" قد اختتم قبل أيام زيارة إلى روسيا لم ينجح في إقناع الرئيس الروسي، "فلاديمير بوتين"، بإبعاد إيران وحزب الله عن الساحة السورية. وذكرت صحيفة "هآرتس" أن روسيا لوحت باستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي في حال اتخاذ قرار ضد حزب الله.
ويرى الخبير المغاري أن "بوتين" كرجل أمن خبير يحاول اللعب على التوازنات في المنطقة، وأن عدم تجاوبه الصريح مع "نتنياهو" لا يعني عدم تعاطف روسيا مع (إسرائيل)، وأن ما يرسله من رسائل قد يكون متعمد فلديه مصالح في سوريا ومثلها مع إيران.
ورغم أن "نتنياهو" لازال الرجل الأقوى في (إسرائيل) في ظروف إقليمية لازالت حتى الآن تخدم الاحتلال خاصة بعد تعديل مهمات (اليونيفيل) على الحدود الشمالية إلا أن الميدان قد يحمل مفاجآت ميدانية وسياسية غير محسوبة لدولة نشأت ولازالت قائمة على الصراع والاشتباك مع محيطها.