صادفت أمس الأربعاء الذكرى الرابعة والعشرين لاتفاق أوسلو، الذي وقّعته منظمة التحرير الفلسطينية مع (إسرائيل) في العاصمة الأمريكية واشنطن عام 1993م.
تتعاقب الذكرى في وقت تمر فيه القضية الفلسطينية بأحلك ظروفها، على غير ما كان يرسم له أوسلو، مما يجعله أقرب إلى الخديعة من كونه اتفاقا سياسيا لإنهاء الصراع.
تتقاطع مجموعة من العوامل التي تبرر استمرار العمل بالاتفاق رغم فشله في خلق كيان فلسطيني كان مقررا أن يرى النور في حدود عام 1998م.
في مقدمة هذه العوامل، تمسّك الطرف الفلسطيني المفاوض بالتسوية وسيلة للحل رغم ثبات فشلها، وبخلاف الإرادة الشعبية التي تجمع منذ وقت طويل بأن الاتفاق أضرّ بالقضية أكثر مما خدمها.
إضافة إلى أن من يمثّل القضية الفلسطينية ويتفرّد بقرارها اليوم هو نفسه مهندس الاتفاق، محمود عباس، الذي قال عنه زئيف إلكين وزير البيئة الإسرائيلي بمناسبة الذكرى 24 للاتفاق: "إنه متعهّد أوسلو، ويفعل ذلك عن وعي".
ويضيف إلكين أن الرئيس أبو مازن هو الذي أنجب اتفاق أوسلو، وهو الذي سيدفنه.
لا ينفك أبو مازن عن محاولة إحياء التسوية مع كل إدارة أمريكية جديدة تدخل البيت الأبيض، ومحاولة الحفاظ على كيان السلطة الذي نجح الاتفاق في تحويلها إلى وكيل أمني لـ (إسرائيل)، وهو النجاح الوحيد الذي يشار إلى أوسلو به.
يستغل أبو مازن تفرّده بالقرار الفلسطيني لفرض رؤيته التنازلية التي لا تؤمن بالمقاومة المسلحة ولا حتى السلميّة، ويحاول ترويض المؤسسات الوطنية نحو القبول بها، في ظل إصرار الشعب والفصائل المعارضة على رفض هذا الخيار.
لذلك نجده يواصل العبث بالمجلس الوطني الفلسطيني، ويرفض إعادة بناء منظمة التحرير بموجب ما اتفقت عليه الفصائل في عدد من الاتفاقات التي احتضنها عواصم عربية؛ لأنه يعلم أن دخول الفصائل المعارضة ضمن إطار المنظمة يعني خروجه خاسرا، وإعلان فشل لبرنامجه السياسي المليء بالتنازلات.
ومن اللافت أنه في الوقت الذي يدعو فيه أوسلو إلى إقامة مجلس تشريعي منتخب بالضفة وغزة، نجد أبو مازن هو المعطّل لهذه المؤسسة الوطنية، ضمن وسائل وأدوات الضغط على الخصوم لإدخالهم إلى مربعه السياسي.
ولا يمكن تبرئة أوسلو من الانقسام وتشظّي الحالة الفلسطينية الداخلية، ضمن حالة الإلهاء عن الصراع وإشغال الفلسطينيين في قضايا حياتية، تبعدهم عن المطالبة بحقوقهم الوطنية.
كما يعطي واقع الاستيطان في الضفة المحتلة إشارة كافية إلى فشل الاتفاق، وفشل الفريق المفاوض، بدليل ما قاله صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بأن البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية ارتفع منذ بداية العام الحالي بنسبة 85% مقارنة بالعام الماضي.
ويلتحق بذلك، ما حلّ بالاقتصاد الفلسطيني التي ألحقته أوسلو بنظيره الإسرائيلي؛ ليجعله تابعا له، يخضع لرؤيته، ويتحكم بأرزاق وأقوات الفلسطينيين.
من أجل ذلك، يطالب المجموع الفلسطيني، وفي مقدمتهم حركة حماس، بإعادة النظر في مشروع أوسلو الذي وصفته بـ "المسار الفاشل"، وأن ينضمّ صنّاع هذا المشروع إلى خيار المقاومة "ويفسحوا المجال للسلاح كي يقول كلمته ويرسم مسار العودة والتحرير".
واعتبرت حماس أن مشروع أوسلو كان سقوطاً كبيراً في مستنقع التنازلات، وجريمة سياسية ونضالية بحق وطننا المحتل.
يستدعي ذلك وطنيا إعادة التأكيد على أولوية الصراع مع الاحتلال، في مواجهة مشروع أوسلو والقائمين عليه، بعد ترتيب البيت الداخلي، والإصرار على إعادة بناء منظمة التحرير وفق الرؤية الوطنية التوافقية وبموجب تفاهمات بيروت الأخيرة، وما يندرج في سياق ذلك من دعم المؤتمرات الشعبية في الداخل والخارج التي تطالب بتمثيل حقيقي ومدافع عن الفلسطينيين اللاجئين، الذين يعتبرون جوهر القضية وأساس الحل.